خطوة لتنظيم الترويج الإلكتروني

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٧/ديسمبر/٢٠٢٢ ١٣:٣٩ م
خطوة لتنظيم الترويج الإلكتروني
علي المطاعني

بقلم : علي المطاعني

القرار الوزاري الذي أصدرته وزارة التجارة بالرقم 619/‏‏ 2022 وتضمن إصدار لائحة تنظيم مزاولة نشاط التسويق والترويج على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي، القرار جاء بعد حدوث ووقوع أخطاء فادحة في التعاطي مع الإعلانات الوهمية والمضللة التي ضجت بها الساحة المحلية طوال السنوات الفائتة بدون أي تنظيم يحمي المستهلك من التضليل الإعلاني والتسويقي، ويسهم في ترسيخ الإلتزام الأخلاقي لمناهضة الشعارات التسويقية الواهية، كذلك ورود شكاوى كثيرة ومطالبات بتنظيم الإعلان في وسائل التواصل الإجتماعي بحيث نستطيع (التحكم) فيما يبث وينشر بعيدا عن الفوضى التي يشهدها هذا الجانب، الأمر الذي يبعث على الإرتياح لهذه الخطوة إذ أن الفوضى في هذا المجال أمست تشكل خطورة بالغة على الفرد والمجتمع، ويتكسب منها البعض بشكل غير قانوني وغير أخلاقي في الترويج عن سلع وبضائع غير متوافقة مع المواصفات والمقاييس وغير مرخص لبعضها في داخل البلاد إلى غير ذلك، لقد أشار القرار إلى النقاط الجوهرية أدناه:

نشاط التسويق والترويج يجب أن يتم ممارسته عن طريق شركة تجارية فيما عدا شركة المساهمة بعد قيدها في السجل التجاري.. البت في طلب الترخيص يتم خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ استيفائه الشروط والمستندات.

يستثنى من الحصول على الترخيص الأشخاص الذين يمارسون أعمالا غير ربحية كالأعمال الخيرية والتطوعية.

كل هذه النقاط مرحب بها من المجتمع بأسره، غير أن لنا بعض الملاحظات حول القرار من الناحية التقنية والإلكترونية، فالقرار ومن صيغته يوحي أن موضوع النقاش أو الوعاء المستهدف بالقرار هو كائن شخصي أو إعتباري موجود داخل حدود السلطنة ويمكن الوصول إليه ببساطة وتعنيفه وإتخاذ الإجراءات القانونية بحقه لمخالفته القانون أو القرار.

في الواقع أن الوعاء المستهدف بالقرار هو وعاء (إلكتروني) ولايُرى بالعين المجردة، وينحشر تحت غطاء شبكة الإنترنت أو الشبكة العنكبوتية التي عرفتها ويكبييديا بأنها نظام إتصالات (عالمي) يسمح بتبادل المعلومات بين شبكات أصغر تتصل من خلالها الحواسيب حول (العالم)، وانها تنقسم إلى أنواع منها المحلية، المتباعدة، اللاسلكية، الإقليمية، الخطية، النجمية، الحلقية، وان الفرق بين الأنترنت والشبكة العنكبوتية يكمن في أن الأنترنت وسيلة لنقل المحتوى. في حين أن الشبكة العنكبوتية الويب بمثابة البرامج أو الوسيلة التي يمكن من خلالها إستخدام المحتوى المنقول عبر الأنترنت. وبما أن المسألة هي إنترنتية وعنكبوتية بحتة وصرفة فإن التعامل معها لايمكن أن يكون بذات الصيغة التي نتعامل بها مع الموجودات الحسية الصرفة، فالقرار ومن صيغته يوحي بأنه من الممكن الوصول للمعلنين والمسوقين وان عليهم توفيق أوضاعهم في ظرف ستة أشهر.

في الواقع لا ندري من الذي اخبر الوزارة الموقرة أن كل هؤلاء المعلنين والمسوقين موجودون كلهم داخل حدود السلطنة الجغرافية، وهل كلهم عُمانيون، وهل كلهم تجار محترفون، هناك أفراد عاديون، لامهنة لهم معروفة فامتهنوا التسويق الإلكتروني من داخل منازلهم أو كهوفهم، وليست شرطا أن تكون هذه المنازل أو الكهوف في سلطنة عُمان، فالقرار جاء بصيغة التعامل مع تجار الأسواق القائمة حاليا في مسقط أو في غيرها من الولايات، ولم يركز على أن القضية إلكترونية صرفة وأن التعامل معها يختلف تماما مع مايمكن رؤيته في شارع روي العام على سبيل المثال.

المجتمعات النظيفة في العالم ترفض الإباحية والمثلية وكل ماهو شاذ والشبكة العنكبوتية تعج بهذه القاذورات، فهل سنصدر قرارات إدارية عُمانية بأن على أصحاب هذه المواخير توفيق أوضاعهم في فترة ستة أشهر وإلا سيتم حبسهم ومصادرة مواقعهم النتنة، هل نعلم أين هم أصلا، وهل يمكننا إلقاء القبض عليهم عبر حملات من شرطة عُمان السلطانية أو حتى من قبل الأنتربول، بالطبع لا.

هذه معضلة الأنترنت، المكافحة والمناهضة تتم عبر وسائل إلكترونية أيضا، فقد نجد معلنا ومسوقا لمنتج عُماني في نزوى غير إنه موجود في العاصمة الأميركية واشنطن، أو الروسية موسكو، أو حتى الأوكرانية كييف، فهل سنطلب منه الحضور لمسقط لتوفيق أوضاعه والعودة إلى الكهف الذي يختبئ به وإلا سنقدمه للمحاكمة؟!. نأمل من الوزارة الموقرة إعادة صياغة القرار على إنه يستهدف الشبكة العنكبوتية أو الأنترنتية وكتبابته بالصيغ الإلكترونية المعروفة والتي تحمي بها الدول مواطنيها من كل ما هو غث وفاضح وسيئ ومرفوض، فالإعلان الإلكتروني الكاذب يقابله إعلام إلكتروني من جهة معتبرة تعيد صياغته بنحو يبعد المستهلك عنه، أو من خلال حض المستهلك على الثقة بمواقع إلكترونية معينة معترف بها محليا وغض الطرف عن كل ما سواها، وهكذا هي الحرب ما انفكت تدور في الفضاءات الإلكترونية اللا نهائية (infinite)، ذلك أن الأمر لو كان سهلا وهينا ولينا لما ظلت الحرب قائمة وشعواء طوال العقود الماضية مابين المواقع الإلكترونية الضارة والفاسدة والإباحية أو ما بين خفافيشها المختبئة في مكان ما خلف البحار المظلمة أو في داخل حدود مثلث برمودا ومابين الدول المحافظة، إذ ما فتئت تطل علينا بين الفينة والأخرى هذه الشياطين بعد أن تفلت بطريقة ما من الحوائط النارية الإلكترونية التي تقيمها الدول النظيفة لحماية شعوبها وصيانة أخلاق شبابها، تلك هي القضية يا وزارتنا العزيزة.