آخر الحرس القديم

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٤:٣٩ ص
آخر الحرس القديم

نينا خروتشوفا

إن نظام الرئيس فلادمير بوتين هو من الأنظمة التي تستعصي على الفهم مقارنة بالأنظمة الفائتة التي حكمت روسيا والآن هناك لغز جديد قادم فهل أقوى شخصية من الحرس القديم في سانت بيترسبرج والذي ساعد على تأسيس نظام بوتين قبل 18 سنة على وشك السقوط؟

إن الحرس القديم وهم الرجال الذين جاؤوا من الأجهزة الأمنية والعسكرية كانوا يتمتعون بسيطرة كاملة في روسيا خلال الجيل الفائت، وسيتشن كان يتمتع بمكانه افضل ضمن الكي جي بي مقارنة ببوتين نفسه، وتقلد العديد من المناصب المهمة في إدارة رئيسه ومنذ 2012 كان الرئيس التنفيذي لشركة النفط العملاقة التي تملكها الدولة روزنفت وهي ثالث أضخم شركة في روسيا (بعد غازبروم ولوكاويل) علما أن رئيس مجلس الإدارة فيها منذ سبتمبر هو المستشار الألماني الأسبق جيرهارد شرويدر.

وتحت قيادة سيتشن أصحبت روزنفت دولة داخل الدولة وذلك بربع مليون موظف وإيرادات تصل إلى 65 بليون دولار أمريكي و50 شركة فرعية تابعة لها في روسيا وخارجها أي نفس عدد شركات غازبروم علما أن روزنفيت وبشكل اكبر من جازبروم كانت من رواد طريقة عمل نظام بوتين منذ سنة 2004 وذلك عندما استولت على أصول يوكوس بعد سجن رئيس الشركة ميخائيل خودروكفسكي وهو من معارضي بوتين بعد توجيه تهم الاحتيال والاختلاس له.
لقد كان لسيتشن على الدوام خط مباشر مع بوتين والعديد من الروس كانوا يفترضون ولفترة طويلة أنه أيضا أعين وآذان الجهاز الذي حل مكان الكي جي بي وهو جهاز الأمن الفيدرالي ضمن قطاع الموارد الطبيعية والذي يشكل جوهر الاقتصاد الروسي ومركز شبكات القوى الفاسدة في البلاد.
لكن اليوم يجد سيتشن نفسه في معركه قضائية علنية للغاية وذات أهمية رمزية حيث تم استدعاؤه ثلاث مرات من قبل المحكمة الجزائية في موسكو للشهادة في قضيه اليكسي يوليكايف وهو وزير التنمية الاقتصادية الأسبق ولكن سيتشن لم يحضر الجلسات حيث ذكر مكتبه مؤخراً للمحكمة أنه لن يحضر قبل العام المقبل.
لقد كانت أعذاره لعدم الحضور اعتيادية: ضياع الاستدعاء وبرنامج عمله والذي يتضمن زيارات حكومية كبيرة لفيتنام وتركيا ولكن الشيء غير الاعيتادي هو قيام محكمة روسية بإصدار أمر لشخصية من وزن ومكانة سيتشن من اجل الشهادة بشكل علني بل على العكس من ذلك في عالم سياسة الكرملين فإن هذه الخطوة هي غريبة للغاية.
لقد بدأ كل ذلك قبل عام عندما تم اعتقال يوليكايف في المكتب الرئيسي لروزنفيت في موسكو حيث زعم انه كان يحاول الحصول على رشوة بقيمة 2 مليون دولار من سيتشين في مقابل دعمه لخطط روزنفت لاكتساب غالبية أسهم الدولة في باشنيفت وهي شركة نفطية اقليمية. لقد قام سيتشين بعد إجراء محادثة سابقة تتعلق بالموضوع بالتبليغ عن يوليكايف الى جهاز الأمن الفيدرالي والذين كانوا ينتظرون لاعتقال الوزير.
لكن روسيا تعمل من خلال الرشوة وعليه فإن القرار بتحريك دعوى رشوة ضد لاعب قوي لا يتعلق على الإطلاق بحكم القانون فالدافع الحقيقي لقرار سيتشن ملاحقة يوليكايف ما يزال غامضا وربما شعر بأنه بحاجة لتذكير الوزير بحجمه ضمن تراتبية الكرملين الجامدة أو ربما طبقا للشائعات فإن يوليكايف كان يعمل مع مسؤولين آخرين من أجل كبح جماح سيتشين وذلك من خلال منع روزنفيت من اكتساب اسهم باشنيفت.
على أي حال فإن خطة سيتشين – والتي من الممكن أن بوتين لم يكن يعلم عنها شيئا- سرعان ما أتت بنتائج عكسية بعد أن أصبحت الإجراءات القانونية علنية ولقد تم الكشف في سبتمبر عن نصوص تسجيلات سيتشين السرية لمحادثته مع يوليكايف والتي تنطوي على الإدانة على وجه الخصوص.
لقد وصف سيتشين قرار المحكمة بفتح القضية للعامة على أنه «قماءة مهنية» وأدعى بأن قضايا مثل تلك القضية يجب أن تقفل من جميع الجهات لأنها تحتوي على أسرار دولة ولكن الحقيقة هي أن سيتشين كان متعجرفاً وغبياً عندما افترض أنه لن يتم إقحامه بالقضية.
بالطبع نظرا لدور سيتشين في الإيقاع بيوليكايف فإن المنطق يقتضي بأن يكون أول شاهد يتم استدعاؤه ولكن في روسيا فإن الشخصيات القوية أو المشهورة –مثل على سبيل المثال خودوركفسكي– لا يصبح متورطاً في قضايا قانونية بدون الموافقة الصريحة للكرملين فلا يمكن لقاضي محكمة أو مدعي على مستوى منخفض في موسكو أن يستدعي سيتشين من تلقاء نفسه.
وعليه عندما تم استدعاء سيتشين كاخر شاهد – رقم 13 غير المحظوظ- كان هناك استنتاج منطقي واحد وهو أن بوتين والذي قام بالفعل بإقصاء عدد من قيادات الحرس القديم والذين ساهموا في توليه مقاليد السلطة قد قرر توبيخ سيتشين فالمستشار القوي الذي كان يعمل من خلف الأبواب المغلقة قد تجاوز حدوده كثيرا.
وكما في قضية خودوروكفسكي يبدو أن الكرملين يستخدم المحكمة كمنبر لتوضيح مواقفه من النخبة في روسيا وهذا مهم على وجه الخصوص ونحن على أعتاب الانتخابات الرئاسية سنة 2018 لأسباب ليس اقلها أن هناك إشاعات بأن بوتين يسعى لإيجاد شخص مطيع ومحل ثقة لتولي منصبه على الأقل بشكل مؤقت.
حتى لو قرر بوتين الترشح- النتيجة الأكثر احتماليه نظرا لولعه بالسيطرة الكاملة- فإنه سيسعى لإيجاد رئيس وزراء تابع له فرئيس الوزراء الحالي ديمتري ميدفيدف قد فقد مصداقيته بسبب عدم فعاليته –بالنسبة للعامة والذين ينظرون إليه كقزم سياسي-وتواضع مستواه نظراً لمستوى الفساد الشخصي الذي تم كشفه عنه.
إن استهداف سيتشين لواحد من وزراء بوتين يبدو أنه محاولة منه لاستعراض عضلاته وربما كان يعتقد أن ذلك سيظهر جاهزيته كلاعب سياسي مهم ولكن عوضاً عن ذلك أظهرت هذه القصة مرة أخرى أنه لا يوجد «رقم 2 « حقيقي في روسيا فهناك بوتين فقط وهو يتحكم بجهاز الأمن الفيدرالي والمحاكم ومفاصل الاقتصاد.
سواء قرر بوتين البقاء كرئيس أو ملء هذا المنصب مؤقتا من خلال دمية كما فعل مع ميدفيدف سنة 2008 فإن رسالته هي غاية في الوضوح وهي أنا وفقط أنا هو المسؤول.

أستاذة في الشؤون الدولية ومساعدة العميد للشؤون الأكاديمية في ذا نيو سكول وزميلة بارزة في معهد سياسات العالم.