![](https://shabiba.eu-central-1.linodeobjects.com/2025/01/1737905461-1737905461-n74f3ufxixir-700x400.jpg)
مسقط - خالد عرابي - تصوير- خالد البوسعيدي
استطاع عرض البالية "ألف ليلة و ليلة" الذي قدمته فرقة مسرح بريمورشكي التابع لمسرح المارينسكي الدولية والشهيرة - نظرا لأنها تضم مؤدوون عالميون محترفون ومشهورون من روسيا وآسيا وأمريكا وأوروبا، أن يبهر جمهور دار الأوبرا السلطانية مسقط خلال عرضه مساء يومي الخميس والجمعة الماضيين، فعلى مدى 110 دقيقة تخللتها استراحة لمدة 20 دقيقة (أي مدته 90 دقيقة) جلس الجمهور مشدودا في مقاعده تجوب أعينهم خشبة المسرح الرئيسي لدار الأوبرا الذي فتح على أخره ليستوعب هذا الكم الكبير من المؤدين والديكور والأوركسترا وجميع عناصر الابهار التي وظفتها مصممة الرقصات ومخرج العرض من حيث الاخراج والديكور والألوان والملابس وأداء فرقة البالية الأخاذ الذي يجعلك تريد أن ترى كل شيء يدور على خشبة المسرح ولا تلاحق ذلك، والأهم هو الموسيقى المبهرة التي قدمتها الفرقة الموسيقية بقيادة أيوب جولييف - وهو قائد أوركسترا مبدع من العاصمة الأذربيجانية باكو ذاع صيته في دور الأوبرا العالمية من روسيا وأمريكا وفيينا بالنمسا. والذي استطاع أن يجعل الموسيقى تنسجم مع الأداء الأوبرالي في كل شيء.
بداية أعترف أنني شاهدت وتابعت عرض ألف ليلة وليلة مرات عديدة وفي عدة دور أوبرالية ومن تقديم العديد من الفرق ولكنني أستطيع ان أجزم أن هذا العرض كان من أجمل وأمتع وأبهر العروض الأوبرالية لباليه ألف ليلة وليلة، وأرجع السبب في ذلك إلى أن القائمين على هذا العرض يبدو أنهم درسوا هذه القصة والرؤية التاريخية لقصة "ألف ليلة وليلة" تماما وما أحاط بها من حكايات ما بين الحقيقة والخيال بما فيها قصة الملك شهريار وشهرزاد التي تطوعت للزواج من الملك وهي تعلم أنها مقبلة على الموات لأن شهريار الذي تعرض للخيانة أقسم أنه سوف يتزوج كل يوم امرأة ويقتلها حتى يخلص الرجال من الخيانة.
ديكور ثري وراق مستمد بلاط الملوك القدامى
كما نجح فريق الاخراج والديكور في الاستفادة من التراث العربي القديم بديكور ثرى ورائع يشعرك بطابعه التراثي العربي و كأنك في بلاط الملوك القدامى، و رافقه ملابس تعود بك إلى عصر الجواري الذين كانوا يجوبون ويرقصون في حفلات السمر في تلك القصور، بل وحتى أداء الباليه كان من قمة روعته والإبداع فيه يتمازج ليصل في بعض الأحيان إلى الجمع ما بين رقص البالية مما بين الرقص الشرقي العربي ودون أن يخل أو يقلل أبدا من الأداء والرقص الأوبرالي وهذه قمة التحدي في الأداء.
وكان من الأشياء المهمة جدا والتي ساعدت تلك الفرقة العالمية في النجاح في تقديم العرض في أفضل صوره المبهرة فالامكانيات المتاحة بمسرح دار الأوبرا السلطانية من حيث الاتساع وقبول حركة المسرح بسهولة ويسر حيث استخدام تكنولوجيا متطورة جدا فيه و امكانيات خشبة المسرح والاضاءات والحركة سواء ناحية الجوانب أو الأمام والخلف جعلت الفريق المؤدي يزيد الإبداع ابداعا والأداء جمالا و أبهارا.
تقول نتاليا مصممة الرقصات في تقديمها للعرض في كتيب الحفل: يعد باليه ألف ليلة وليلة – وهو من تقديم مسرح بريمورشكي التابع لمسرح المارينسكي واحدا من أبرز الأعمال التي تحتفي بالسحر الشرقي وأجواء الحكايات الخرافية. ويجمع الباليه بين تصميم الرقصات الفريدة والإيقاعات الاستثنائية والألحان العجيبة، إلى جانب المشاهد البصرية الخلابة والأزياء التي تعد تحفا فنية.. قدم هذا العرض لأول مرة في 11 يناير 1979م على مسرح الأوبرا والباليه الأكاديمي الوطني في العاصمة الأذربيجانية باكو، من تأليف الموسيقار فكرت أميروف، الذي سعى إلى مزج الألحان الشرقية بالموسيقى الكلاسيكية الغربية بأسلوب فريد من نوعه، ليخلق عملا يجسد روح الشرق في قالب عالمي. واستلهم فكرت أميروف موسيقاه من رحلاته في العالم العربي وبلاد فارس والهند، ولذا فقد تأثر بالإيقاعات والأساليب الموسيقية خاصة الشرقية، وحرص على دمجها في هذا العمل المبدع الرائع. ثم حدث العمل مؤخرا مرة أخرى وقدم برؤية اخراجية معاصرة بمعية مسرح " بريمورشكي" التي قدمت العرض الأول منه بهذه الرؤية الحديثة على مسرحها في روسيا وها هو يقدم وفق هذه الرؤية الحديثة على مسرح دار الأوبرا السلطانية مسقط ليبهر ويمتع الجميع
دارت قصة باليه "ألف ليلة وليلة" في ثلاثة فصول، تناول الأول منها أجواء بلاط الملك شهريار، حيث تبدأ القصة داخل قصره الفخم، المليء بالأبهة والثراء، لكنه يحمل في أركانه ظلال الحزن والخيانة، فشهريار الذي تعرض للخيانة من قبل زوجته، يقرر معاقبة النساء انتقاما للخيانة، فيقرر الزواج كل ليلة بامرأة جديدة ثم يعدمها فجرا حتى يخلص الرجال من الخيانة، في ظل هذا المصير المرعب، تتقدم شهرزاد، الحسناء الذكية، للزواج منه رغم إدراكها المصير المحتوم. لكنها تخطط لإنقاذ حياتها عبر سرد الحكايات المشوقة، فتقترح على شهريار أن تروي له كل ليلة قصة مشوقة، دون أن تنهيها، مما يدفعه إلى تأجيل تنفيذ حكم الإعدام لسماع بقية القصة في الليلة التالية، وهكذا، يتحول قصر شهريار من مكانٍ للرهبة والخوف إلى مسرحٍ لسرد الحكايات التي تحمل في طياتها الأمل والسحر.
أما الفصل الثاني فيزداد فيه عنصر التشويق حين يتوالى عالم الحكايات فتأخذنا شهرزاد إلى عوالم الخيال التي تنبض بالحياة، وبفضل خيالها الساحر، تنتقل خشبة المسرح إلى أماكن بعيدة مليئة بالمغامرات والأساطير، تتحول الحكايات إلى لوحات راقصة، يتجسد فيها أبطال الحكايات مثل السندباد البحري الذي يجوب البحار والمحيطات ويواجه وصائر مختلفة، وعلاء الدين الذي يعثر على المصباح العجيب فيحقق له أمنياته، والأميرة بدر البدور التي تتألق في عالمها السحري المليء بالمفاجآت، وعلي بابا والأربعين حرامي وكيف يواجههم بدهائه ويتغلب عليهم، وتصور كل تلك الحكايات بمشاهد مفعمة بالسحر والخداع والمؤامرات والبطولات، حيث تتشابك قصص الحب والخيانة، النبل والخداع، والقوة والفداء، كل قصة تضيف مزيدا من الإثارة والتشويق، وتدفع شهريار إلى التعلق بشهرزاد أكثر، ويجد نفسه مولعا بها ومفتونا بعالمها السحري الذي لم يختبره من قبل.
وأما، الفصل الثالث والأخير فيشهد قمة التشويق ووصول القصة وبالتالي البالية قمة ذروته، حيث تنتصر الحكايات بالحب، ومع استمرار شهرزاد في سرد قصصها، يبدأ قلب شهريار بالتحول شيئًا فشيئًا، ويتبدد الغضب بداخله، ويحل محله الإعجاب بشهرزاد، بل والحب الصادق. يدرك شهريار أن القوة الحقيقية لا تكمن في الانتقام، بل في التسامح والمحبة. وفي المشهد الأخير، وسط أجواء احتفالية مهيبة، يعلن السلطان عن حبه لشهرزاد، ويقام حفل زفافهما الملكي، ليكون تتويجًا لانتصار الحب على الكراهية، وانتصار الحكايات على العنف، وانتصار الحكمة على الانتقام. ينتهي الباليه في مشهد مفعم بالحب والمودة ويعم القصر جو من الفرح والسعادة، في إشارة إلى أن الكلمة، حين تكون صادقة ومؤثرة، يمكنها أن تغير حتى أكثر القلوب قسوة.