بقلم: خالد عرابي
روي أن توماس أديسون قيل له بأن مصنعك قد حرق، وتوقعوا ماذا كانت إجابته؟! كانت: "لقد جاء الوقت المناسب لكي نبنى مصنعا أفضل على أسس سليمة وعلى نظام أفضل، فنحن حينما بنينا هذا المصنع وفي تلك الفترة لم يكن لدينا كل التفاصيل، كما أننا كنا في عجل ولم تكن لدينا الخبرة الكافية، كما وأننا خلال تلك الفترة تعلمنا الكثير وكان علينا أن نزيل المصنع القديم ونبني جديدا، ومن هنا فلقد جاءت الفرصة السانحة لنفعل ما نريد.."
وهنا يجب أن نعيد النظر مرارا وتكرارا حول الإجابة السابقة لأديسون، فهو هنا لم يقل كم خسرت من المال ولم يقل لقد خرب بيتي ولا خسرت ثروة كذا وكذا ولم يتحدث عن كل هذا، وإنما تحدث عن المكسب وقال إنها فرصة لبناء المصنع على أسس سليمة، وهذا ما أردت أن أتحدث عنه اليوم وهو من يتحدث عن المكسب ومن يتحدث عن الخسارة، وهنا أعنى العقلية " عقلية المكسب وعقلية الخسارة "، حيث أن هناك عقلية تفاؤلية ناجحة ترى في كل شيء يحدث معها النجاح ويمكن أن نطلق غليها أيضا "عقلية النجاح" .. والفرق بين العقلية الانهزامية التشاؤمية التي تنظر لكل شيء بانهزامية وترى في كل شيء خسارة وانهزام وفشل ويمكن أن نطلق عليها أيضا "عقلية الفشل" ..
فسمة فرق بين من ينظر إلي نصف الكأس الفارغ كما يقال، وفرق أكبر بين من ينظر إلى النصف المملوء ويقول الحمد لله عندي بعض الماء في الكأس..
كثيرون نقابلهم في الحياة هم ممن يتحدثون عن المكسب دائما ويتحركون ويتصرفون ويتحاورن وكل عقليتهم وذهنهم فيه النجاح ولذلك وفي النهاية نجد أنهم ينجحون حقا.. كما أننا نقابل أيضا بعض الانهزاميين ممن يتصرفون ويتحركون في حياتهم وهم محبطون ومتشائمون، ويسيطر عليهم مبدأ الخسارة ولذا فهنا تكون النتائج دائما ضعيفة وبحجم ما يتوقعون وتكون المحصلة عدم الوصول إلي ما يريدون.. فكما ذكرت من قبل مرارا وتكرارا ووفقا لقاعدة علم النفس الشهيرة فإن النتائج تأتي بناء على التوقعات، أي بناء على الاعتقاد النفسي والداخلي، وذلك طبيعي جدا لأن العمل يكون بقدر هذا الاعتقاد والإيمان الداخلي والجانب النفسي الذي يغذي الجانب الروحي والعملي.
ومن ثم فلو عدنا إلي قصة أديسون نفسه وقرأنا عنها وتأملنا كيف كانت حياته فسنرى أن قصته هي ضرب من التحدي، "فقد ولد إديسون في ولاية أوهايو الأمريكية وهو من أصول هولندية. وكان الابن السابع والأخير وكان إديسون شريد الذهن في كثير من الأحيان بالمدرسة، حيث وصفه أستاذه بأنه "فاسد"، كما عانى أديسون من مشاكل في السمع في سن مبكرة، وكان يعزى سبب الصمم له لنوبات متكررة من إصابته بالحمى القرمزية خلال مرحلة الطفولة دون تلقيه علاج لالتهابات الأذن الوسطى.. "
" أنهى أديسون ثلاثة أشهر من الدراسة الرسمية، ويذكر أديسون في وقت لاحق، "والدتي هي من صنعتني، لقد كانت واثقة بي؛ حينها شعرت بأن لحياتي هدف، وشخص لا يمكنني خذلانه.." كانت والدته تقوم بتدريسه في المنزل. وأسهمت قراءته لكتب باركر العلمية مدرسة في الفلسفة الطبيعية كثيرا في تعليمه.
وهذا يعزي بنا إلى الاهتمام بشيئين مهمين جدا في حياتنا، وهم : الأول: الثقة في أبنك وأنك على قدر ما تغذي قناعاته وإيمانه بذاته سلبا أو إيجابا، فإذا غذيته وبنوع من الحديث الهاديء والناعم والصادق بأنك ترى فيه النجاح والثقة وتبث فيه هذه الثقة وروح النجاح والتحدي فسيكون حقيقة كذلك، أما إذا كان هو ناجح فعلا، وكنت تبث فيه روح الضعف والوهن حين تقول له بأنه ليس متفوق وأنه فاشل أو متأخر عن زملائه فإنه مع الوقت سيكون كذلك، وهنا أذكر مثل عامي يشير إلى ذلك مع اختلاف تطبيقه ولكنه يؤكد نفس القاعدة وهو يقول : "تأمن الخائن يصبح أمين، وتخون الأمين يصبح خائن".
أما الشيء الثاني فهو دور الأم في حياة الأطفال فهو دور مهم وحيوي جدا بل وأكثر أهمية من الأب لأنها هي التي تكون أقرب وألصق ومع الأبناء أكثر من الأب، وهنا ننظر كيف كان دور أم أديسون في حياته، وكيف صنعت منه عالما حقا.
فأديسون وبحسب كثير من المصادر: "يعَد رابع مخترع أكثر إنتاجا في التاريخ، ويمتلك 1093 براءة اختراع أمريكية تحمل اسمه، فضلا عن العديد من براءات الاختراع في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا. وكان له الفضل في العديد من الاختراعات التي ساهمت في وسائل الاتصال الجماهيري وفي مجال الاتصالات على وجه الخصوص. شملت تلك الاختراعات مسجل الاقتراع الآلي والبطارية الكهربائية للسيارة والطاقة الكهربائية ومسجل الموسيقى والصور المتحركة".. جعلنا الله ممن يفكرون بعقلية النجاح لا الفشل وجعلنا وأياكم ممن يصنعون من أبناءهم علماء ومبتكرون وعباقرة.