صداع من بيونج يانج

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٣/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:١٠ ص
صداع من بيونج يانج

ديفيد إجناتيوس

عندما يتحدث مسؤولون من كوريا الجنوبية عن التحدي النووي المتزايد من كوريا الشمالية فإنهم يستخدمون عبارات حالة الاستعداد القصوى مثل "التهديد الوجودي" و "الخطر الوشيك" و "الخنجر في الحلق". إنهم يريدون من الأمريكيين أن يفهموا أن قصة حافة الهاوية هذه الدائرة منذ أمد طويل قد دخلت مرحلة جديدة.
قال لي مسؤول رفيع المستوى في كوريا الجنوبية بشكل صارخ: "يستطيع صاروخ نووي من كوريا الشمالية أن يهبط على هذا المكتب في غضون أربع إلى خمس دقائق. نحن ليس لدينا ترف التفكير مرتين ... لم تعد هذه مجرد سحابة سوداء تلوح في الأفق؛ إنه تهديد في عقر دارنا".
وعلى بعد بضعة كيلومترات في حامية يونجستان الأمريكية حيث يوجد مقر القوات الأمريكية، قدم ضابط كبير بالجيش الأمريكي تحذيرا مماثلا، حيث أشار إلى أن هذه القاعدة، مثل معظم مدينة سول، عاشت لعقود تحت تهديد المدفعية الكورية الشمالية غير المنطقة المنزوعة السلاح، ولكنه قال إن التهديد النووي مختلف: "هذا ليس مجرد عودة إلى الحرب الكورية، إنه تهديد متنامي أصبح يمثل خطرا خارج شبه الجزيرة الكورية".
هذه الأحاديث توضح لماذا قد تتصدر قضية كوريا الشمالية الاهتمامات الأمنية للرئيس الأمريكي المقبل. يوجد شعور هنا، بين مسؤولي كوريا الجنوبية والمسؤولين الأمريكيين على حد سواء، بأن كيم جونج أون، الزعيم الزئبقي في بيونج يانج، يسابق عبر الأضواء التحذيرية للحصول على أسلحة نووية وقدرات صاروخية لمهاجمة جيرانه، بل والولايات المتحدة كذلك. سيكون على الرئيس الأمريكي المقبل أن يقرر ما يجب القيام به حيال هذا الأمر.
في حديثه أمام مؤتمر منتدى المعرفة العالمية هنا في سول، قال السفير الأمريكي الاسبق كريستوفر هيل الذي ترأس المحادثات السداسية التي لم يكتب لها النجاح مع كوريا الشمالية في الفترة من عام 2005 إلى عام 2007: "إن ما تريده كوريا الشمالية هو ما لا يمكنها الحصول عليه، وهو القبول بها كدولة نووية".
والإحباط الذي عبر عنه المسؤولون الأمريكيون والكوريون الجنوبيون هو أنه لم ينجح أي شيء في كبح جماح تقدم كوريا الشمالية الذي لا هوادة فيه نحو الأسلحة النووية. فكافة المحادثات الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدة والتهديدات باستخدام القوة العسكرية، كل ذلك فشل. إن كوريا الشمالية هي بلد متخلف في كل المناحي بشكل يدعو للرثاء، إلا في برامجها النووية والصاروخية.
حتى الصين يبدو أن لديها نفوذا محدودا. ويعتقد كثير من المحللين أن بكين يمكنها بنجاح الضغط على كوريا الشمالية. ولكن رغم أن الصينيين أرسلوا مبعوثا خاصا العام الفائت للتحذير من إجراء تجربة نووية رابعة، فإن النظام مضى قدما في التجربة في شهر يناير. ثم قامت بكين بعد ذلك بتأييد قرار من مجلس الأمن بإدانة كوريا الشمالية وفرض عقوبات عليها، ورد كيم جونج أون بتجربة نووية خامسة الشهر الفائت.
فكيف ينبغي أن تعمل الولايات المتحدة مع سول لمكافحة هذه المشكلة المستعصية؟ قدم بعض كبار المسؤولين الكوريين الجنوبيين بعض الاقتراحات المفيدة.
تشديد العقوبات هو خطوة أولى. لقد كان السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة سامانثا باور هنا يناقش قرارا جديدا لعمل ذلك. وتأمل كوريا الجنوبية أن تغلق الأمم المتحدة استثناء "الرزق" الذي يسمح لكوريا الشمالية بتصدير الفحم إلى الصين. لقد بلغت صادرات الفحم بليون دولار العام الفائت وهي مصدر رئيسي للنقد الأجنبي اللازم لتمويل البرنامج النووي. وقد رفض الصينيون حتى الآن الضغط على جارتهم أكثر من ذلك.
ودق إسفين بين كيم وكبار أعضاء حكومته هو اقتراح كوري جنوبي آخر. لقد أخبرت الرئيسة بارك جيون هاي حكومتها هذا الأسبوع أن الزيادة الأخيرة في الانشقاقات رفيعة المستوى تظهر هشاشة نظام كيم – وأن كوريا الجنوبية يجب أن تشجع المزيد من المنشقين. ورسالة سول هي أنه إذا ظل كيم يتجاهل جميع المخاوف الأخرى أمام طموحه النووي فإن النظام سوف ينفجر في النهاية.
وردع كوريا الشمالية عسكريا هو أكثر ما تريده كوريا الجنوبية من الولايات المتحدة. لقد وافقت بارك على تركيب نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي "ثاد"، ولكنه لن يكون جاهزا قبل ديسمبر عام 2017. ويأمل المسؤولون في كوريا الجنوبية أن تستطيع الولايات المتحدة طمأنة الجمهور المتوتر بشأن موثوقية مظلتها النووية – بعبارة مهذبة "الردع الموسع". وهذا قد يعني مزيدا من الطلعات الجوية بقاذفات بي 52 و بي 1، ومزيدا من الزيارات التي يقوم بها كبار المسؤولين الأمريكيين ومزيدا من محادثات الدفاع المشترك مثل تلك المقررة في واشنطن الأسبوع المقبل.
أما استئناف الدبلوماسية مع بيونج يانج فلا يحظى بدعم شعبي كبير هنا، ولكن كوريا الجنوبية والولايات المتحدة تركا الباب مفتوحا. ويتمثل أحد مناهج حفظ ماء الوجه في محادثات سرية تمهيدية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية يتبعها في وقت لاحق، بالتنسيق مع الصين، محادثات علنية حول نزع السلاح النووي. ولكن ليس هناك مؤشر على أن كوريا الشمالية تريد مثل هذا الحوار.
ولكن ماذا يحدث إن فشلت جميع هذه الجهود، وقام كيم بنشر صواريخ ذات رؤوس نووية يمكنها أن تضرب الأراضي الأمريكية؟ "يجب أن يكون عندنا تعبير لطيف لعبارة ’حق الشفعة’"، هكذا علق مسؤول أمريكي كبير اسبق في المؤتمر هنا.
ولكن أيا كانت الكلمة المستخدمة، فإن الخيار العسكري البغيض قد يواجه الرئيس المقبل – للسبب البسيط المتمثل في أنه لا يبدو أن أي شيئا آخر قد أجدى نفعا.

كاتب عمود متخصص في الشؤون الخارجية في صحيفة واشنطن بوست