محاصرة جذور الفساد الحكومي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٥/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٠٦ م
محاصرة جذور الفساد الحكومي

ويليام بيرنز ومايك مولين

لقد وصف البابا فرانسيس الفساد بإنه " غرغرينا الناس "كما قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بإن الفساد هو "عامل من عوامل التطرف" لإنه "يدمر الإيمان بالسلطة الشرعية" ولقد وصف رئيس الوزراء البريطاني الفساد بإنه " من أكبر أعداء التقدم في زمننا ".
إن الفساد ببساطة هو إستخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب شخصية وكما يقر القادة بشكل متزايد فإن الفساد يهدد التنمية والكرامة الإنسانية والأمن العالمي وفي مؤتمر مكافحة الفساد في لندن بتاريخ 12 مايو سوف تتوفر لقادة العالم- مع ممثلين عن قطاع الأعمال والمجتمع المدني- فرصة سانحة للتعامل مع هذه الحقيقة .
إن الفساد مستنكر في كل الثقافات وعلى مر التاريخ وهو موجود منذ بداية وجود الحكومات ولكن مثل الجرائم الأخرى فلقد أصبح معقدا بشكل متزايد خلال العقود القليلة الفائتة مع تأثيرات مدمرة على رفاهية وكرامة أعداد لا تحصى من الأبرياء.
بادىء ذي بدء فإن الفساد يشل آفاق التنمية فعندما ينتشر الإحتيال في مجال المشتريات العامة أو تتم سرقة حقوق الملكية للموارد العامة من المصدر أو يتم إحتكار القطاع الخاص من قبل شبكة ضيقة من المقربين فإن السكان يصبحوا غير قادرين على تحقيق إمكاناتهم .
لكن للفساد تأثير آخر معروف بشكل أقل وهو أنه بينما يشاهد السكان قادتهم وهم يقومون بإثراء أنفسهم على حساب الشعب ، فإنهم يصبحون محبطين وغاضبين بشكل متزايد- وهذا قد يؤدي أحيانا لإضطرابات أهلية وصراع عنيف.
إن العديد من الأزمات الأمنية العالمية الحالية متجذره في هذه العملية المتغيرة والمتجددة . إن السخط من السلوك المتعالي لضابط شرطة فاسد ساعد في دفع بائع فاكهة تونسي لإشعال النار في نفسه سنة 2010 مما أدى إلى إندلاع الثورات في العالم العربي ولقد طالب المحتجون بإعتقال وزراء محددين ومحاكمتهم وطالبوا بإستعادة الأصول المنهوبة وهي مطالبات كانت نادرا ما تتحقق .
في الأماكن التي عادة ما يتباهى فيها المسؤولون الحكوميون بثرائهم وبالقدرة على الإفلات من العقوبة فإن الحركات المتطرفة- بما في ذلك طالبان وبوكو حرام وداعش- تستغل غضب المواطنين وطبقا لهذه الجماعات فإن الطريقة الوحيدة لإستعادة النزاهة العامة تأتي من خلال تطبيق صارم لقواعد السلوك الشخصي علما أنه مع عدم وجود بديل قابل للتطبيق وعدم وجود مجال للمناشدات السلمية فإن مثل هذه اللغة أصبحت مقنعة بشكل متزايد.
إن من الواضح أنه يجب محاربة الفساد. إن الأقل وضوحا هو كيفية عمل ذلك ففي عالم من المطالبات المتنافسة فإنه يبدو أن الحكومات الفاسدة تخدم أغراضا حيوية فإحداها ترسل الجنود لمحاربة الإرهاب وأخرى توفر موارد طاقة حيوية أو القدرة للوصول للمواد الخام وعليه يتوجب على الزعماء في نهاية المطاف التعامل مع توازنات صعبة.
حتى نحدد المقاربة الأفضل في كل حالة على وجه الخصوص يتوجب على الحكومات تحليل المشكلة بشكل أكثر فعالية وهذا يعني تحسين جمع المعلومات الإستخبارية والبيانات وكما ذكرت الخبيرة الإمنية ساره تشايس في كتاب ضد الفساد وهو مجلد يضم المقالات التي ستنشرها الحكومة البريطانية خلال القمة ، فإن الفساد اليوم هو ممارسة منظمة وهو نتاج عمل شبكات معقدة تشبه الجريمة المنظمة حيث يتواصل العملاء الفاسدون من خلال تلك الشبكات . يتوجب على الحكومات دراسة تلك النشاطات وتداعياتها بنفس الطريقة التي تدرس فيها المنظمات الإجرامية أو الإرهابية العابرة للحدود.
يتوجب على البلدان المانحة التي تتوفر لديها تلك التقييمات هيكلة المساعدات بطريقة تخفف من مخاطر الفساد فالمساعدات العسكرية أو التنموية هي مساعدات سياسية ويجب تطويع البرامج للتحقق من أن لا يتم الإستيلاء على الأموال من قبل النخب السارقة وهذا يعني أنه لم يعد ممكنا إلقاء عبء جهود مكافحة الفساد على مختصين لا يمتلكون موارد كافية كما يجب أن يكون لتلك الجهود دورا مركزيا في التخطيط لمبادرات التنمية الرئيسية أو بيع أنظمة أسلحة مكلفة . يجب أن تفهم الحكومات المتلقية بإن التمويل سوف ينقطع لو إستمرت في تبديده أو سرقته .
في واقع الإمر فإن الفساد وأبعاده يجب ان يحدد الطريقة التي يتعامل بموجبها المسؤولون الغربيون مع نظراءهم في العالم النامي . إن الوزارات التي أمضينا حياتنا المهنية في خدمتها – وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع الأمريكية- تولي أهمية كبيرة لبناء العلاقات والدبلوماسيون يعتمدون على تلك العلاقات من أجل تعزيز مصالحهم الوطنية والعلاقات المهنية بين الضباط العسكريين هي إحيانا القنوات الوحيدة التي تصمد أمام العواصف السياسية ولكن الدبلوماسيين والقادة العسكريين يجب أن يكونوا مستعدين لإن يرجعوا خطوة للوراء عندما يكون ذلك ملائما ووضع شروط على تعاملاتهم وإستخدام نفوذهم وحتى لو كان هناك خطر إغضاب نظراءهم.
لكن كما كشفت مؤخرا التقارير عن الموردين التابعين لشركات وهمية أو الرشوة عن طريق الوسطاء فإن الكثير من النفوذ الحقيقي موجود في الوطن أي في القطاعات المالية والعقارية المحلية وفي شركات العلاقات العامة والمحاماة والتي تلمع من صور الفاسدين وفي الجامعات التي تعلم أولاد المسؤولين الفاسدين وتسعى للحصول على تبرعاتهم . إن تطبيق قانون المنظمات الفاسدة والمتأثرة بالإبتزاز من إجل تجريم مسؤولي الفيفا وهي الهيئة الدولية المشرفة على نشاط كرة القدم يظهر كيف أن التركيز على مزودي الخدمات الغربيين يمكن أن يحد من الفساد بين المسؤولين الأجانب .
إن الأداة المهمة في الحرب ضد الفساد سوف تكون الإبتكار التقني والذي يمكن أن يقلل من فرص حصول السلوك الخاطىء ويمكن المواطنين من التبليغ عن الممارسات القانونية ويعزز الشفافية والمساءلة لدى الحكومات . لقد تم إحراز تقدم في العديد من المجالات وذلك من التسجيل الإلكتروني للناخبين للدفعات الإلكترونية للموظفين الحكوميين وبينما التقنية ليست دواء لجميع الإمراض ولكن عندما يتم الجمع بينها وبين الإصلاحات الحكيمة في السياسات فإنها قد تشكل مساهمة ذات معنى في القتال من أجل الحكم الرشيد.
لن تكون أي من تلك الإقتراحات سهلة التنفيذ ولكن من أجل التعامل مع العديد من الأزمات التي يعاني منها العالم حاليا فإن وجود تركيز قوي على مكافحة الفساد سيكون حيويا . إن أملنا هو أن يظهر المؤتمر المقبل في لندن وحدة الهدف والإلتزام بالعمل المطلوب بشدة.

ويليام ج بيرنز: نائب وزير الخارجية الأمريكي الأسبق
مايك مولين : رئيس رئاسة الأركان الإمريكية المشتركة الأسبق.