بقلم: محمد محمود عثمان
لا يمكن أن تمر ذكرى انتصارات العاشر من رمضان التي وافقت السادس من شهر أكتوبر في عام 1973،بدون أن نمر على الدروس التي تعلمناها والانتصارات التي حققناها منذ خمسة عقود من الزمن ، لأننا نريد ترسيخ معاني النصر والبطولات في وجدان النشء والشباب ، الذي تغذي بثقافة الهزيمة لسنوات طويلة ،ولم يلم تماما بحقيقة الوضع العربي الذي سبق هذه الحرب وتسبب فيها ، بعد أن احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء من مصر وهضبة الجولان من سوريا والضفة الغربية التي كانت تحت إدارة الأردن وقطاع غزة الذي كان خاضعا للحكم العسكري المصري في عام 1967عام النكسة
لان الانتصارات الاقتصادية والسياسية التي تحققت حطمت كل مشاعر اليأس والإحباط التي تجذرت في نفوس العرب منذ نكبة 1948 مرورا بحرب السويس والاعتداء الثلاثي على مصر في عام 1956 ، ثم نكسة 1967 ، وزمن الانكسارات الذي عايشناه بعد هذه الهزائم ، وحتى حرب الاستنزاف التي تبعتها والعبور من عار وذل الهزيمة إلى انتصار العاشر من رمضان
الذى شرُفت بأن أكون أحد صُناعه والمشاركين فيه ضمن أول دفعة تجنيد للمؤهلات العليا من خريجي الجامعات والمعاهد للاستفادة منهم في التعامل مع المعدات والآلات الحربية الحديثة والأجهزة المتطورة والمعقدة في الجيش المصري ، حيث استطاع المقاتل تطويرها وتطويعها بما أعطاه القوة والثقة في النفس وفي السلاح الذي يستعمله،استعدادا لخوض هذه الحرب ، وقتها توسط لي ضابط كبير في القوات المسلحة حتى لا أُجند ضمن ضُباط الاحتياط الذين كانت تمتد خدمتهم في القوات المسلحة لأكثر من ثلاث سنوات، ولكن شاءت الأقدار وظروف الحرب أن نستمر بخدمة القوات المسلحة لأكثر من هذه الفترة ، حتى تحقق انتصار العاشر من رمضان ،لذلك علينا ألآ نهمل هذه الذكرى ونتمعن في أحداثها ووقائعها والانتصارات التي تحققت ،بعد 50 عاما على تلك الحرب المجيدة ، حتى نأخذ منها العبر والدروس التي يجب ان يتعلمها أجيال اليوم والغد بما فيها من دلالات ومؤشرات كانت هي الدليل إلى النصر او الطريق الذي اوصلنا اليه. حيث كان شعار الجنود في هذه الحرب هو الله أكبر .. الله أكبر، وهو اول مؤشر للعودة إلى الله وإلى التمسك بالثوابت الدينية والأخلاقية التي كانت بمثابة عودة الروح للجندي المقاتل ليدافع بعقيدة وعزيمة عن عقيدته ووطنه ،وقد ساعد على هذا الانتصار الدعم العربي السياسي والاقتصادي ، الذي تمثل في التأثير الاقتصادي على أمريكا ودول أوروبا نتيجة حظر النفط العربي ، بقيادة الملك فيصل ملك السعودية وبموافقة دول الخليج ،الذي أعلن بأن الحظر لن يرفع قبل انسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية التي احتلت في عام 1967، وأن تتخلى أمريكا عن تأييد إسرائيل اقتصاديا وعسكريا وسياسيا،
وكان ذلك تحديا مباشرا لهيمنة القوة الأميركية والغرب، و قدمت نموذجا فريدا للتضامن العربي وتوظيف كل الطاقات العربية اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا ،
وقد أدى ذلك إلى التحولات الاقتصادية التي طرأت على اقتصاديات العالم أجمع ،بعد أن أحدث قرار حظر النفط صدمة في الغرب وحالة من الاضطراب في الدول المستوردة للنفط، وساد الذعر والهلع بين المستهلكين وخاصة في أوروبا، وتم اتخاذ إجراءات لتقنين توزيع وقود السيارات، وشوهدت لأول مرة طوابير السيارات تتجمع أمام محطات الوقود في عدد من الدول الأوروبية في انتظار دورها
،وفي المقابل فقد أحدثت حرب العاشر من رمضان نقلة نوعية اقتصادية غير مسبوقة غيرت وجه الحياة في الدول المصدرة للنفط ،بعد ارتفاع عائدات النفط من 14مليار دولار في عام 1972 إلى 213 مليار دولار في 1980 ، وبذلك تضاعفت الأسعار في أقل من 10 سنوات من الحرب بنحو 15 ضعفا ، بما يمثل أكبر انتصار اقتصادي للإرادة السياسية العربية في العصر الحديث للمرة الأولى – وربما كانت الأخيرة حتى الآن- التي نفتقدها في مواقف كثيرة متعلقة بحاضر ومستقبل الأمة العربية ، في الوقت الذي تتولد فيه قوى وتكتلات جديدة ، بعيدا عن هيمنة القطب الواحد ، تدافع عن مصالحهم في إطار الصراعات على الهيمنة الدولية سياسيا واقتصاديا
، فهل آن الأوان أن نجعل من بلادنا العربية كتلة سياسية- اقتصادية ذات وزن وثقل عالمي ، تحقق نوعا من التكامل العربي في الرؤي السياسية و المجالات الاقتصادية ، نحقق من خلاله التفوق ولو في صناعة أو اثنين من الصناعات الحديثة القائمة على مشتقات النفط ، والحد من تصديره خاما بدون تصنيع ،حتى نفرض التوازن بين الصادرات والواردات ، بعد أن ظهر للجميع ضعف الإمكانيات الاقتصادية العربية غير النفطية، خاصة بعد أن نجح سلاح النفط العربي في التأثير الإيجابي على مواقف الدول الكبرى وعلى مجريات حرب العاشر من رمضان -السادس من أكتوبر1973 ، ما كان له الأثر الكبير في تغيير موازين القوى في ذلك الوقت . حتى أن الولايات المتحدة " فكرت في الاستيلاء على حقول النفط في الخليج "، بعد حظر تصدير النفط العربي الذي أدى إلى انخفاض قيمة الدولار كاحتياطي نقدي عالمي ، وما تبعه من قفزات في أسعار النفط عالميا ، و لذلك فقد استولت أمريكا على النفط العراقي في التسعينات ، وتواجدت عسكريا بقوة بجوار حقول نفط الخليج الأخرى. .
=================
Mohmeedosman @yahoo.com