بقلم: محمد محمود عثمان
العالم يعيش الآن في فزع وقلق من المستقبل في ظل استمرار حر ب أوكرانيا والسير في نفق مظلم ، مع تفشي الكساد الذي يلقي بظلاله على الجميع ، حيث تشهد اقتصادات الدول النامية أزمات متعددة أكثرها ضراوة ما يتعلق بالمدخلات الصناعية ومكونات الإنتاج وقطع الغيار والغذاء والطاقة،وضعف قدرة المستهلكين من أصحاب الدخل المحدود ، والتي بدأت مع اختلال سلاسل التوريد و تعطيل طرق التجارة ، والذي نتج عنه توقف الكثير من الصناعات التي تعتمد على الخامات المستوردة ،الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار بشدة ، ووصلت تداعياتها إلى الأسر والأفراد ، التي تعاني من ثبات الأجور والمرتبات والمعاشات التقاعدية في مواجهة معدلات التضخم غير المسبوقة ، بجانب انخفض القوة الشرائية للعملات المحلية في بعض الدول وغول الغلاء الذي يلتهم أي زيادات في الدخل أو في الأجور ،إذا لم يتم تثبيت الأسعار قبل هذه الزيادات، وتجريم اي زيادة لاحقة في الأسعار،حتى لا تكون الزيادة في الأجورسببا في ارتفاعات عشوائية جديدة في منحنى الأسعار ، نظرا لضعف منظومة الرقابة ، وجشع بعض كبار تجار الجملة والمُستوردين ، الذين يتحكمون في حجم وعدد السلع المعروضة في مواجهة الاحتياجات التي يفرضها منحنى الطلب المتزايد ،
لأن هذا نوع من الفساد يحتاج إلى المزيد من الانضباط والضوابط وتحديد هامش ربح مرن - بناء على فواتير الاستيراد - لا يمكن تخطيه ،و يلتزم به هؤلاء حماية للمستهلكين وللمجتمع ،وتساعد في ذلك أجهزة ومؤسسات أو جمعيات حماية المستهلك ، ووزارت التموين والتجارة والصناعة والشرطة المتخصصة ، وأجهزة الرقابة الإدارية والمالية وجمعيات المجتمع المدني ، حتى ننجح في الخروج من عنق زجاجة الكساد القائم ، والذي ربما يتواصل إلى فترات قادمة ،
نظرا لأن التداعيات الأكثر خطورة تأتي من التأثيرات السلبية على الأنشطة الاقتصادية في الدول المُصدرة للغذاء مثل أوكرانيا وروسيا خاصة بعد فرض العقوبات الاقتصادية عليها ،وتأثردوائر الإنتاج وموانئ التصدير، والانعكاسات المباشرة على الدول المرتبطة معهما بعلاقات تجارية مثل معظم الدول العربية ، التي استسلمت تماما للكساد الذي يلقي بظلاله الكئيبة على اقتصاداتها ،المرتبطة أيضا بضعف التجارة العالمية ، بعد تقلص حجمها مع طرفي النزاع تصديراً واستيراداً ،ويؤيد ذلك تقارير البنك الدولي التي تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر المناطق المُعرضة بشكل خاص للصدمات التجارية بسبب اعتمادها الكبير على الواردات الغذائية، وهذا مؤشر إلى أن الكساد فرض نفسه وقد يمتد لسنوات، بعد الارتفاع الكبير في معدل البطالة والانكماش الشديد في الناتج المحلي الإجمالي الذي يتجاوز تأثيره العديد من الاقتصادات الكبرى حول العالم، ولذلك فإن من الأمور غير الصحية هو محاولة البعض استغلال هذه الشماعة لتُعلق عليها سلسلة الإخفاقات الاقتصادية المتراكمة منذ سنوات والذي تسجله العُجُوزات التي تظهرها الموازنات الختامية السنوية ، واختلال الميزان التجاري بين الصادرات والواردات ،وزيادة الدين العام الداخلي والخارجي ،بالإضافة إلى مستحقات خدمة الدين ،وتراجع مدخلات الناتج القومي الإجمالي ،والتوجه للاستدانة لسد الفجوات التمويلية ، لذلك من الضروري ألا تستسلم الحكومات للكساد حتى تتجاوز هذه الازمات المستوردة والمفروضة عليها من الخارج بالإضافة إلى الإشكاليات المحلية المتجزرة في اقتصادياتها ، حتى لا تتوقف عجلة الإنتاج نتيجة الركود الشديد للاقتصاد ، وتصيب الاضطراب أسواق المال ونحن مكتوفي الأيدي و في مدرج المتفرجين ، وما ينتج عن ذلك أو يصاحبه من هزات نفسية مجتمعية أو غليان أو احتقان شعبي نشاهده في زيادة معدلات العنف والجرائم والسرقات والاعتداء على المال العام ، ما ينعكس على الثقة في قوة الاقتصاد وقدرته على جذب الاستثمارات ،وهذا هو التحدي الأكبر أمام كل الاقتصادات الآن ، ولا يمكن أن ننتظرحدوث معجزة، تعالج الكساد الاقتصادي أو تقضي على التضخم وتحد من معدلات البطالة المتزايدة ، بدون التغلب على مخاطر الكساد التي ستظل تهدد مستقبل الاقتصاد إذا لم نبذل الجهد للخروج إلى مرحلة التعافي من الأزمة بالمزيد من الإجراءات التي تعالج المشكلات الهيكلية التي تواجه القطاعات الزراعية والتأمينية والصناعية والسياحية، وتساعدة الشركات التي أفلست أو أنها في الطريق للإفلاس ،وتطوير البيئة الداعمة للاستثمارات على الصعيدين الداخلي والخارجي ، حتى نتمكن من الاعتماد على الذات وتوفير المنتجات المحلية ، والاعتماد عليها بنسبة أكبرللحد من الاستيراد وترشيد النفقات، وخفض التكاليف ، وخلق المزيد من فرص العمل في الفترة المقبلة ، واستيعاب العمالة المسرحة ،وتطوير التشريعات لتواكب المستجدات والمتغيرات العالمية ، ولا سيما أن المخاطر عالية حيث يواجه الاقتصاد مصاعب حادة في طريق عودته للتعافي ، في حال استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية .