ناثان جاردلز
في أعقاب الهجمات الإرهابية في مدينة نيس وأماكن أخرى في فرنسا، قامت عدة بلدات على طول الشواطئ المشمسة في جنوب فرنسا بحظر البوركيني (هو نوع من ملابس السباحة عبارة عن بدلة سباحة تغطي كامل الجسم ما عدا الوجه واليدين والقدمين). وهذا الحظر للتستر في اللباس يكشف ليس فقط عن انشقاق بين المبادئ الإسلامية المحافظة والغرب الليبرالي، بل أيضا بين مفاهيم العلمانية في الغرب نفسه.
الشيء الجدير بالملاحظة هو أن التعاطف مع الحظر وحّد اليسار دائم الشكوى مع اليمين في فرنسا. يقول رئيس الوزراء الاشتراكي مانويل فالس إنه يرى وراء مفاهيم موضة مثل البوركيني "فكرة أن المرأة بطبيعتها غير محتشمة وغير طاهرة ولذلك يجب أن تغطي نفسها بالكامل. وهذا لا يتفق مع قيم فرنسا والجمهورية". تصف لورانس روسينول، وزيرة الأسر والطفولة وحقوق النساء في فرنسا، البوركيني بأنه "شيء قديم مهجور بشكل عميق" وأنه يهدف إلى "إخفاء جسم المرأة من أجل السيطرة عليها". وكتبت مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني أن "فرنسا لا تحبس جسد المرأة، فرنسا لا تخفي نصف سكانها تحت ذريعة واهية بغيضة بأن النصف الآخر سيشعر بالإغراء".
في هذا، هم جميعا يتفقون مع ما ظل يقوله عالم الاجتماع التركي نيلوفر جول على مدى عقود: "السياسة الإسلامية تسعى للحد من الأماكن العامة المجانية من خلال الحد من ظهور المرأة وذلك عن طريق الحجاب، وهو في جوهره محاولة للسيطرة على الحياة الجنسية للمرأة من خلال تنظيم اللقاء الاجتماعي بين الجنسين ... وبالتالي، في السياق الإسلامي، فإن وجود مساحة ديمقراطية عامة يعتمد على اللقاء الاجتماعي بين الجنسين وعلى شهونة المجال العام".
في موقع هفبوست مغرب، كتبت إكرام بن عيسى رأيا مخالفا: "ينبغي أن يكون المواطنون أحرارا في ارتداء ما يختارون. فمتى يحظى المسلمون في أوروبا بالاحترام والتعامل كمواطنين على قدم المساواة مع غيرهم؟ متى نتوقف عن تهميش الملايين من المواطنين المسلمين الأوروبيين، ولا سيما النساء؟"
وتتفق مع هذا الرأي الصحفية الأسترالية المصرية منيرفا حماد، حيث تقول: "نحن الآن في عام 2016، فهل يمكن أن نسمح للمرأة بالحرية في اختيار ما تريد أن ترتديه؟ أليس هذا هو الشكل النهائي للتحرير؟ إن مجرد أن الكثير من المشاهير من النساء يخترن ارتداء ملابس كاشفة والدندنة حول الحركة النسوية لا يعني أنهن يتمتعن بالحرية. إن الحرية تبدأ من داخل رأسك، وليس من فوقها". وتتذكر منيرفا تجربة مختلفة في أمريكا، حيث ذهبت للسباحة وهي ترتدي بوركيني، فتقول: "لقد قضيت وقتا ممتعا حقا في السباحة في تكساس. لم ينظر إليّ أحد نظرات محرجة ولا قال لي أحد أي كلام يقلل من شأني. لم يكن أحد يهتم من يرتدي ماذا". وفي الإشارة إلى الفرق بين العلمانية الفرنسية والعلمانية الأمريكية، تلمس منيرفا جوهر الانقسام داخل الغرب.
لقد ناقشت هذا التنافر في مقابلة مع الرئيس التركي آنذاك عبد الله جول خلال الربيع العربي في عام 2012، عندما كان رئيس الوزراء وقتها رجب طيب أردوغان قد طلب من جماعة الإخوان المسلمين المصرية ألا يخافوا من العلمانية:
قال لي عبد الله جول: "الأمر المؤسف بالنسبة للبلدان العربية والمغاربية هو أن تفسيرهم للعلمانية يقوم على النموذج الفرنسي، وهو نموذج يفرض نوعا من الإلحاد. وأنت عندما تتحدث عن العلمانية أمام المجتمعات المسلمة في المنطقة، تجد أن تفسير العلمانية في البلدان العربية والمغاربية يعني محاربة الإسلام باسم العلمانية ... ومن ناحية أخرى إذا استخدمت التفسير الأنجلوسكسوني للعلمانية، كما تتم ممارسته في الولايات المتحدة أو بريطانيا، تجد أنها تعني شيئا ينبغي أن يشعر الناس بالارتياح إليه. فكل ما تعنيه هو الفصل بين الدولة والدين، أن تحافظ الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان، وأن تتصرف بصفتها راعية لجميع المعتقدات. إنها تقوم على احترام جميع الأديان والتعايش بين جميع المعتقدات".
لقد ولدت الجمهورية الفرنسية، وأصوليتها العلمانية، من رحم الثورة ضد الكنيسة الكاثوليكية المتحالفة مع النظام الملكي. أما الجمهورية الأمريكية فقد ولدت من رحم الرغبة في الحرية الدينية. لذلك قد لا يكون مستغربا أن فرنسا الحديثة، التي تستضيف بين سكانها نحو خمسة ملايين مسلم ينحدرون بشكل كبير من مستعمراتها السابقة في شمال أفريقيا، أصبحت هي الحافة الحادة وساحة المعركة الرئيسية في صراع الحضارات الذي تسعى لتجنبه.
رئيس تحرير شبكة جلوبال فيوبوينت وشبكة وورلدبوست.