بقلم : علي بن راشد المطاعني
يكتسب ملتقى (نتقدم بثقة) الذي نظمته الأمانة العامة لمجلس الوزراء أهمية كبيرة في مواصلة الحوار حول أولوياتنا المستقبلية ، والإطلاع على آراء فئات المجتمع على إختلافها ، وسد الفجوة التي يرى البعض أنها تتسع بين الحكومة والمجتمع ، وإيضاح المحددات التي قد تكون غائبة عن البعض أو ايضاحها بشكل أكبر والإستماع إلى آراء شرائح المجتمع حول توجهات الحكومة ومرئياتها في كافة القضايا محور الحوار ، الأمر الذي يبعث على الإرتياح للجهود المبذولة في التواصل مع المجتمع بكل الطرق المؤسسية والمجتمعية والرقمية التي تبلور الشفافية والإفصاح عن المتحقق في الفترة الماضية على أرض الواقع وتسمية التطلعات والتحديات المستقبلية التي تواجه رؤية عُمان 2040 ، والبرامج الحكومية الأخرى المنفذة للرؤية بعيدا عن التهويل في الأطروحات والتوجس والتخوف من المهددات التي يتعين التعاطي معها بروح المسؤولية والواقعية من بعد الإرتكاز على الأدلة والبيانات الموثقة والموثوق بها.
بلاشك أن المشاركة في إتخاذ القرار وهو قمة سنام أي أنجاز أو عمل وبإعتبار أن (إتخاذ القرار) من ناحية عامة ليس بالأمر السهل أو الهين فهو نظام علمي متكامل يحتكم لمعطيات شديدة الدقة إذ ما يترتب عليه إما أن يكون وخيما ووبالا ، وإما أن يكون فتحا وإنجازا يشار إليه بالبنان وليس هناك منطقة وسطى في هذا الشأن.
على ذلك فإن مراحل إتخاذه كثيرة ومتعددة ومتشعبة وتصب في النهاية في معين أو إناء واحد ، فمن إطرافها على سبيل المثال لا الحصر الجوانب التمثيلية بمؤسسات المجتمع المدني كمجلس الشورى والبلدية والأندية وغرفة تجارة وصناعة عُمان والجمعيات المهنية والتطوعية ، أو من خلال اللقاءات البينية التي تعقد بين الفنية والأخرى ما بين هذا الطرف أو ذاك ، فضلا عن دور وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي التي تُسهم في إيصال أصوات المواطنين والآراء والمبادرات الهادفة ، وفي نهاية المطاف يتم رصد وتمحيص كل المشاركات من بعد الإطلاع على المرئيات والآراء المتعددة من كافة الشرائح الواسعة في المجتمع ولمن يرغب في المشاركة والإسهام في هذا الجهد الوطني فإنه وحتما سيجد الفرصة مواتية لإيصال رأيه بكل أريحية وحرية بعيدا عن أي إنفعال.
هذا النهج اختطه الدولة في تعاملاتها الداخلية والخارجية مستمدة هذا الإلهام من إرث قديم متوارث عبر الأجيال ، غير أنه ورغم ذلك ورغم إستتباب الأمر لهذه الحقيقة المسلم بها إلا أن البعض وللآسف يرغب في القفز عليها وركوب الموجه الخطأ والمفضية للغرق في عرض البحر والمحاطة بالزبد من كل مكان ، ومآلات الزبد معروفة وهي أنه سيذهب جفاء كما نعلم ، وما ينفع الناس هو الباقي في الأرض وحده. إذن فإن الملتقى الذي نظمته الحكومة ممثلة في أمانة مجلس الوزراء جاء لإيضاح بعض الجوانب منها رؤية عُمان 2040 ، والإستدامة المالية ، وسوق العمل وتقديم المزيد من الإضاءات والإيضاحات للمجتمع حول التوجهات والمتحقق من الأهداف المرصودة قبلا وبكل الشفافية واجبة الإتباع في هكذا أمر شديد الأهمية.
ولعل العروض المرئية التي قدمها المسؤولون عن الرؤية والإستدامة المالية والعمل كانت مترعة بالتفاصيل والجزئيات والمعلومات والإحصاءات والبيانات وكلها توضح بدقة ما تحقق من نجاحات ، هذه الجهود الطيبة والمحمودة والمشكورة تدفعنا دفعا للثقة بكل التوجهات الحكومية في إدارة الرؤية والمبادرات الهادفة إلى تحقيق التطلعات المجتمعية والنهوض بالإقتصاد والإستدامة المالية ككل متكامل لايتجزأ ، خاصة وأن هناك متابعة دقيقة من حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله - وكل الجهات والمسؤولين يعملون تحت مجهر مزود بعدسات خارقة وقادرة على تكبير صورة النملة إلى حجم البعير، وبالتالي ليس هناك أي مجال للخطأ اللهم إلا كان يندرح تحت الحالة القصوى المرتكزة لحقيقة أن الكمال لله وحده ، وبالتالي وبناء لذلك يمكننا القول بثقة بانه ليس هناك مجالا للإهمال أو التراخي أو التواكل وليس التوكل على الله بالطبع فهذا محمود ومرغوب من بعد الأخذ في الأسباب ، فهناك دوما جهات تعمل على مدار الساعة على رصد وتقييم الإنجازات ومعالجة والتصدي للتحديات أولا بأول.
وبناء عليه فمن الأهمية بمكان أن نتوافق مع الموجهات العامة للدولة ونعمل على تعزيز التوجهات الحكومية لعبور المرحلة الإنتقالية التي أوضحنا تفاصيلها وما ينبغي علينا الإلتزام به وفقا للمتغيرات الوطنية والدولية ، فهذا التوافق هو السبيل الوحيد لتجاوز التحديات بنجاح ، وعلى كل الأطراف بذل قصارى الجهد ، وفي النهاية ستتلاقى الرؤى في نقطة واحدة شديدة التوهج ، عندها يفر المستحيل مذعورا وتنساب زوارق الأماني الطيبات معلنه العبور لشاطئ الأمان.
هناك جانب يجب أن نعيه تماما ويتمثل في أن دور الفرد دوما أكبر وأعظم من المؤسسة أو الجهة ، بمعنى أن المواطن يجب أن يتكيف مع الواقع بكل تجلياته وتحدياته وصعوباته هذا من ناحية عامة وليس في سلطنة عُمان فحسب وإنما في العالم بأسره ، ومن ثم إعداد نفسه أي المواطن لبذل الجهد والعرق والمثابرة حتى يتسنى قياس قدراته وإمكاناته وضمها للجهد الجمعي وصولا لحصيلة الطاقة التي نحتاجها في هذا المعترك.
بالطبع الإختلافات وتباين الآراء هو أمر طبيعي ومرحب به بل هو دليل عافية إذ من خلاله سنصل سريعا للرأي الأصلح والكفيل بإخراجنا من العسر لليسر بأقصر الطرق ، ولكن يجب علينا الإيمان بأن هذا الإختلاف لايعني الإحتراب المفضي للخروج من جادة الطريق.
نأمل أن نكون أكثر واقعية في التعاطي مع الواقع والإستفادة من المناخ المتوفر في المشاركة الفاعلة في التنمية في البلاد ، وبما لا يتعارض مع القيم المجتمعية والتقاليد والأداب العُمانية الراسخة التي تحكم النقاش والحوار ، وفي المقابل علينا أن نؤمن إيمانا قاطعا بأن الأوطان تنهض بسواعد أبناءها وتمكينهم أمرا مسلم به من جانب كل مؤسسات الدولة وفق منهجيات واضحة و تقييم أوضح ، وفي المقابل علينا القبول بالعمل والتدرج فيه للوصول إلى الهدف والمبتغى ، وأن نسعى بكل الطرق لتأهيل أنفسنا حتى يتسنى لنا إجادة العمل الموكول إلينا وكما يحب ربنا ويرضى.