بوتين ينبش الماضي

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٧/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
بوتين ينبش الماضي

جورج ويل

تعمد فلاديمير بوتين توجيه إهانات مستمرة لوزير الخارجية الأمريكي بخصوص القضية السورية بصورة تنبئ عن نية بوتين زعزعة الاستقرار في العالم. كما أن هناك اشارة أخرى تحمل نذر شر أكبر وهي أن السفن الإيطالية انتشلت 6055 مهاجرا في عرض البحر المتوسط. ولكن ما علاقة ذلك مع بوتين؟ إنه نذير بتحقيق تطلعه لإحداث ارتباك سياسي واجتماعي وأخلاقي في أوروبا.
تقول تقارير صحيفة فاينانشال تايمز أن عددا قليلا من بين 138 ألف مهاجر قدموا الى ايطاليا كانوا من سوريا، في حين أن الغالبية العظمى منهم من أفريقيا، والعدد الأكبر من نيجيريا. وتقول احصاءات الأمم المتحدة للسكان في العالم أن 10 في المئة فقط من سكان العالم في أوروبا، ومن المتوقع أن ينخفض هذا العدد في عام 2050 عما هو عليه اليوم. ومع أن16 في المئة من سكان العالم الآن في أفريقيا إلا أن التوقعات تشير الى أن القارة السمراء سوف تشهد أكثر من نصف النمو السكاني العالمي من الآن وحتى عام 2050، كما أنها ستشهد أعلى معدل نمو سكاني في العالم، وفي الوقت الحالي فإن 41 في المئة من سكانها تحت سن 15. ومن بين البلدان التسعة المتوقع أن تشهد نصف النمو السكاني في العالم بحلول عام 2050، يوجد خمسة في أفريقيا (نيجيريا والكونغو وإثيوبيا وتنزانيا وأوغندا) وسكان نيجيريا، سابع أكبر عدد سكان في العالم حاليا، هم الأسرع نموا.
وحتى بدون التوقعات المحتملة – على سبيل المثال أن تؤدي الضغوط السكانية في افريقيا الى ظهور دول فاشلة – فربما يعبر عشرات الملايين من المهاجرين البحر المتوسط إلى أوروبا. وتقول الاحصاءات أن نسبة 24 في المئة من السكان في أوروبا في عمر الـ 60 سنة وما فوق، وليس من بين الدول الأوروبية معدل مواليد كاف للحفاظ على الأحجام السكانية الحالية. فهل يمكن للهجرة أن تحمل معها الأيدي العاملة والتمويل للحياة الكريمة للشعوب الأوروبية المسنة؟
لقد شهدت أوروبا في الآونة الأخيرة حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي نتيجة وصول مليون مهاجر سوري طالبين اللجوء، أما الهجرات القادمة من أفريقيا فمن الممكن أن تشكل أكبر خطر على التماسك الاجتماعي في أوروبا منذ عام 1945، بل حتى منذ وقف القوات العربية في بواتييه( مدينة فرنسية دارت بها معركة بلاط الشهداء) عام 732.
وهذا التقويض لإحساس الثقة لدى الغرب يمثل أهمية لأيديولوجية يسعى بوتين الى تنفيذها والتي تقول بأن أمن روسيا وعظمتها يعتمد على ما أسماه بن يهوذا "إمبراطورية جغرافية" ترنو ببصرها الى طشقند شرقا لا إلى باريس غربا. وفي مقالات يهوذا التي نشرت في مجلة ستاندبوينت البريطانية أشار الى أن محطات التلفزيون الروسي تعمل بلا هوادة لعرض صورة عن بلد عجائب يعج بالغضب تحت عناوين مثل: روسيا تتعرض للهجوم، روسيا تكتظ بالخونة، روسيا تعرضت للخيانة في عام 1991، روسيا عاشت مجدها تحت قبضة ستالين الثابتة.
وروسيا بوتين، كما كتب أوين ماثيوز في ذا سبيكتاتور تعمل على تقديم ثقافة احتشام ترعاها الدولة كي تجعل من نفسها قلعة أخلاقية في مواجهة الانحطاط الغربي. وقد استفادت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية من قانون عام 2013 الذي يجرم "الإساءة إلى مشاعر المؤمنين المتدينين.
وفي مجموعة من المقالات تحت عنوان "السلطوية تنتشر عالميا" (جونز هوبكنز) حذرت ليليا شيفتسوفا من معهد بروكينجز أن بوتين يفرض ثورة محلية للمحافظة الثقافية وفي الوقت نفسه تحويل روسيا إلى قوة انتقامية وتشكيل جبهة عالمية معادية للغرب.
ومنذ الهجوم الستاليني على كل الروابط" الأفقية "(حتى الروابط الأسرية)، يقع الروس بصورة مأساوية تحت رحمة الدولة ومطالبها: فالأفراد عليهم تعويض عجزهم بالنظر الى النجاحات الجماعية الوطنية التي تعد بجمعهم معا واستعادة كرامتهم، مثل ضم شبه جزيرة القرم.
وفي نفس السياق كتب بيتر بومرانتسيف، الذي يدرس الدعاية في القرن الـ21 يقول "الهدف الأساسي للتضليل الإعلامي المحلي من بوتين لا يهدف الى الإقناع بقدر ما يهدف الى إشاعة السخرية، وعندما يفقد الناس الثقة في كافة المؤسسات، أو يتخلون عن القيم الأسرية، يمكن بسهولة أن يقبلوا بالرؤية التآمرية من العالم.
وكرملين بوتين ينسج شبكة من الخيوط المتضاربة ولكنها مفيدة، فقوميتها المحافظة تنسجم مع صعود اليمين الأوروبي في حين أن رسالتها المناهضة للغرب وخاصة للولايات المتحدة تتماهى مع اليسار الأوروبي. كما أنه يمول جماعات حماية البيئة الأوروبية التي يخدم معارضتها لاستخراج النفط الصخري جدول أعمال بوتين لإبقاء اعتماد أوروبا على الغاز الروسي.
وعلى ما يبدو فإن مخاوف الثلاثينيات تبعث من جديد في جوانب عديدة مثيرة للقلق، ففي أوروبا تلعب روسيا دور ألمانيا في إثارة الفصائل المناهضة للديمقراطية، وفي الداخل الأمريكي تجد واشنطن ما يشتت انتباهها، ودور تشارلز ليندبيرج يقوم به مرشح رئاسي يحظى بإعجاب وتأييد بوتين، على درجة من الجهل الى حد أنه لا يعرف من أين أتى شعاره "أمريكا أولا."

كاتب مقال رأي بصحيفة واشنطن بوست