بقلم: علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي تعمل فيه غرفة تجارة وصناعة عُمان وفق الأنظمة والتشريعات الخاصة بها بكفاءة عالية من حيث تجسيد وبلورة توجهات القطاع الخاص وعرض التحديات التي تواجهه في ممارسة الأعمال واقتراح الحلول لها، إلا أن هناك العديد من المطالب أو الآمال التي تتجاوز صلاحيات الغرفة ودورها الإستشاري بالمقام الأول الأمر الذي يعمل على تحميل الغرفة ما هو فوق حدود مسؤولياتها.
فجهود ودور غرفة تجارة وصناعة عُمان معروف وملموس حيث يتمثل في رفع التوصيات وإقامة الندوات لعرض ومناقشة المشكلات والمخاطبات فضلا عن مشاركتها الخارجية الفاعلة مع نظيراتها وإستقبالها للوفود من الدول العربية والأجنبية لإبرام الشراكات مع مؤسسات القطاع الخاص المحلية، إضافة إلى اقامة المبادرات التحفيزية، وغيرها من الأعمال الإعتيادية لخدمة القطاع الخاص بمختلف شرائحه.
وحتى المرسوم السلطاني السامي رقم 56/2022 بإصدار نظام غرفة تجارة وصناعة عُمان والذي تضمن عبر بنود المادة الثامنة إبداء الرأي في التشريعات الإقتصادية قبل إصدارها فإن هذا الأمر يقتصر على تقديم المشورة والرأي فقط ليس أكثر، وهو ما تقوم به الغرفة فعلا وما ستقوم به مستقبلا، لكن يجب في الوقت نفسه أن لا نحملها أكثر مما تحتمل في إحداث تغيرات هيكلية كبيرة في المنظومة الإقتصادية شأنها في ذلك شأن نظيراتها من الغرف الخليجية والعربية والدولية، وحتى المؤسسات المماثلة كمجلس الشورى والمجالس البلدية تم تحديد أدوارها وفق القوانين والأنظمة الخاصة بها والتي لا يمكن أن تخرج عنها، الأمر الذي يتطلب تفهم مثل هذه الأدوار والعمل على أساسها وعدم تحميل الأمور أكثر من ما تحمل وكيل الإنتقادات للقائمين على هذه المؤسسات وإتهامهم بعدم القدرة على التغيير دون تفهم لطبيعة الأنظمة والصلاحيات.
بلاشك إن الأدوار التي أدتها الغرفة في السنوات الماضية واضحة وجلية ويمكن تلسمها عبر إستقرار الأوضاع في بيت التجار، لنخلص إلى أنها كانت تعمل وبدقة وفق الأنظمة المحددة لها بل وأبلت بلاء حسنا في ذلك، ولكن لا يجب أن نرفع من سقف الطموحات والأحلام لنزعم بأن الغرفة سوف تصنع كل شيء وأي شيء وستأتي بالمعجزات وستجذب كل إستثمارات الدنيا وستحل كل الإشكاليات بدون مشاركة فاعلة من رجالات الأعمال وتفهم كبير من الأجهزة الحكومية لدور الغرفة وحتمية التعاون معها.
ذلك أن مجلس إدارة الغرفة وإدارتها التنفيذية هي جهات تعمل وفق إستطاعتها وإمكانياتها على تقديم الإستشارات ورفع المرئيات لإصلاح بيئة الإستثمار وممارسة الأعمال بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة والإسهام في تطوير المناخ الجاذب بالتعاون مع الجهات الأخرى، ولكنها في المقابل لا تستطيع أن تعمل كل شئ بمفردها.
إن ما تم إثارته في هذه الآونة مع إنتخاب مجلس إدارة جديد للغرفة وما تلى ذلك من رفع سقف الطموحات، وأن المجلس الجديد ومنذ اليوم الأول سيستخدم عصا موسى لحل جميع التحديات، كل ذلك ستكون له نتائج غير إيجابية لجهة أن أي إنجاز للغرفة ومهما كان مهما سيغدو في نظر الناس ضعيفا قياسا لحجم الطموحات شاهقة العلو التي طرحت منذ البدء.
وفي مقابل ذلك وعلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الآراء والمقترحات التي رفعتها الغرفة للجهات المختصة خلال الأعوام الماضية تم الأخذ بها بشكل أو بآخر والكثير من المطالبات تم تنفيذها، ولعل الإعفاءات والتسهيلات في قيمة المأذونيات وتخفيضات الرسوم في فترة جائحة كوفيد 19 كانت في الواقع مرئيات من الغرفة وتم الأخذ بها وتبنيها، وكذلك بعض القوانين التي تم تعديلها بناء على طلب الغرفة، إشارة إلى أن كل هذه المطالبات والتعديلات لا تنص عليها أنظمة الغرفة، لكن تم الأخذ بها إيمانا بالشراكة بين القطاعين العام والخاص ونتيجة لجهود بذلت من مجلس الإدارة، ومع هذا لا يجب الإعتقاد ولو همسا بأن المجلس الجديد سيغير المشهد بنسبة 100%، ثم تعلق عليه الآمال العراض بناء لهذا الإعتقاد الخيالي.
ثم نؤكد أن المؤسسات المدنية في كل الدول دورها واضح وهو إستشاري لا أكثر ولا أقل، وهي وفي ذات الوقت مظلة للقطاع الخاص تنقل نبضه وتطلعاته وتساهم في حل تحدياته وتعزيز دوره، غير أن الدور الأهم في هذه المنظومة هو دور القطاع الخاص نفسه ودور رجالاته في جذب الإستثمار وإقامة الشراكات إلى غير ذلك، فالغرفة وعندما تستقبل الوفود الزائرة فإنها بذلك تعمد لمد جسور الشراكة والتواصل بين القطاعين العام والخاص المحلي والخارجي، لكن في المقابل ليس من شأنها أن تجبر الجانبين على توقيع الإتفاقيات أو تقوم هي بالإستثمار، فهي وببساطة الوسيط الحميد الرشيق مابين الأطراف المشار إليها لتبقى مسألة إنجاز المشاريع الإستثمارية من مسؤولية رجال الأعمال، وهو بالفعل ماسيقوم به مجلس الإدارة الجديد وذلك هو إختصاصه.
نامل أن تكون الصورة قد إتضحت تماما بشأن الدور المناط بالغرفة في إطار جدلية الإستثمار ودفع العجلة الاقتصادية ولضمان دورانها بغير توقف، فالغرفة والحكومة ممثلة في وزارة التجارة والصناعة وترويج الإستثمار ورجال الأعمال هم إضلاع المثلث الذهبي في هذه المسألة، وكلما كان التنسيق بين هذه الإضلاع في قمته ورونقة كلما تقدمنا خطوات واسعة للأمام لتحقيق الأهداف المرتجاة والمأمولة والتي تصب في مصلحة إقتصادنا الوطني.