بقلم : علي المطاعني
تكتسب زيارة رئيسة تنزانيا سامية حسن للبلاد أهمية كبيرة على العديد من الأصعدة والمستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فالروابط بين البلدين تعلو ولا يُعلى عليها، وذلك لما يتوفر للبلدين من عوامل تاريخية واجتماعية مشتركة، ضاربة بجذورها في أعماق الزمن، وبالتالي يمكن وببساطة البناء عليها وتفعيلها لتحقيق المزيد من التعاون الاستثماري في المجالات الاقتصادية وتعزيز الروابط الاجتماعية الممتدة أصلا، والمترسخة بين الشعبين الصديقين، والإسهام بروح المحبة في معالجة بعض الجوانب التي نالت من أواصر العائلات، وليتسنى إعادة جريان الدم في عروق التاريخ المشترك كما ينبغي أن يكون، الأمر الذي يفتح آفاقا أوسع أمام مزيد من التعاون، ومد جسور التواصل بينهما، والذي انفض سامره وفقا للمعطيات المعروفة قبل ما يربو على 58 سنة تقريبا في تنزانيا وزنجبار.
فالفرصة مواتية الآن لمعالجة بعض المفاهيم الخاطئة التي زيفها المستعمر الأجنبي للنيل من الدور الحضاري والإنساني والثقافي العظيم للعمانيين في شرق أفريقيا، وذلك من خلال مبادرات ثقافية وتعاون اجتماعي يرسخ الترابط الوثيق بين البلدين والشعبين الصديقين.
إن العلاقات العُمانية مع القرن الأفريقي وبالأخص تنزانيا وزنجبار موغلة في القدم ومتجذرة اجتماعيا منذ حقب بعيدة، وما زالت هذه الانتماءات العرقية الوسيمة والوطنية حية تتقد بعد أن فشل الزمن في أن يهيل عليها التراب، وقد آن الأوان لتفعيلها عبر العديد من المبادرات الاجتماعية واستثمار تواجد الجاليات العُمانية هناك لتضيف إليها الزخم الإيجابي المطلوب، ومن ثم تعظيم التعاون في المجالات الاقتصادية بإقامة تكتل للدول الناطقة بالسواحلية على سبيل المثال لإضفاء المزيد من التعاون والتواصل على غرار الكثير من المجموعات في العالم، والتي تستثمر بعض السمات المشتركة كاللغة والانتماءات والتقارب الاجتماعي الذي يشكل عاملا مهما في أحياء الكثير من مجالات التعاون الذي يتطلع إليه الشعب العُماني والتنزاني الصديق.
بلاشك أن الأرضية لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين متوفرة على أكثر من صعيد وكل ما نحتاج إليه هو بعض الاهتمام والمتابعة والتواصل بين الحكومتين، فعلى الصعيد الاقتصادي تعكس المؤشرات التجارية والتبادلية بين البلدين فرصا للنمو والتطور، الذي يمكن الاستفادة منه، حيث بلغ إجمالي الصادرات العُمانية إلى تنزانيا أكثر من 36 مليون دولار أميركي في 2021 (في حين بلغ حجم الواردات من تنزانيا الاتحادية 9.525.874 دولار، أي أن الميزان التجاري يميل إلى كفة السلطنة بأكثر من 27 مليون دولار، إذ يؤشر التبادل التجاري إلى العديد من الجوانب التي يتعين استثمارها بنحو أكبر وأفضل مما هو عليه عبر منهجية عمل اقتصادية تسهم في إثراء المجالات الاقتصادية والاستفادة من الفرص المتوفرة.
وعبر لغة الأرقام يمكن القول أن معدلات التبادل التجاري بين البلدين لا زالت متدنية مقارنة بالعلاقات الاجتماعية والتقارب الجغرافي والروابط التاريخية المشتركة بين البلدين، ففي الوقت الذي تبلغ فيه الصادرات التنزانية للسلطنة أكثر من تسعة ملايين دولار وفق إحصائيات عام 2020م وتتمثل في الذهب والتبغ والكاجو، نجد أن أهم شركاء تنزانيا التجاريين هي الهند بنسبة 20% والإمارات العربية المتحدة بنسبة 13% والصين بنسبة 8% وسويسرا بنسبة 7% ورواندا بنسبة 6% وكينيا بنسبة 5% وفيتنام بنسبة 5%، في وقت تستورد فيه تنزانيا الاتحادية ما يزيد عن 10 مليارات دولار تتمثل في البترول المكرر وزيت النخيل والأدوية والسيارات والقمح، وأهم الموردين لها الصين بنسبة 34%، والهند بنسبة 15% والإمارات بنسبة 12% وفق إحصائيات عام 2020.
ويتضح مما تقدم أن مستوى التبادل بين البلدين لا يزال دون الطموح، رغم العلاقات الوطيدة والروابط الاجتماعية المتأصلة والتقارب الجغرافي والتاريخي المعروف، مقارنة مع الشركاء الآخرين لتنزانيا.
إن هذه المعطيات تتطلب منا التركيز على تعزيز وتفعيل وتعضيد التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية في الفترة المقبلة.
فتنزانيا الاتحادية التي يبلغ عدد سكانها 62 مليون نسمة ومساحتها أكثر من 947 ألف كيلو متر مربع وبناتج محلي إجمالي يبلغ 62 بليون دولار، ومعدل نمو يصل إلى 2%، لديها فرص ضخمة للتعاون والاستثمار المشترك، خاصة في مجالات التعدين والمواد الأولية والزراعة والسياحة.
لذا ينبغي علينا توظيف ذلك الإرث التاريخي والثقافي لإضفاء مزيد من الزخم لفائدة التبادل والتعاون التجاري بين البلدين.
ولعل إنشاء مجموعة الدول الناطقة باللغة السواحلية أسوة بنظيراتها كالمجموعات الفرنكوفونية والإسبانية والبرتغالية من شأنه أن يساعد على الولوج إلى الأسواق الأفريقية وتنزانيا على وجه الخصوص، وعلينا ألا ننسى بأن اللغة السواحلية من الإبداعات الحضارية للعُمانيين، فهم الذين أسسوا هذه اللغة في الحقب الفائتة.
كما يجب ألا نغفل أهمية معالجة بعض الإشكاليات للمواطنين الذين لم يتسن لهم المجيء لبلدهم لظروف عدة، فبعضهم اليوم رجالات أعمال ولديهم استثمارات، وربطهم بوطنهم الأم لن يغير شيئا في ظل العولمة واستقطاب المستثمرين وإعطائهم كل المزايا والتسهيلات، فالولاءات موجودة لدى هولاء لمسقط رأسهم كغيرهم من البشر، وهو ما يجب استثماره بعناية، فالتمدد الثقافي له قيمته في حراك المجتمعات وإثبات تواجدها في العالم، خاصة وأن الأثر العماني في تنزانيا باق ومتجذر، فقط يحتاج منا لعملية إحياء ممنهج.
ومن الأهمية كذلك أن تتناول المباحثات تصحيح بعض المعلومات غير الصحيحة في المناهج التنزانية والكتابات التاريخية حول الوجود العماني ودوره في الحقب الفائتة بتنزانيا، لأن هناك بعض البيانات غير دقيقة وتحتاج إلى تصويب وفق الحقائق التاريخية الصحيحة والمنهج العلمي السليم.
فضلا عن بحث إضافة اللغة العربية للمنهج التعليمي التنزاني في مراحل الدراسة المختلفة في المدارس والجامعات بما يعزز من الترابط الوثيق بين البلدين والشعبين الصديقين.
نأمل أن تكون زيارة سامية حسن رئيسة جمهورية تنزانيا الاتحادية فاتحة خير للتعاون الثنائي الفاعل بين البلدين، ودعما للمغتربين العُمانيين الذين لا يزالون بزنجبار وشرق أفريقيا عموما، وربطهم بوطنهم الأم ثقافيا وعلميا واقتصاديا، ليكونوا مجتمعا قويا داعما لوطنهم بإنشاء المركز الثقافي العُماني بزنجبار، واللجنة العليا العُمانية التنزانية للتأكيد على خصوصية العلاقة بين البلدين، وتعظيم الاستفادة منها.