بقلم : محمد محمود عثمان
نتحدث كثيراً عن الإنتاج والإنتاجية كضرورة للتنمية الاقتصادية، في مجالات تنويع مصادر الدخل لعدم الاعتماد على مصدر أو مصدرين وحيدين للدخل، لذلك فإن الحديث على الإنتاجية يقودنا إلى نسبة أداء الأعمال وساعات العمل الفعلية، في القطاعين العام والخاص، في المجتمعات العربية، لأن مسؤولية التقدم والتنمية تقع على عاتق الجميع، ولأن المؤسسات الدولية عند تقييمها لأداء العامل وإنتاجيته لا تقتصر على العاملين في قطاع دون آخر، لأن الإحصائيات الدولية مخيفة وتشير إلى أن 35%من العاملين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غير منتجين وأن 55% منهم يفتقدون الحافز، وهذه أعلى نسبة في العالم، جعلت صفة العامل «العربي» عنوانا لإضاعة الوقت وهدر الإنتاجية، خاصة أن بعض الجينات العربية لا تهتم كثيرا بتطوير أدائهم أواكتساب خبرات جديدة تمكنهم من تحسين الإنتاجية، حتى في فئة المؤسسات الحكومية التي تنقصها الوسائل المتقدمة لتقييم أداء العامل أوطرق التحفيز العلمية والنفسية، التي تساعدهم حتى على تحقيق الرضي النفسي عن أدائهم، الذي يصاحبة استعلاء من قبل المسؤولين الحكوميين - بكل المواقع والمناصب الحكومية في الداخل والخارج- في تعاملاتهم مع المسؤولين والعاملين في القطاع الخاص، لأنهم تناسوا أن وجودهم في الوظيفة الحكومية هى لتقديم الخدمات لهؤلاء، لأن مصدر أجورهم هو ضرائب المنتفعين والممولين لخزينة الدولة، لذلك فإنه من أكبر المشاكل والتحديات التي تواجه المجتمعات النامية، هو مدى إمكانية توفير الموارد البشرية الماهرة في المجالات الإنتاجية المختلفة، التي يمكن أن تلبي احتياجات المستثمرين المتطورة، المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة، طالما لا تمتلك قاعدة عمالية مؤهلة ومدربة وقادرة على العمل والإنتاج والابتكار وتحسين الإنتاجية والقادرةعلى اقتحام محاور ومجالات تنويع مصادر الدخل خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها معظم الدول ولا سيما التي تعتمد على الريع النفطي كمصدر أساسي للدخل، ومن الغريب أن الجميع يدرك هذه الاشكالية، والأغرب هو عدم القدرة على الوصول إلى جوهر المشكلة واقتحامها بجدية ومنهجية، حتى أننا لا ندري إلى متى سنظل نعيش على المنتجات الصناعية من دول الغرب، لأننا نريد منتجاً أو صناعة عربية المنشأ نتفوق فيها ونصدرها للعالم حتى نقدم قيمة مضافة للحضارة والبشرية والإنسانية، تليق بمكانة العرب والمسلمين بما يملكون من إمكانيات مادية وبشرية وتاريخية، خاصة أننا نغفل التقارير الدولية التي تجسد وضع الموارد البشرية العربية ولم نتعامل معها بجدية واحترام للاستفادة من مضمونها، فقد أشارت مديرة مكتب أنشطة أصحاب العمل في منظمة العمل الدولية، في تقرير للمنظمة «أنه بعد ثلاثة عقود من أداء النمو الجيد عقب اكتشاف النفط في أوائل الخمسينيات، انخفضت إنتاجية العمالة منذ الثمانينيات في الاقتصادات العربية بصفة عامة، وفي اقتصادات مجلس التعاون الخليجي بوجه خاص» وأشار التقرير الى ازدياد تسارع انخفاض الإنتاجية على مدى العقدين الفائتين، عند مقارنتها بالمناطق الأخرى، حيث تعتبر منطقة الدول العربية الآن هي الأسوأ أداء على الصعيد العالمي من حيث نمو الإنتاجية، باعتبار أن إنتاجية العمل هي وسيلة قياس الناتج الاقتصادي، وهى كذلك مؤشر اقتصادي هام يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنمو الاقتصادي، والقدرة التنافسية ومستويات المعيشة، وتحقيق قيمة مضافة للدخل القومي، باعتبارها الأداة الفاعلة والأساسية للتقدم والتنمية، حتى نغير الصورة والانطباعات السيئة عن العامل العربي، بعد أن نشر الاتحاد العربي للتنمية الإدارية دراسة تشير إلى أن معدل إنتاجية الموظف العربي 18 دقيقة في اليوم، بينما يبلغ معدل العمل الفعلي للموظف في اليابان وفرنسا وألمانيا أكثر من 7 ساعات يوميا، بما يفسر بجلاء الفرق بيننا وبينهم ويوضح لماذا تكون اقتصادياتنا في تصنيفات متدنية عالميا، لذلك هناك مسؤولية مشتركة بين الحكومات والقطاع الخاص ورجال الأعمال في إعداد وتدريب الموارد البشرية وتأهيلها لتكون مؤثرة إيجابيا في تحسين الإنتاج والإنتاجية - من منطلق المصلحة العامة - ولا شك أن ذلك يتطلب وجود قاعدة بيانات عن المهن والوظائف والمهارات الفنية التي يحتاجها سوق العمل خلال الخطة الخمسية أو العشرية المعتمدة، والبحث أو التنقيب عن الأيد العاملة التي لديها دافعية ورغبة حقيقية في التعلم والتدريب واكتساب المهارات، لأنها الأداة الفاعلة والأساسية للتقدم والتنمية، من خلال المراكز والكليات والمعاهد الفنية والتقنية القائمة، بما لديها من إمكانيات، طبقاً لسعتها التدريبية وتجهيزاتها والبرامج الفنية المتطورة التي تقدمها إذا وجدت في التخصصات المطلوبة.