بقلم : علي المطاعني
تكتسب العلاقات العُمانية الإيرانية أهمية كبيرة على العديد من الأصعدة والمستويات الثنائية والإقليمية والدولية لما تشكله من أهمية كبيرة لمنطقة الخليج الملتهبة مابرحت، وللعالم المضطرب ما إنفك، وحيث يتجلى الإتزان المعروف من الجانب العُماني في إدارة هذه العلاقات وسط موجات من النزاعات والتجاذبات السياسية والعسكرية التي شهدتها المنطقة طوال السنوات الفائتة بين الأطراف المتنازعة لدواعٍ ايديولوجية وسياسية تذكيها الدول ذات المصالح والأهواء وإذ هي لا تريد لهذه المنطقة وشعوبها التمتع بنعمة الأمن والإستقرار، وتعمل جاهدة على إحباط كل جهود التسوية بين الحكومات وتحاول تشويه وعرقلة التوجهات كلما سنحت الفرصة للملمة المعضلات والجلوس على طاولة الحوار بنحو حضاري.
الأمر الذي يبعث على الإرتياح لهذه السياسة العُمانية الحكيمة التي قادت العلاقات الثنائية إلى هذا المستوى الرفيع من التعاطي الذي جنب المنطقة الكثير من المخاطر والكوارث كانت ستدفع شعوب منطقة الخليج والعالم ثمنا غاليا لا يعرف احد مدى فداحته.
لقد حافظت هذه العلاقات على متانتها طيلة العقود الفائتة بفضل الصميمية التي أبدتها قيادة البلدين، ولم تستطع كل العواصف الهوجاء التي مرت بالمنطقة النيل منها، ذلك أنها كانت أبداً مرتكزة على مبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، فضلا عن تشابك المصالح وترابطها على الصعيد الأسري والإجتماعي إضافة لتبادل المنافع الإقتصادية المشتركة، ولقد عملا معا على استتباب الأمن في المنطقة وبإعتبارهما يطلان على مضيق هرمز الإستراتيجي والذي يعد البوابة الأكثر أهمية لدول المنطقة مجتمعة، وإستتباب الأمن به يعد خيارا بالغ الأهمية لا للبلدين فحسب ولكن لكل دول الخليج وللتجارة العالمية من ناحية عامة.
لقد نجحت سلطنة عُمان والجمهورية الإسلامية الإيرانية بالفعل بالناي بالمضيق من التجاذبات والصراعات الدولية وليبقى في منأى من الأطماع والصراعات الدولية ليس لصالحهما فحسب بل لدول المنطقة والعالم، فالمبدأ الذي إنتهجته السلطنة أبدا ودوما في علاقاتها الخاصة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية قائم على حسن الجوار والإحترام المتبادل وعدم الإنسياق خلف الأصوات التي لاتدرك خصوصية هذه العلاقات والتي لطالما حاولت دون جدوى الدفع بمسقط لمعاداة طهران خدمة لمصالح دول أخرى.
بناء عليه وإتساقا مع أبجديات وجوهر سياسة السلطنة الخارجية فإن مسقط من المستحيل أن تبتعد عن خطها السياسي والمعروفة به منذ إنطلاقات بواكير النهضة العُمانية قبل نصف قرن من الزمان مضى رغم الضغوط الإقليمية والدولية عليها بالتراجع والإنسياق وراء سياسات لا تمت للمنطقة بصلة.
ولا يخفى على أحد الضريبة الغالية التي دفعتها السلطنة طوال السنوات الفائتة لأجل الحفاظ على هذه السياسة الحكيمة وفي إطار علاقاتها الوطيدة مع إيران وعلى كل المستويات والأصعدة إضافة لتلقيها سيلا من الاتهامات غير السليمة لارتباطها مع إيران، وإنعكاسات ذلك على جوانب كثيرة منها الإقتصادية من الأشقاء بالمنطقة عندما لم يتوصلوا للإبعاد الغائرة والعميقة لسر هذه العلاقة.
ولله الحمد إذ دول المنطقة إستطاعت أخيرا إستيعاب وفك رموز وشفرات هذه العلاقة القائمة أصلا على مبادئ ثابتة لا تتزعزع ولا تتلون بالمواقف والتطورات والمستجدات السياسية التي تكتنف المنطقة والعالم، وتأكيدا لذلك هاهي اليوم تعود لطهران لفتح صفحة جديدة ناصعة البياض معها في إطار علاقات تستمد حيويتها من التجربة العُمانية التي باتت راسخة ويحتذى بها، وذلك من بعد أن دفعت هذه الدول ثمنا باهظا كان خصما على التنمية والإستقرار عندما كان التوتر على أشده.
إيران ومن ناحيتها تقدر عاليا هذا النهج العُماني المتفرد والذي ميز سياستنا الخارجية طلية هذه المدة وباتت توصف بالسياسة الحكيمة والتي يتعين على الدول الأخرى إتباع ذات النهج أن هي وضعت نصب أعينها مبدأ إستتباب الإستقرار والرفاهية لشعوبها بعيدا عن تجاذبات وإحتمالات الحروب والإقتتال والتي لن تخدم البشرية من ناحية عامة، وعلى الجميع النظر بعين فاحصة لمخرجات الحروب الطاحنة التي عصفت بالمنطقة بدءا من حرب الخليج الأولى والثانية وأخيرا حرب اليمن لنستخلص المزيد من العبر إزاء تعاطي السلطنة مع هذه الأحداث الجسام، وبالقدر الذي أهلها لتغدو الطرف الموثوق به في التعامل مع الملف اليمني الملتهب، ومن اجل الوصول لصيغة سلام دائم تجنب اليمن الشقيق المزيد من الجراحات والآلام.
لقد كانت السلطنة حريصة على عدم إستعداء إيران رغم تصاعد دخان نذر الحرب بين الفرقاء وبين طهران، وبذلك كانت مسقط هي العاصمة المؤهلة دوما للتوسط في الخلافات بين الدول الأخرى والجمهورية الإسلامية، وجميعنا يذكر الدور الإيجابي الذي لعبته في التوصل للإتفاق النووي بين إيران وأميركا والذي الغته الإدارة الأميركية السابقة من طرف واحد.. نامل أن تتطور العلاقات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والأخوية بين البلدين ولما فيه رفاهية الشعبين، كما أن الواقع الراهن يقتضي المزيد من التفاهم في عالم يغطي سماواته دخان أسود ينبئ بما لا تحمد عقباه، وأن تتفهم دول المنطقة بأن السياسة العُمانية تريد الخير للجميع، وأنها لم ولن تكون على حساب احد، فالنهج العُماني لا يمكن أن يتلون أو يتبدل في يوم من الأيام ولأي من الدواعي والمغريات مهما كانت.