خطط طموحة لتحقيق نقلة جوهرية للرعاية الصحيـة بالخليج

مؤشر الثلاثاء ٠٢/أغسطس/٢٠١٦ ٢١:٤٧ م
خطط طموحة لتحقيق نقلة جوهرية

للرعاية الصحيـة 

بالخليج

مسقط –
أكد مدير مشاريع لشركة بوز ألن هاملتون أميل سلهب أن صناعة الرعاية الصحية تشهد حاليًا تحولًا جوهريًا على الصعيد العالمي. ودول مجلس التعاون الخليجي هي أكثر البلدان المتأثّرة بهذا التغيير. فبسبب تكلفة الرعاية الصحية الباهظة والمطالبة بخدمات أفضل وبأسعار مقبولة أكثر، يُعيد المسؤولون التفكير في نماذج تقديم الرعاية واستكشاف الفرص المتوفرة لتحسين الجودة وزيادة النفاذ، بالإضافة إلى احتواء التكاليف المتزايدة في الوقت نفسه. واستجابة لهذا الوضع الذي يشهد تغيرا سريعا، تعمل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي على رفع التحدي مع اعتمادها السياسات والخطط الجديدة لإدخال التغيير. إنّما لكن، على الرغم من اتخاذها هذه الخطوات، لا تزال الفرص غير مستغلة في مجال تحليلات الرعاية الصحية.

أكثر من أيّ وقت مضى

فلدى قطاع الرعاية الصحية حاليًا، وأكثر من أيّ وقت مضى، حق النفاذ إلى كميات هائلة من البيانات المتوفّرة في المكتبات الطبية، والسجلات الطبية الإلكترونية، والتطبيقات الصحية والأجهزة القابلة للارتداء، ووسائل الإعلام الاجتماعية، والمؤشرات البيئية. ومع إمكانية نفاذ مؤسسات الرعاية الصحية إلى مصادر المعلومات الغنية والمعقدة هذه، بات لديها القدرة الآن على التأثير على النفاذ إلى خدمات الرعاية الصحية، وجودتها، وتكلفتها وذلك من خلال اتخاذ القرارات القائمة على البيانات التي من شأنها أن تطوّر السياسات وتدير الموارد بشكل أفضل من أي وقت مضى.

تُقدم احتمالات هائلة

إنّ منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، التي شهدت تقدمًا تكنولوجيًا عظيمًا في السنوات الأخيرة، تُقدم احتمالات هائلة تمامًا كالتحديات الدائمة التي تعاني منها أنظمة الرعاية الصحية فيها، ولا تُعد التكلفة أقلها. وعوضًا عن خفض الإنفاق الخاص بالرعاية الصحية، وجدت دول مجلس التعاون الخليجي نفسها مرغمة على زيادته. ومن المتوقع أن يرتفع الإنفاق بنسبة تقدّر بـ4.4 في المئة سنويًا للوصول إلى مبلغ 60 بليون دولار أمريكي بحلول العام 2020 وفقًا لبيانات نشرتها الماسة كابيتال، إلا أنّ الزيادة في الاستثمار ستؤدي إلى تحسينات ملموسة من حيث النفاذ إلى الرعاية الصحية والجودة. في الواقع، ما زال مستوى الخدمات الصحية في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي أدنى من المستويات المحددة من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

يصبح أكثر صعوبة

ستُعالج إلى حد ما زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية في دول مجلس التعاون الخليجي التفاوت في المؤشرات الصحية. إلا أنّ القيام بذلك يصبح أكثر صعوبة في ظل انخفاض أسعار النفط وتراجع الإيرادات من الموارد الطبيعية الثمينة. وبالتالي يجد المسؤولون، أنّ عليهم بكل بساطة بذل المزيد من الجهود لتقديم الأفضل في ظلّ أسوأ الظروف. فمع ضيق الأحوال المادية، قد تؤدي زيادة كفاءة الرعاية الصحية في المنطقة إلى نتائج أفضل في بعض المجالات، من دون أن تشملها جميعها. في حين قد يشهد متوسط العمر المتوقع، على سبيل المثال، تحسنًا، فمن المرجح أن يكون لزيادة الكفاءة تأثير لا يكاد يذكر على عدد الأطباء. ومع ذلك، رغم تحديات التمويل والكفاءة التي تعيق إدخال التحسينات في مجال الرعاية الصحية في المنطقة، لا يزال الاقتصاد الرقمي في دول مجلس التعاون الخليجي يشهد نموًا على قدم وساق، وذلك بفضل المهارات والابتكار والقدرات اللازمة لتسهيل نجاح تحليلات الرعاية الصحية. وعلى هذا الصعيد، كل ما على المسؤولين في المنطقة فعله هو اغتنام الفرصة وتحويل الإمكانيات إلى نتائج ملموسة. أمّا على الساحة العالمية، فيتم بالفعل استخدام تحليلات البيانات الصحية بشكل يُحدث تأثيرًا كبيرًا في مجالات مختلفة كالتنبؤ بالأمراض الوبائية والوقاية منها، وتحديد أنماط السلوك البشري، والحد من هدر الموارد، وبناء القدرات.

أداة تتمتع بفعالية متزايدة

في الوقت نفسه، يُشكّل «البحث في الوقائع» أداة أخرى تتمتع بفعالية متزايدة وتهدف إلى الحد من تكاليف الرعاية الصحية وتوفير رعاية أفضل للمرضى. وتقتصر هذه التقنية على جمع وتحليل البيانات البيئية المُستشعرة بواسطة الآلات، وتستخدم لتحديد أنماط السلوك البشري. على سبيل المثال، تستخدم مراكز السيطرة على الأمراض تقنية «البحث في الوقائع» لاستكشاف الأنماط الخاصة بالمشتريات الصيدلية، والإحصاءات المرورية الخاصة بالمتجولين على الطرقات، وسجلات الحضور في المدارس وأماكن العمل للكشف عن سلالات جديدة من الإنفلونزا، وتوقع الأدوية المطلوبة، ومساعدة المستشفيات، والمدن، والشركات في توقع الارتفاع الحاد في الطلب.
في العام 1994 أطلقت مراكز السيطرة على الأمراض برنامج لقاحات الأطفال إثر ظهور مرض الحصبة مجددًا في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وتهدف هذه المبادرة إلى ضمان عدم مساهمة العجز المادي للأسرة في جعل الأطفال عرضة لأمراض يمكن الوقاية منها بواسطة اللقاحات. أما من حيث الفوائد الصحية، فيقدّر مركز السيطرة على الأمراض أنه بفضل اللقاحات تم تجنب 21 مليون حالة استشفاء و732.000 حالة وفاة لدى الأطفال الذين ولدوا في السنوات العشرين الفائتة. وفي الوقت نفسه، ساهم برنامج لقاح الأطفال الذي امتد بين عامي 1994 و2013 في توفير 295 بليون دولار أمريكي من التكاليف المباشرة و138 تريليون دولار أمريكي من حيث إجمالي التكاليف الاجتماعية التي كانت ستتكبدها البلاد لولا وجود هذا البرنامج. إن استخدام تحليلات البيانات الصحية في برامج التحصين هذا سيزيد من تأثيرها الإيجابي بشكل ملحوظ بالنسبة إلى المرضى ومقدمي الرعاية الصحية.

مزايا مُحتملة

بالإضافة إلى المنافع العديدة التي توفرها التحليلات المماثلة لعامة السكان، هناك أيضًا مزايا مُحتملة يمكن أن ينتفع منها المرضى الفرديون. فعلى سبيل المثال، يمكن الاستعانة بالمعلومات الهائلة التي يمكن استخلاصها وتحليلها من السجلات الطبية الخاصة بشخص معيّن، ونمط حياته، ونشاطه على وسائل الإعلام الاجتماعية، وموقعه، فضلًا عن العوامل البيئية الأخرى، لتقديم الرعاية الوقائية والعلاجية الموجهة بشكل أفضل. هذا ومهّد النفاذ إلى البيانات الشخصية الطريق أيضًا للحصول على الرعاية القائمة على الحوافز، مع الضرائب المخفضة، وأقساط التأمين المخفضة، فضلًا عن المنافع غير المالية الإضافية المقدمة للمرضى الذين يختارون أن يعيشوا حياة صحية أكثر.و من الممكن أيضًا الحدّ من التكلفة وتحقيق الرفاه حين تعمل الحكومات ومقدمو الرعاية الصحية للحد من هدر الموارد وتحديد مواطن الضعف في عملية تقديم الرعاية. وقد أثبتت ولاية في أستراليا كيف يُمكن، بفضل الرؤية المحسنة وتحليل المعلومات، المساهمة في كشف مواطن الضعف هذه، وبالتالي، تسليط الضوء على المبالغ التي يمكن توفيرها.

ارتباط وثيق بمسائل الكفاءة والهدر

من جهة أخرى، يرتبط قياس الجودة ارتباطا وثيقا بمسائل الكفاءة والهدر، علما أن هذا المجال ينتفع مجددا من تحليلات البيانات الصحية. يعمل المسؤولون في مجال الصحة حاليا على قياس النتائج عبر أنظمتهم من أجل تحويل المستشفيات إلى مرجعية، وبالتالي التشجيع على إنشاء مستشفيات تتمتع بالفعالية والكفاءة، ودعم التحسينات في تلك التي يكون أداؤها أدنى من المستوى المطلوب. مع ازدياد الشفافية بفضل هذا التطور، يُمنح المرضى النفاذ إلى البيانات الجديرة بالثقة التي تمكنهم بدورها من اتخاذ قرارات مستنيرة لاختيار الأنسب من بين مقدمي الرعاية بهدف تلبية احتياجاتهم.
ويشكل هنا مركز خدمات الرعاية الصحية والمساعدات الطبية خير مثال على ذلك. وقد طوّرت وكالة الصحة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية نظام الجودة لتقييم الخطط الصحية والمستشفيات، إذ سمح هذا المجهود بإنشاء برنامج مشتريات على أساس القيمة حيث يتم تحفيز المستشفيات لتحسين الجودة والأداء. ونتيجة لذلك، كافأ مركز خدمات الرعاية الصحية والمساعدات الطبية أكثر من 1500 مستشفى وشجع على تعزيز الرعاية التي تتمحور حول المريض.

الاستفادة من البيانات التشغيلية

وأثبتت أدوات التحليل المُعتمِدة على البيانات فعاليتها من حيث قدرة المسؤولين عن نظام الرعاية الصحية على بذل جهود التخطيط. ومن خلال الاستفادة من البيانات التشغيلية وبيانات الاستخدام وجمعها مع تحليل العوامل الاقتصادية، والاتجاهات الديموغرافية، وأنماط السكان الصحية، يمكن لصنّاع القرار في مجال الرعاية الصحية التخطيط بدقة أكثر للاستثمارات الرأسمالية وتعزيز الاستفادة من الخدمات الطبية إلى أقصى حدّ. في حالات متعددة، من خلال اعتماد هذه التدابير تمكّن المسؤولون من تطوير قدرات تصوّر الأنماط المكانية وبالتالي تحديد المناطق التي تعاني نقصا أو إفراطا في تقديم الخدمات بشكل سريع، ونتيجة لذلك، العمل على تحسين أنظمة الرعاية الصحية الخاصة بها.
إلا أنّ تحسين أنظمة الرعاية الصحية يتطلب العمل على جبهات متعددة، فمعالجة مسائل القدرة والكفاءة والوقاية والجودة بشكل منفصل لا يمكن أن يؤدي سوى إلى نتائج محدودة. ولبناء نظم مستدامة للمستقبل، لا بد من اعتماد نهج شمولي متعدد الأوجه لتحليلات الصحة في حال سادت الرعاية والجودة والتكلفة. ولكن قبل أن يتولى المسؤولون هذه المهمة المعقدة، يجب أن يتم العمل على تثبيت عدة عناصر أساسيّة في مكانها.

توفّر العوامل المساعدة المناسبة

في الواقع، لا يمكن تحسين قيمة تحليلات الرعاية الصحية إلى أقصى حدّ إلا في حال توفّر العوامل المساعدة المناسبة على المستوى الوطني، وتشكّل الرؤية العامل الرئيسي بينها. وقبل المباشرة في تحليل البيانات، على الحكومات وأصحاب المصلحة اختيار مجموعة من المجالات ذات الأولوية بالإضافة إلى تحديد الأهداف والنتائج المتوقعة من تحليلات الرعاية الصحية بشكل واضح. وبعد القيام بذلك، ونظرا للعدد الكبير للجهات المعنية في أنظمة الرعاية الصحية الوطنية، ينبغي تحديد آلية واضحة لإدارة البيانات حرصًا على دقة المعلومات التي تخضع للتحليل وجدارتها بالثقة.
كما تُعد البنية الأساسية المناسبة والأطر التنظيمية من العوامل الرئيسية، وفي ما يختصّ بالعامل الأوّل، تتطلّب تحليلات الرعاية الصحية بنية تحتية تقنية مناسبة مثل السجلات الطبية الإلكترونية والأجهزة القابلة للارتداء وذلك لجمع البيانات بشكل دقيق وشامل. ينبغي أن تكون البنية الأساسية قادرة على دمج كميات كبيرة من البيانات ومعالجتها وتحليلها، الأمر الذي يتطلب على سبيل المثال افتراضية كبيرة واللجوء إلى قدرات الحوسبة السحابية.
أما بالنسبة للأطر التنظيمية، فقضايا خصوصية البيانات في سياق الرعاية الصحية لها أهمية قصوى وينبغي أن تكون أساليب استخدام البيانات السرية وتخزينها شديدة الوضوح. وإن أخذنا هذه المسألة في عين الاعتبار، على الحكومات أن تحرص على توفير الضمانات المناسبة لحماية المنظمات، لا بل الأهم من ذلك، حماية المرضى.

التنفيذ الفعال يتطلب الأشخاص المناسبين

حتى مع وجود أطر عمل قوية، وبنية أساسية متينة، ونظم راسخة، فمن دون الأشخاص المناسبين، ستذهب سُدىً الجهود المبذولة لاستخدام تحليلات البيانات بنجاح. فالتنفيذ الفعال يتطلب الأشخاص المناسبين الذين يتقنون تحليل البيانات الضخمة، وهذا أمر ضروري يتغاضى عنه مسؤولو الرعاية الصحية. في الواقع، في دراسة استقصائية شملت الموظفين الفدراليين في الولايات المتحدة الأمريكية، أعلن 29 % فقط أنّهم قد وظفوا خبراء مدربين على إدارة وتحليل البيانات الضخمة. وتبقى الحكومات والجهات المسؤولة عن الرعاية الصحية في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي وخارجها مؤهلة للاستفادة من كل ما يمكن أن تقدمه تحليلات بيانات الرعاية الصحية. في عالم تُعد فيه الصحة أهم ما نملك، يمكن للتحليلات دعم وضع السياسات القائمة على البيانات مع القدرة على تخفيض تكاليف الرعاية الصحية ورفع مستوى جودتها.

أرقام من منظمة

الصحة العالمية:

وفق منظمة الصحة العالمية، يبلغ عدد الأطباء في دول مجلس التعاون الخليجي 17.7 طبيب لكل 10.000 شخص، في حين أن عدد أسِرّة المستشفيات يبلغ 13.7 سرير لكل 10.000 شخص، ومتوسط العمر المتوقع هو 76.3 سنة. وفي هذا السياق، تظهر أحدث إحصاءات أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن متوسط عدد الأطباء لدى الدول الأعضاء فيها يبلغ 33 طبيبًا لكلّ 10.000 شخص، في حين أن متوسط عدد الأسِرّة في المستشفيات يبلغ 48 سريرا لكلّ 10.000 شخص، أما متوسط العمر المتوقع فيبلغ 80.5 عام.