بقلم : محمد محمود عثمان
مؤتمر العمل الدولي في دورته ال 110 في العاصمة السويسرية جنيف، ينعقد في وقت تسوده أزمات عالمية متعددة ومعقدة تضعنا أمام تحديات لتطوير المؤسسات العمالية العالمية والإقليمية والمحلية، لوضع محاور مستقبلية ليصادق عليها من قبل منظمة العمل الدولية حتى يهتدي بها الجميع، لأنها هى التنظيم المؤسسي الدولي الأعلى للعمل والعمال في العالم، وإذا اختل هذا التنظيم اختلت أسواق العمل في العالم خاصة في الدول النامية - ونحن في الدول العربية منها - التي لا زالت تحبوا في طريق احترام حقوق العمال، بل وتتفنن من التخلص من التزامات دولية في هذاالمجال، والغريب أن منظمة العمل الدولية تتغاضى عن ذلك وتستجيب لضغوط البعض ومنها الدول الخليجية في عدم الجدية في معالجة الاختلالات في أسواق العمل العربية التي لا تصادق على الوثائق والمعاهدات الدولية ومنها الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (القرار رقم 158/45)) الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1990، وتعارض هذه الاتفاقية مع نظام الكفالة للعمال الذي تعتبره الحكومات الوسيط بدلا منها في المسؤولية عن العمال الوافدين في سوق العمل، على الرغم من كثرة المناقشات والمجادلات والمداولات الدولية والمحلية حول مراجعة نظام الكفالة للعمال أو إلغائه، ولكن المشكلة في محتوى هذه المناقشات أنها تمثل في مضمونها الرغبة الخفية في عدم تغييرهذا النظام بل والاحتفاظ به، لأنها لم تطرح جديا الخيارات أوتقدم النظام البديل، الذي يمكن أن يحل مكان نظام الكفيل وذلك برغم أن العمال المهاجرين يقضون معظم فترة شبابهم خارج مجتمعاتهم المحلية، ولهم تأثيرات اقتصادية وثقافية واجتماعية على المجتمعات التي يعملون ويعيشون بها ويعد هؤلاء المهاجرين عنصرا ً أساسيا ًمن عناصر الاقتصادات المزدهرة للدول المستضيفة، والتي تقر بشكل واضح أو خفي بأهمية وجود الأيد العاملة المهاجرة للمشاركة الفاعلة في عمليات التنمية وخططها على المدى البعيد، باعتبار أن العمالة طويلة الأجل تكون أكثر اندماجا من الناحية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وتتمتع بالاستقرار الذي يقود إلى إجادة العمل والإخلاص فيه، ومن ثم زيادة الإنتاج وانعكاساته الإيجابية على الناتج القومي وتوفير فرص عمل جديدة، ولكن الإشكالية الحقيقية تبدو في التناقض من أن هذ ه الدول لا تلتزم بالقوانين والمعاهدات الدولية التي تعطي هؤلاء المهاجرين الدائمين والتي تتجاوز سنوات عملهم بعقود عمل رسمية أكثر من 6 سنوات حق الاقامة الدائمة أوحق الحصول على الجنسية لم يرغب في ذلك، وهو ما تلتزم به الدول الأوروبية، وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وفي إطاراتفاقيات منظمة العمل الدولية، وخاصة الاتفاقية المتعلقة بالهجرة من أجل العمل (رقم97) وكذلك الاتفاقية الدولية لحماية حقوق كافة العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، والتي تعتبِر وثيقة أساسية لحقوق العمال المهاجرين، وعلى ذلك تقع على عاتق مؤتمرات منظمةالعمل الدولية إلزام اعضائها في تبنى وتطبيق هذه المبادئ وأن تلتزم بإدراجها بقوانين العمل الوطنية لديها للتغلب على الخروقات الكثيرة لحقوق العمال، لأن استمرار تجاهل هذه الأمور يجعل الطريق طويلا امام المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني وهئيات حقوق الإنسان ونقابات العمال لوضع آلية فعالة لحماية حقوق العمال الذين يمكن وصف وضعهم فى بعض الدول بالوضع غير الإنساني. هناك بعض التجارب في ممارسات خاطئة تخالف كل التشريعات المحلية والقوانين الدولية، حتى من بعض المسؤولين المشاركين الدائمين في اجتماعات مؤتمرات منظمة العمل الدولية لعدة سنوات ولا سيما أن مؤتمر العمل الدولي، هو أكبر تجمع دولي مخصص للعمل والعمال دوليا، ويحضره ممثلو وزارات العمل وغرف التجارة والصناعة وأصحاب العمل والعمال من 187 دولة الأعضاء في منظمة العمل الدولية، وبالمتابعة السنوية لهذا المؤتمر يمكن أن نطلق عليه اسم «المهرجان السنوي « للتنزه السنوي للمشاركين، حيث ينعقد وينتهى بدون إضافات، على الرغم من أننا نسمع صخبا وضجيجا ولم نر منتجا أو طحينا كما يقال، لأن في هذه المؤتمرات نجد وفودا كبيرة تذهب وأخرى تعود، وطوارئ بالمطارات لاستقبال الوفود وتوديعها، ولا نلمس نتائجا إيجابية تحقق التطلعات الحقيقية للعمال، على الرغم من وجود قضايا ملحة تهم الأيد العاملة المهاجرة خاصة التي تهاجر للدول العربية، بالإضافة إلى ضرورة توفير ظروف العمل الآمنة والصحية، بعد فقدنا الكثير من العمال بسبب الحوادث والأمراض المرتبطة بالعمل، وفقد الوظائف وتسريح العمال بلا ضوابط، وهناك العديد من الاقتصادات المتقدمة والناشئة تحتاج إلى العمال المهاجرين لأداء الأعمال التي لا يوجد من يرغب في أدائها من العمال المحليين بالأجور السائدة. وفي الجانب الآخر فإن الهجرة الدولية للأيد العاملة ذات أثر إيجابي في العادة لبلدان المنشأ وبلدان المقصد على حد سواء، ولذلك هناك دور غائب للدول المصدرة للأيد العاملة في دعم العمال المهاجرين والدخول في اتفاقيات ثنائية للمحافظة على حقوقهم التي تنظمها القوانين والمواثيق الدولة، خاصة مع وجود قناعات بالحاجة إلى تحقيق الحماية الدولية لحقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، مع إعادة التأكيد على القواعد الأساسية ووضعها في اتفاقية شاملة يمكن أن تطبق على المستوى العالمي.