خاص - الشبيبة
قال سعود المعولي؛ المحامي والمستشار القانوني ورئيس الإدعاء سابقا، إن قانون الجزاء أورد حزمة من المواد القانونية التي تجرّم كل الأفعال التي تمس حياة الإنسان وسلامته، وأنه قد جاء في الباب التاسع من قانون الجزاء من الكتاب الثاني بعنوان الجرائم التي تمس حياة الإنسان، ويوجد فصلين في هذا الباب يتحدث الفصل الأول منها عن القتل العمد والانتحار.
وأضاف المعولي في تصريحات خاصة لإذاعة "الشبيبة"، إن المشرّع فرض مجموعة من العقوبات على جرائم القتل العمد بالنظر إلى الظروف التي تصاحب ارتكاب هذا الفعل الشنيع، ولذلك قرر الإعدام على كل من أقبل على القتل عمدًا إذا ما صاحب هذا الفعل سبق إصرار وترصّد أو وقع هذا القتل على أحد أصول الجاني كوالديه أو أجداده وما شابه.
7 حالات تستوجب أغلظ عقوبة
وأشار إلى أنه توجد حوالي 7 حالات إذا صاحب القتل استعمال التعذيب أو مادة سامة أو مفجرة أو وقع القتل على موظف أو كان القتل لسبب دنيء أو وقع القتل على شخصين أو أكثر، ويوجد كذلك قوانين تتعلق بالقتل إذا كان هناك تمهيد لجناية أو جنحة أو كان مرتبطًا بهما، وفي جميع هذه الأحوال قرر المشرّع عقوبة الإعدام، ولكن تستبدل العقوبة إلى السجن المطلق أو السجن المؤقت بين 5 إلى 15 عامًا إذا عفا أولياء الدم وقبلوا الدية، وهذه تعتبر أغلظ عقوبة فرضها المشرّع.
وكانت قد انتشرت في الآونة الأخيرة عددٌ من الحوادث المؤسفة بين الاعتداءات والقتل بمختلف الوسائل التي تنافي واقع المجتمع العماني السلمي والآمن، وتتفاوت المسؤولية في التصدي لهذه الحوادث ومثيلاتها بين الفرد والأسرة والمجتمع والقانون، سعيًا لإرساء الأمن والسلام ونشر الطمأنينة في النفوس.
أصل جريمة القتل
وأضاف المعولي أنه إذا كان أصل القتل في الحقيقة في حالة غضب ودون تخطيط مسبق ودون الظروف التي سبق استعراضها فإن العقوبة تكون السجن المطلق، كما أن هناك الكثير من المواد حيث يوجد حوالي 5 مواد تتحدث عن موضوع القتل، ولكن ما تم إثارته في مواقع التواصل الاجتماعي عن مسألة الطعن ويبدو أن في بعض الحالات لم تؤدي إلى الموت فهذا الأمر كذلك مجرّم في القانون ويعتبر إن كان من مقصد القتل فهو من قبيل الشروع في جريمة القتل، وفي مثل هذه الحالات إذا توافرت إحدى الحالات أو الظروف التي تم ذكرها آنفًا فإن العقوبة تكون السجن المطلق أو المؤقت لمدة لا تقل عن 7 سنوات والحديث هنا في حالة قام شخص ما بطعن شخص آخر ولم يفضي هذا الطعن بمقتل المجني عليه.
تنظيم عقوبة الإعدام
وحول تنظيم تطبيق عقوبة الإعدام كونها أغلظ العقوبات؛ أشار المعولي إلى أن هذه العقوبة لا رجعة فيها، وبالتالي إن قضت محكمة الجنايات بإعدام متهم فإنه على الإدعاء العام أن يطعن في الحكم أمام المحكمة العليا حتى وإن لم يطعن المتهم وذلك لكي يتسنى للمحكمة العليا أن تفحص سلامة الحكم على اعتبار أن حكم الإعدام هي أقصى عقوبة، وبالتالي إن أصدرت المحكمة العليا حكمًا بتأييد حكم الإعدام فإن الملف يعود بالحكم، وقبل هذا في محكمة الجنايات يتم استطلاع رأي اللجنة الشرعية والتي تتكون من سماحة المفتي ومستشار الدولة للشؤون العدلية ومستشار الدولة للشؤون الجزائية وذلك لمعرفة رأي اللجنة من الناحية الشرعية حول جواز القصاص من عدمه.
وأضاف أن اللجنة تأتي بعد دراسة الملف برأيها وهو رأي غير ملزم للمحكمة، ولكن بعد صدور الحكم وتأييده من قبل المحكمة العليا يرجع الملف للإدعاء العام وحكم الإعدام لا يمكن تنفيذه إلا بعد أن يتم التصديق عليه من المقام السامي سلطان البلاد، ومن ثم يتم تنفيذ حكم الإعدام في السجن المركزي وفق الآليات المقررة لديهم، وقبل تنفيذ حكم الإعدام يتم إحضار الجاني لمعرفة ما إذا كان لديه ثمة شيء بحضور طبيب السجن المركزي وواعظ السجن المركزي والإدعاء العام على اعتباره سلطة تنفيذ الأحكام وبعد تنفيذ الحكم يجب مواراة الجثمان دون أي مراسم للعزاء وما شابه ذلك وفق القانون.
الإعدام أمام الملأ
وقال المعولي إنه لا توجد حالات أجاز فيها القانون حكم الإعدام أمام الملأ حيث أنه لا يوجد نص قانوني يجيز الإعدام أمام الملأ، والمنظمات الحقوقية تحاول جاهدة القضاء على حكم الإعدام بحيث أنه حوالي أكثر من ثلثي دول العالم ألغت فعليًا أو تشريعيًا حكم الإعدام لمبررات مختلفة.
وأضاف المعولي إننا نستمد تشريعاتنا من الشريعة الإسلامية وفق النظام الأساسي للدولة على اعتباره المصدر الأول للتشريع، ولذلك فإن القصاص يعتبر أمر شرعي ولهذا تأتي النصوص متوالمة مع منهج الشريعة الإسلامية.
دوافع جرائم القتل
وحول ما قد يدور في خلد الجاني قبل الإقبال على مثل هذه الأفعال؛ أوضح المعولي أنه حسب خبرته السابقة في الإدعاء العام فإن معظم جرائم القتل تأتي بدوافع خلافات أسرية واجتماعية وخلافات مالية خصوصًا للوافدين، وأحيانًا قد تقع جرائم القتل جرّاء تناول المسكرات ومن قبل أشخاص كانوا في حالة سكر وتصاعد الخلاف بين الطرفين صدر عنه مقتل الطرف الآخر، وهذه هي النماذج الأكثر تكرارًا.
وأضاف أنه يوجد كذلك جرائم بما يسمى بالسبب الدنيء حيث على سبيل المثال تتفق امرأة مع شخص أجنبي وعادةً ما يكون خليلها لقتل الزوج وهذا السيناريو حدث في أكثر من قضية، ومعظم هذه القضايا تدور في هذا النطاق فقط.
دوافع النشوة في القتل
أما بالنسبة لدوافع النشوة والسيطرة والشعور بالقوة وغيرها قال المعولي، إنها لا تتواجد بكثرة في الجرائم وعلى كل حال فإنه حسب الإحصائيات الرسمية التي صدرت عن الإدعاء العام فقضايا القتل بشكلٍ عام أعدادها محدودة جدًا حيث كانت في العام الماضي 13 قضية، والعام الذي يسبقه 9 قضايا، فمن أصل 28204 جناية فإن جرائم القتل لا تشكّل جزءًا كبيرًا منها، ولا يوجد شك أنه في الحديث عن مجتمع متكامل أو دولة يبلغ عدد سكانها حوالي 4 مليون فمن الطبيعي أن تقع مثل هذه الاستثناءات لأنهم بشر في نهاية المطاف، ولا توجد بقعة في الأرض قد تكون مثالية، وهذه السلوكيات أيًّا كانت جسامتها فهي أمر متوقع في كل مجتمع.
المؤشر الجرمي في عمان
وأكد المعولي على أن المؤشر الجرمي لا زال في المستوى الطبيعي، ولكن هذا لا يعني أن نولي هذا الجانب اهتمامًا بل يجب أن ننتبه لبعض العوامل الداخلية والخارجية والتي تؤثر على النشئ وطريقة تفكيره، ونحن في الحقيقة تنقصنا الدراسات التي تتحدث عن مجتمعنا العماني، حيث توجد عشرات من البحوث والباحثين الذين يتحدثون عن دراسات خارجية وفي واقع آخر غير واقعنا ولكننا نفتقر للأسف بشكلٍ كبير للدراسات رغم وجود المؤسسات التعليمية والكفاءات التي يشار إليها عالميًا بالبنان ولكننا نحتاج بصدق لأن نأتي بالباحثين ومنحهم البيانات التي يحتاجونها لدراسة الوضع ومعرفة ماهية الأسباب وراء هذه الجرائم في السلطنة وهل نحن نسير في الدرب الصحيح أم لا، أم هناك حاجة لخلق علاجات وغيرها، إلى جانب مسؤولية التوعية وعلى من تقع هذه المسؤولية وظهور مثل هذه السلوكيات وغيرها، والإنسان في حقيقته انعكاس لما تشربه من عادات ومعتقدات وظروف يعايشها وبيئة يعيش فيها، وهذه الظروف يتشربها الإنسان من بيئته وبيته ومدرسته وأخر السبل هو الفضاء الإلكتروني والذي يبث الكثير من الأفكار أغلبها أفكار سلبية وهدامة.
وشدد رئيس الادعاء السابق على أنه لابد أن يكون هناك وعي في الأسرة ولدى النشئ بحيث يكون صمام أمان في الحقيقة للاحتفاظ بقيمنا وهويتنا المعروفة على مستوى العالم ولله الحمد فيما يتعلق بالتسامح وتقبل الرأي الآخر والهدوء والاتزان والرزانة والتي هي في الحقيقة إذا ما تمكسنا بها لحدّت الكثير من هذه السلوكيات الشاذة والغريبة والدخيلة على مجتمعنا العماني.
النساء وجرائم القتل
والقول بأن النساء هن المستهدف الأكبر في جرائم القتل، قال المعولي إنه ينم عن حديث عاطفي لا يمتّ للصحة والواقع بصلة، والمشكلة في الواقع هي عدم وجود باحثين للتصدّي لهذه الأحاديث بحيث يوضح الأسباب والدوافع الحقيقية لمثل هذه الجرائم في مجتمعنا وتوضيح الأسباب سواءً كانت مستقاة من وزارة التنمية أو الإدعاء العام أو المركز الوطني للإحصائيات.
وأضاف أن مثل هذه الأحاديث العاطفية والمبنية على موقف أو حالة معينة تصبح هي الرائجة، ومع ذلك فإن هذا الكلام العاطفي المجرّد من الدقة تدحضه الإحصائيات، فبحسب الخبرة والتجربة التي مر بها المعولي كان المجني عليه في معظم الحالات من الذكور، والحديث عن المرأة والرجل كلٌّ على حده لهو أمر منافي للواقع في ظل وجود تمكين للمرأة وتعزيز للحقوق، وقد تكون هناك استثناءات بلا شك ولكنه مجرد كلام عاطفي ولا يرتكن إلى إحصائيات معينة والحلقة المفقودة تكمن في فقد وغياب الدراسات العلمية والعميقة لوقف مثل هذه الأحاديث العاطفية.