بقلم : علي المطاعني
البلاد من أقصاها إلى أدناها تقف وقفة رجل واحد إزاء القضية الاجتماعية الإنسانية التي أقل ما يقال عنها أنها مؤلمة وقاسية وفادحة ولا تُحتمل، تلك هي قضية الوالدة حميدة التي لم تعد لمنزلها بولاية إزكي منذ شهر مضى، ولنستبين مرارة هذا الاختفاء فعلى كل منا أن يتخيل مجرد تخيل أن والدته خرجت من المنزل منذ شهر ولم تعد.
إحساس مر يصعب تقبله أو التعاطي معه، فالأم كل أم هي خط أسري واجتماعي (أحمر) يمنع منعا باتا الاقتراب منه ناهيك عن تجاوزه وتخطيه، لذلك فإننا نشاطر أبناء الوالدة حميدة وأسرتها هذا الإحساس الأليم، وفي ذات الوقت فإن أملنا كبير في أن تعود إلى منزلها وهي في أتم الصحة والعافية فالله -عز وجل- قادر على كل شيء وأي شيء.
وإذا عدنا للجهود التي تبذلها كافة الجهات ذات العلاقة أو لنقل كل الشعب العُماني فإنها جهود مقدرة تؤكد بأن الوالدة حميدة هي أم الجميع بدون استثناء؛ لذلك فإن عُمان كلها الآن في الميدان بحثا عنها، ولن يهدأ زخم البحث إلا بالعثور عليها معافاة من أي سوء ومكروه.
فهذا الحادث المؤسف أرغمنا على فتح ملفات جد هامة على الصعيد الاجتماعي الأمني، فإذا ألقينا نظرة موضوعية على جهود البحث والتقصي نجد أنها مابرحت جهودا تقليدية بشرية محضة، لم يتم فيها الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة بالشكل الذي ينبغي، رغم تقدم العلم في هذا المجال، والسبب ليس لأننا لا نعترف بهذا الجانب بل لأننا لم نعمد بعد إلى تكريسه وتنصيبه معينا يوثق به في هكذا حوادث، ولا يجب علينا تخطي الأمر تجنبا لتكراره بذات الوضع وذات النتائج.
فمثلا لا توجد في كل شوارعنا الرئيسية أو الفرعية كاميرات للمراقبة الإلكترونية تعمل على مدار الساعة ويمكنها أن تقدم للجهات الأمنية تقارير فيديو عن ما يحدث ويقع في الشوارع ليلا أو نهارا وبغض النظر عن وجود إضاءة في الشوارع أم لا، فتكنولوجيا الرؤية الليلية باتت متاحة لكل الأجهزة الأمنية في العالم، وقد كانت قبلا وقفا على الجيوش وحدها غير أنها الآن متاحة للأجهزة الشرطية والجهات الأمنية كافة، ولدى الدولة ومؤسساتها الإمكانات المالية والبشرية لتطويع التكنولوجيا الحديثة في ذلك، وحوادث الفقد وغيرها تفرض التحرك في هذا الجانب أكثر من أي وقت مضى.
بلا شك إن اختفاء الوالدة حميدة أصبح موضوع الساعة ليس في سلطنة عُمان فحسب بل في الخليج والدول العربية الشقيقة أيضا، وها نحن نرى التعاطف الوارد إلينا من خارج الحدود في وسائل التواصل الاجتماعي، ذلك أن كل يوم يمر بدون العثور عليها يعني أن الجرح الاجتماعي يتسع أكثر وأكثر، وأن الدم القاني النابع من نياط قلوب اعتصرها الألم ينزف أكثر وأكثر، وأن القلق الاجتماعي يتعاظم حجمه، كما أن الهاجس الأمني الاجتماعي لن يستقر أبدا ما بقيت حميدة مفقودة، وأن الحيطة والحذر سيظلان في قمة معدلاتهما، وأن الأبناء لن يسمحوا بالاحترام كله وبالأدب جميعه لأمهاتهم بالخروج لوحدهن لا حجرا ولكن خوفا عليهن، وأن الأباء وهم الأزواج لن يسمحوا لزوجاتهم وهن الأمهات بالطبع بالخروج بمفردهن لا عتوّا ولكن حبا لهن، هذا الوضع المقلق سيستمر حتى العثور على حميدة وعودتها سالمة لمنزلها بإزكي، وهذا هو البعد المظلم لهذا الحادث المؤسف غير المسبوق.
كما أن هذه الحالة تطرح تساؤلات كبيرة ومتعددة حول أهمية إيجاد آليات لمراقبة المركبات في الشوارع العامة ومداخل ومخارج الولايات تشبه الرادارات التي نعرفها، وكذلك في محطات الوقود والدوارات وغيرها من الأماكن الحيوية العامة والتجارية على الأقل في كل ولاية لمساعدة الأجهزة المختصة في مراقبة ومتابعة حالات الإبلاغ عن حوادث الغياب والفقدان والسرقات والبلاغات الجنائية الخاصة بالبحث عن الهاربين، فهذا الجانب أصبح مهما وتعزيزه في المرحلة الحالية والقادمة بات فرض عين.
لا نملك ونحن نقف في هذا المنعطف الحزين وحميدة بأتت (أمنا) جميعا، وإذ هي لم تعد لمنزلها بعد، فإننا لا نملك غير التضرع لله -عز وجل- أن يحفظها من كل سوء ومكروه وأن يعيدها سالمة غانمة لأولادها وأهلها، إنه نعم المولى ونعم المجيب.