بقلم : علي المطاعني
في ظل الظروف الإقتصادية والصحية المعروفة التي تعيشها البلاد كغيرها من دول العالم ، وإضطرار بعض المواطنين للعمل في بعض المهن البسيطة تلبية لنداء الحاجة وحفظا لكرامة وعزة النفس ، ودرءا لطعنات ووخزات خناجر الجوع الفتاكة.
في ظل هذا الواقع الإستثنائي الذي يتعين تقديره عاليا ، نجد للأسف وفي المقابل إجراءات وعقوبات وجزاءات تتخذ ضد هؤلاء العصاميين الشرفاء ، وهي في مجملها لاتخدم إلا المتربصين بهذا الوطن وأبناءه الشرفاء.
يحدث ذلك عندما نجد أن جهة رسمية تعلن بفخر وكإنجاز يحسب لها بأنها وبالشموخ كله وبالإباء جميعه ضبطت مواطنا قام بالإحتطاب دون تصريح رسمي ، وأنها ماضية في إتخاذ التدابير القانونية بحقة ومصادرة الكمية المضبوطة موضع الإتهام .
هنا نسأل وعلى الوجه حيرة ، وفي العينين ذهول وذبول ، هل ياترى هذا الذي جرى يعد إنجازا يستحق أن يضاف بالفخر في التقرير السنوي لتلك الجهة ، وهل هكذا عقوبات تستحق أن يتم الإعلان عنها كإحدى المنجزات .
من جانبنا نرى بأن هكذا عقوبات وخطوات وملاحقات لاتعد إنجازا ، العكس هو الصحيح ، فهي تمثل قمة مراحل القصور في التعاطي مع مثل هذه الحالات الإستثنائية والتي ماكان لها أن تحدث أصلا لولا الظروف المعروفة ، ثم أن هذه المواطن العصامي عندما قرر أن يحمل فاسه في كتفيه ويمضي غير عابئ بمشاق هذه المهنة هل فعل ذلك لأن الأفضل كان أمامه فاردا جناحيه مرحبا به ، بيد أنه نأى عن ذلك الأفضل وقرر إرتياد الأصعب حبا في الضنى والعذاب.
بالقطع لاتوجد أي جهة يمكن أن يشار إليها بإعتبارها قدمت إليه الأفضل ، غير أنه توجد جهة قد لاحقته لأنه إختار المشي في طريق الأشواك سعيدا به مغتبطا بما حصل عليه من (حطب) الدنيا ليبيعه بدلا من مد يده للناس .
هي صورة ومشهد يبعث على الدهشة والإستغراب لهذا التعاطي غير الإيجابي مع هذه الفئة المثابرة من المواطنين والذين يؤمنون بأن العمل الشريف وبغض النظر عن لونه وشكله وطعمه هو قمة الشرف وقمة عنفوان الإباء ، وفي المقابل نجد الجهة المعاكسة أو المشاكسة تتعقبهم وتصادر ما لديهم من جواهر ونفائس بزعم أنهم لايتأبطون ترخيصا يتيح لهم حصد هذه الدرر.
لاندري بيد أن التقييم المنطقي لهذا الذي حدث هو أن هكذا مواطن يجب تكريمه لاتعنيفه ، تبجيله لا تبخيسه ، ذلك لأنه استوعب فكر المصطفى صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه) .
ثم ألا نتفق جميعا بأن هذا المواطن الشريف وقد آل على نفسه أن يعتمد ويتكئ على نفسه أفضل وخير من ذلك الذي مابرح يلهث خلف سراب وظائف القطاع العام والخاص ، والتي كلما أسرع الخطى إليها كلما إبتعدت عنه بإعتبارها سرابا ، والإبتعاد هو شأن السراب كما نعرف إذ لم يسجل التاريخ البشري حتى اليوم بأن هناك من بلغ شواطئ أنهار السراب وأنه قد إغترف منه غرفة بيده فشربها وأطفأ نار ظمأه ، ثم أناخ بعيره هناك ونام قرير العين ، بالقطع لاتوجد حالة هكذا قط ، ثم ان هذا العصامي النبيل لم يسجل اسمه في قوائم الضمان الإجتماعي وذوي الدخل المحدود لكي يستلم نهاية الشهر راتبا ، وإنما شمر عن ساعديه للعمل في مهنة الإحتطاب المبارك بشهادة المصطفى ، هو سعيد بما أنجز ومغتبط بما أفلح فيه وإذ هو يعود لأبنائه بعد رحلة الشقاء الطاهر تلك حاملا إليهم إحتياجاتهم الحياتية والمعيشية والضرورية ، تلك هي قمة السعادة ، هكذا يراها ونراها .
على ذلك يتعين علينا أن نقف مع أي مواطن يمضي في هذه الطرق الشوكية ، فهم ولو ألوا على أنفسهم الإلتحاق بوظائف القطاع الحكومي كانوا سيكلفون الدولة مئات الآلاف من الريالات حتى وصولهم لسن التقاعد ، غير أنهم لم يفعلوا ذلك تركوا الوظائف لغيرهم وقرروا بكامل إرادتهم المضي نحو الأصعب والأسعد في ذات الوقت ، أليسوا هم أصحاب الهمم العالية الذين يستحقون الإشادة والتكريم ؟..
كما أن الإعلان عن هذه الضبطيات المقترنة بالعقوبات فهي في الواقع تعد ذما للجهات الرسمية التي أعلنتها ولاتمثل إضافة لها بأي حال من الأحوال ، ولا أدري هنا أين دوائر الإعلام في تلك الجهات ولماذا غضت الطرف عن تقديم النصح والإرشاد وقبل الإقدام على خطوة الإعلان والإعلام ، فهكذا (ضبطيات) محبطة لا ينبغي أن تحدث ناهيك عن الإعلان عنها بإعتبارها إنجازا حضاريا ، وما وجدته الضبطية من شجب في وسائل التواصل الإجتماعي إلا تأكيدا على ماذهبنا إليه .
بالطبع نحن مع النظام والتنظيم ، ومع الإرشاد والترشيد ، ومع حقيقة أن الإحتطاب ينبغي أن يكون من الأشجار التي لاجدوى منها ولا تمثل تهديدا للغطاء النباتي الحيوي لسلامة البيئة كل ذلك نعلمه ونحض عليه.
نأمل أن نكون اكثر عقلانية في التعاطي مع إجراءات وعقوبات غير سارة للمواطنين في هذه المرحلة الدقيقة ، وأن نكون أكثر وعيا عند الإعلان عنها فسلبياتها أكثر من ايجابياتها في مطلق الأحوال.