بقلم: محمد محمود عثمان
نحن نفرط كثيرا في المبادئ الاقتصادية والدينية بدون وعي حقيقي بالمفاهيم الاقتصادية والتعاليم الدينية ، ونعكس بذلك فهمنا لجوهر الاقتصاد ،وروح الدين ،والاقتصاد لا يحثنا فقط على ترشيد الإنفاق بل إلى الإدخار والدين يحثنا على أن لا نجعل يدنا إلى عنقنا ، وألا نبسطها كل البسط ، والقواعد العامة تعلمنا إلى أنه لا إفراط ولا تفريط ، ولا ضررولا ضرار
فأين نحن من ذلك وشهر رمضان شهر الصوم والعبادات على الأبواب ؟
الإقبال الكبيرعلى السلع الضرورية والكمالية ، حتى من الفئات غير القادرة ، على عكس المنطق والعقل ، والجميع في انتظار البرامج التليفزيونية الجديدة
كما نشهد هرولة الدول لتوفير متطلبات رمضان مع أن بعض ميزانيا ت الدول تعاني من تراكمات العجز السنوي ، والنقص الحاد في الموارد ، ونقص السيولة في العملات الأجنبية ،والغريب أن الحكومات تقترض لتمويل استيراد المواد الغذائية ومتطلبات رمضان من اللحوم و الياميش وغيره من المنتجات والسلع الترفيهية التي تمثل عبءا على ميزانيتها، وتساعد المستهلكين على مضاعفة الاستهلاك في هذا الشهر ، على الرغم أن التكلفة تفوق إمكانيات الأفراد و الأسر التي تبالغ في البذخ والإسراف كدليل على الاحتفاء بالشهر الكريم وهذا نوع من التفريط في المبادئ والتعاليم الدينية والأصول الاقتصادية المتعارف عليها ، في ظل الظروف الاقنصادية الصعبة التي يمر بها العالم مرورا من أزمة كورونا وصولا الى أزمة أوكرانيا ومشاكل سلاسل التوريد ، ناهيك عن الأزمات المحلية السابقة والمتراكمة ، لأن مصروفات شهر رمضان بصورة عامة في بلاد المسلمين تعادل إنفاق ثلاثة أشهر تقريباً، نظرا للاندفاع الشرائي المحموم وغير المسبوق، الذي يتسبب في ارتفاعات كبيرة في الأسعار بمعدلات أعلى من السنوات السابقة بسبب التضخم وانخفاض قيمة العملات المحلية أمام العملات الدولية وخاصة الدولار واليورو،والذي صاحبه الارتفاع العشوائي لأسعار جميع المنتجات المستوردة والمحلية ،ولا شك أن ذلك سيضاعف فاتورة الغذاء ومعدلات الإنفاق في رمضان ، التي يصاحبها حملات تسويقية وترويجية ومغريات إعلانية ، تمثل عوامل الجذب والتشجيع وفتح شهية المستهلكين على التسوق في شهر رمضان، من خلال المجمعات التجارية التي تتنافس في ذلك ، باعتبارها فرصة سانحة للتخلص من أكبر قدر من المخزون القديم من السلع والمنتجات وربما منتهية الصلاحية حيث يتم خلط القديم بالجديد ، تحت شعار خفض الأسعار في رمضان ،ولاسيما عند ضعف الرقابة الجادة على الأسواق ،
ونجد من المتناقضات المصاحبة لشهر الصيام ارتفاع حجم الإنفاق في هذا الشهر بنسبة تفوق 50% عن شهور العام، فإلى جانب المقاصد الشرعية للصيام ، فكان علينا الاستفادة من فترة الصوم في تقليل الإنفاق إلى الثلث على الأقل ، تخفيفا للأعباء التي تثقل كاهل الاقتصاديات ، مع زيادة ولائم ودعوات الإفطار وخيام الصائمين والإفطارات الجماعية ،وما يترتب على ذلك من فقد كميات كبيرة من بقايا الأطعمة، التي تلقى في القمامة مما يؤدي إلى زيادة الاستهلاك ،وهو انحراف عن مفهوم الصوم وعن المفاهيم الدينية الوسطية، لذلك نجد أن فاقد المواد الغذائية في شهر رمضان يمثل هدرا كبيرا للموارد وفيه إفراط وتفريط شديدين في الدخل والانفاق
و تشيرإلى ذلك تقارير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)بأن التكلفة الاقتصادية للأغذية المُهدرة على مستوى العالم تبلغ نحو تريليون دولار كل عام، وتهدر الدول النامية، والتي تقع فيها الدول العربية وأفريقيا وشرق آسيا، ما قيمته 310 مليارات دولار
لذلك نجد أن الإفراط والتفريط يتعدى كذلك إلى الوقت المهدر في متابعة البرامج ومسلسلات التليفزيون التي أُنتجت خصيصا لشهررمضان بتكاليف باهظة وتتنافس في جذب المشاهدين بقصد تسلية الصائمين ، ويتركز عرضها خلال هذا الشهر الكريم، إلى جانب مقاطع اليوتوب الأخرى ، وإن كنا نفتقد إلى إحصاءات دقيقة حول الساعات المهدرة في شهر رمضان أمام مختلف البرامج والمسلسلات غير الدينية
حيث يقتضي الأمر تصحيح جوانب كثيرة من سلوكياتنا في ضرورة التوجه نحو الإسراف في العبادات والحد من الإنفاق والاستهلاك في الماديات ، على أن نعي جميعا أن "رمضان "شهر صيام لا شهر طعام، وعلينا أن نستفيد منه في انتهاج نمط سلوكي متقدم يجمع بين التوازن والترشيد ،الأمرالذي يدعونا إلى التركيز على التوعية المجتمعية من رجال الدين والصحة والاقتصاد وعلم النفس ووسائل الإعلام ، ومؤسسات المجتمع المدني للتوعية بضرورة الحفاظ على الاستهلاك المعقول ،وغرس مفاهيم جديدة حول التربية الاستهلاكية لتكون جزءا من نمط سلوك الإنسان عامة،وفي شهر رمضان خاصة ، لتكون من الثوابت خلال هذه الأيام المباركة.