مخاطر التهاون مع الديون

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٣/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
مخاطر التهاون مع الديون

كارمن راينهارت
في كتابه "مسار إلى الإصلاح النقدي"، يقول جون ماينارد كينز: "ما تنفقه الحكومة يسدده عامة الناس. ولا يوجد ما قد يسمى عجزا مكشوفا".
لكن روبرت سكيدلسكي، مؤلف سيرة جون ماينارد كينز الجليلة في ثلاثة مجلدات، له رأي مختلف. ففي تعليق كتبه مؤخرا بعنوان "فزاعة الديون الوطنية"، يقدم سكيدلسكي سردا متعاليا، في لهجة تستخدم عادة مع الأطفال الصغار والحيوانات الأليفة، بشأن القلق غير المبرر الذي أبداه صديقه المسِن العتيق الطراز الجاهل ماليا حول العبء الملقى على عاتق أجيال المستقبل بفِعل ارتفاع مستويات الديون الحكومية.
إذا كانت وجهة نظر سكيدلسكي أن بعض الاقتصادات، بما في ذلك اقتصاد الولايات المتحدة، قد تستفيد من ارتفاع الإنفاق على البنية الأساسية، حتى على حساب المزيد من الديون، فكنت لأتفق معه تماما. فهناك أسباب مقنعة لتعزيز الاستثمارات العامة في الولايات المتحدة، وتتضمن هذه الأسباب تدهور البنية الأساسية، وفتور النمو، وأسعار الفائدة المنخفضة، وضيق مجال زيادة مستويات التحفيز النقدي. والواقع أن مثل هذا الزخم ربما يكون موضع ترحيب بشكل خاص فيما يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة (ولو تدريجيا) في حين تعتمد دول أخرى المزيد من التخفيف أو تثبت أسعار الفائدة بلا تغيير ويزداد الدولار قوة في الأرجح.
الواقع أن هذا القدر من الرضا عن الذات يصبح مخيبا للرجاء بشكل خاص عندما يأتي من مؤلف يعرف كينز حق المعرفة. فلا أستطيع أن أقرأ كتاب "كيف ندفع تكاليف الحرب" فأستنتج أن كيننز تصور أن ديون الحرب المرتفعة كانت "فزاعة" للمملكة المتحدة. الواقع أن جهاز ترتيبات بريتون وودز التي ساعد كينز لاحقا في صياغتها كان مصمما لتخفيف الانتقال الصعب نحو الخروج من الديون.
ويلاحظ سكيدلسكي، ارتفعت الديون بشكل كبير في المملكة المتحدة والولايات المتحدة (بين دول أخرى) منذ عام 2008، في حين ظلت أسعار الفائدة منخفضة أو انحدرت. فهل ينبغي لنا بالتالي أن نستخلص أن ارتفاع الديون لا يرتبط بالنمو المنخفض عن طريق أسعار الفائدة المرتفعة (التي تزاحم الإنفاق الخاص)؟
بقليل من التعمق في قراءة دراستي مع روجوف وراينهارت، سوف يجد المرء أن هناك "القليل من الدلائل التي تشير إلى تخطيط منهجي بين أكبر الزيادات في متوسط أسعار الفائدة وأكبر الفوارق (السلبية) في النمو خلال فترات أعباء الديون الفردية".
ولكن لماذا يتعايش ارتفاع الديون مع تباطؤ النمو، على الرغم من التمويل الرخيص؟
قد تعمل مستويات الديون المرتفعة على تقييد قدرة أي دولة على التعامل مع الأحداث السلبية، وهذا هو ما يحدث غالبا. على سبيل المثال، جرى تشخيص بعض من أكبر البنوك في إيطاليا على أنها تقترب من الإعسار وتحتاج إلى إعادة رسملة كبيرة. وليس من المستغرب أن تهتز ثقة الأسر والشركات الإيطالية، وأن يعقب ذلك هروب رؤوس الأموال. ولكن لو لم تكن ديون إيطاليا تعادل بالفعل 130% من الناتج المحلي الإجمالي، فهل كانت حكومتها لتصبح في وضع أفضل يسمح لها بتوفير الموارد اللازمة للتصدي بحسم للمشاكل المصرفية ومشاكل الثقة العالِقة؟
حددت دراستنا في عام 2012 ثلاث حالات من أعباء الديون العامة الجارية والتي بدأت في منتصف التسعينيات ــ في اليونان، وإيطاليا، واليابان. نسبة إلى اقتصادات متقدمة أخرى، فإن هذه الاقتصادات الثلاثة هي صاحبة الأداء الأسوأ في ما يتصل بالنمو (انظر الرسم البياني). ولكن الرأي القائل بأن النمو المنخفض هو الذي يتسبب في ارتفاع مستويات الديون لا يفسر تجربة العقدين الماضيين في هذه الدول الثلاث، على الرغم من أهميته في تقييم تأثيرات ردود الفِعل الدورية.
من الصعب أن نتصور انتعاشا مستداما في النمو اليوناني من دون جولة أخر من تقليم أصول الديون والإعفاءات من قِبَل دائني اليونان الرسميين، الذين يحتفظون الآن بأغلب ديونها. وتعتمد إيطاليا بشكل كبير على استمرار مشتريات البنك المركزي الأوروبي الواسعة النطاق من سنداتها (ارتفعت أرصدتها مؤخرا بموجب نظام السداد تارجت 2، وهو ما يعكس هروب رأس المال). ويبذل بنك اليابان قصارى جهده لتنظيم زيادة في توقعات التضخم ونمو الأسعار، وهو ما قد يساعد في تقليص قيمة الديون المستحقة. ("لأن التضخم في حد ذاته يُعَد محصل ضرائب قوي"، كما لاحظ جون ماينارد كينز). كما تناضل دول أخرى، مثل البرتغال، ضد النمو المنخفض والأوضاع المالية الضعيفة.
الواقع أن سكيدلسكي لا يحتاج إلى من يذكره بالسجل التاريخي، ولكن تجدر الإشارة إلى أن أكثر من عشرة اقتصادات متقدمة حصلت على تخفيف أعباء الدين في شكل أو آخر خلال فترة الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين. ومن المرجح أن تتباين أساليب حل الديون الحالية بين البلدان، ولكن الوقت حان للتركيز بشكل أكبر على إعادة هيكلة الديون (والتي تأتي مصحوبة بقائمة من الخيارات) وليس على تكديس المزيد من الديون.
كارمن راينهارت أستاذة النظام المالي الدولي في كلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد.