محمد محمود عثمان
إقرار الكونجرس الأمريكي لقانون «جاستا» سابقة دولية خطيرة لم تحدث في التاريخ القديم أو الحديث، لأنه يتعارض مع مبدأ السيادة التي تتمتع بها الدول حيث يمثل ذلك خرقا صريحا وصارخا للقانون الدولي، بكل ما يحمله من انعكاسات سلبية على الأنشطة الاقتصادية في العالم، وما قد يحدثه من فوضى في إطار العلاقات الدولية، تحت مظلة الفوضى الخلاقة التي تبنتها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة منذ عدة سنوات، ولكن من يلعب بالنار لابد أن تحرق أصابعه، لأن السحر قد ينقلب على الساحر، خاصة أن الجرائم الأمريكية متعددة منذ قنبلة هيروشيما على اليابان مرورا بفيتنام وبأفغانستان والعراق وحتى الآن، مما يعطي للمتضررين من هذه الدول الحق للمطالبة بتعويضات باهظة، من منطلق المعاملة بالمثل، وإذا كان القانون في جوهره يعني ابتزاز دولة عربية هي المملكة العربية السعودية فإن هذا ليس بجديد على أمريكا ودول الغرب الذين يتلمظون لالتهام ثروات العرب والدول الخليجية تحديدا، فقد وصلت أرصدة السندات السعودية بمفردها في الاقتصاد الأمريكي إلى 750 بليون دولار، مما يثير الشكوك في النوايا الأمريكية التي استدرجت السعودية لزيادة استثماراتها، ولعلها كانت متأكدة من عدم قدرة السعودية على سحبها أو أنها كانت تخطط منذ فترة لتجميد هذه الأرصدة لحساب قانون «جاستا»، لأن سحبها يتسبب في انهيار الاقتصاد الأمريكي بشكل أو بآخر، وقد بدأوا في ذلك منذ أن استغلوا أزمة العقارات والديون وإعلان إفلاس بعض البنوك الكبرى للتخلص من ديونها والتزاماتها قبل الدول العربية الدائنة، مما كلف الدول العربية خسائر فادحة تصل إلى أكثر من 1,5 تريلون دولار، والآن يأتي قانون «جاستا» الذي لم يأتِ من فراغ على الرغم أنه اقتصادي، إلا أن هناك تربصا بالإسلام باعتباره الخطر الوحيد الذي يهدد الغرب، وهم لم يخفوا هذه التخوفات، ومن ثم فليس مستغربا أن تستهدف السعودية التي بها أهم المقدسات الإسلامية في العالم، والتشكيك في قدرة السعودية على حماية هذه المقدسات، أو قدرتها على حماية الحجيج من كل بقاع العالم ودعوة إيران للقيام بهذه المهمة، والسعي إلى تدويل أماكن هذه المقدسات، وفي ذات الطريق يتم استهداف مصر أيضا، التي بها أهم الرموز الإسلامية في العالم وهو الأزهر الشريف، ليس ذلك فقط بل باعتبار أن مصر والسعودية هما الأركان والأعمدة الأساسية للكيان العربي القوي، لذلك نرى التركيز من أمريكا والغرب على محاصرتهما اقتصاديا بكل الطرق المشروعة أو غير المشروعة - وكأنها حرب خفية ضد الخليج -، وحتى بالإشاعات في ظل الفوضى العارمة التي تعيش المنطقة على واقعها؟
التحديات كبيرة وقد لا تستطيع السعودية أو مصر مواجهة الرياح العاتية الشديدة، لأن التهديد كبير والتحدي الداخلي والخارجي أكبر، الأمر الذي يتطلب وقفة عربية سريعة وصلبة، من خلال نظرة مستقبلية واعية تلقي بالخلافات القُطرية جانبا، وعلينا أن نتفحص جيدا المخططات الغربية لإعادة تشكيل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط بحيث يكون لصالح إيران وتركيا وإسرائيل واستبعاد السعودية ومصر بعد العراق، وكل هذا طبعا وفقا لتوجهات البوصلة الأمريكية التي توزع الأدوارالوظيفية الإقليمية لكل طرف بما في فيها إيران، فرغم الاتفاق النووي وتغاضي واشنطن عن تدخلات طهران في العراق واليمن وسوريا إلا أن الولايات المتحدة في النهاية ليس لديها مصلحة في علاقات قوية مع إيران والمواقع التي تحتلها، لأن اهتماماتها الأولى هي دعم إسرائيل، وتمكينها من الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، عبر تحالفها وارتباطها الوثيق بالغرب، خاصة مع الاعتقاد بأن المنطقة مقبلة على هزات استراتيجية خطيرة من شأنها أن تعيد هيكلتها بصورة كاملة، ومن ثم فإن الأمور قد تتغير بسرعة في منطقة الخليج العربي ولا سيما إذا سقطت السعودية أو ضعفت مصر، لذلك فإنه ربما تتعرض المنطقة العربية لجزء من مخطط استعماري غربي لضرب الثروات النفطية العربية والاستيلاء على ما حصل عليه العرب من الغرب في صورة أموال نفطية نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار النفط في السنوات الفائتة.
محمد محمود عثمان
mohmedosman @yahoo.com