بقلم : محمد الرواس
قال أحد الحكماء «حين رأيت الشجرة علمتني كيف أبقى على قيد الحياة ، وعلمتني كيف يكون الصبر والقوة»
اليوم ونحن نشاهد ما يقوم به بعض المزارعين المحبين لأرضهم وهم يعودون إلى مزارعهم ويزرعونها بأنفسهم ويحصدون ثمارها ، ويسوقون منتجاتهم بالأسواق المحلية ، بل البعض منهم ولله الحمد يصدرون منتجاتهم إلى الدول المجاورة شيء يثلج الصدر فعلاً.
قد لا يلقى البعض من أصحاب المزارع اهتماماً لمثل هذا الأمر لكنه حتماً بغاية الأهمية وبما تعنيه الكلمة من معنى لأنه منعطف استراتيجي في حياة مزارع ومزارعي عُمان ، وما يقوم به المزارعون حين يعودون إلى إدارة مزارعهم أو نشاهد شبابًا من خريجي كلية الزراعة يستأجرون مزارع من أقربائهم أو بمناطقهم ويديرونها بأنفسهم ، أو حين تتاح الفرصة للبعض منهم أن تصرف لهم الحكومة أراضي زراعية كما يحدث الآن بمنطقة النجد وتشجعهم وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه وترعاهم هو بالتأكيد الاتجاه نحو حركة نماء وعطاء زراعي بهدف زيادة المحاصيل المحلية ، وهي عودة حميدة إلى العشق الأبدي بين الإنسان والأرض.
لقد هُجرت العديد من مزارعنا عندما كانت الاغراءات في سهولة العيش متاحة للجميع من وجود وظائف حكومية آمنة وبجهد أقل ، فأهملت الأرض وأدارها الوافد حين يستأجرها بأبخس الأثمان ، بينما أخرى تركت بوراً ولم يتمسك بالأرض والمزارع إلا القلة القليلة من شيباننا الكرام الذي لا يطيقون الحياة إلا وسط وبجانب مزارعهم ، ونحن أهل عُمان ما كان لنا أن نترك مزارعنا ، ونشاطنا البحري في صيد الأسماك لانهما النشاطان الذي قامت عليه الحياة العُمانية قديما وهما مستقبلنا ومستقبل أبنائنا فقد جعل الله البركة لنا في الأرض والبحر.. ولأننا نتحدث عن المزارعين والمزارع وعودة الحياة للعديد من المزارع واستصلاحها فإننا سنجد أنفسنا نذكر تجربة المزارع سالم بن محمد الغيلاني الذي عاد إلىمزرعته بعد أن هجرها لما يقارب سبعة عشر عاماً ، وبرغم التحدي والصعوبات التي واجهها عند عودته لاستصلاح مزرعته إلا انه كان مؤمن إيمان كاملاً بأرضه فاستعان بالله أولاً ثم بالجهات المختصة خاصة دائرة التنمية الزراعية بولاية الكامل فزرعها بالطماطم والجح والشمام وغيرها من الخضروات والفواكه ، فأعاد لمزرعته اللون الأخضر وأعاد لها الحياة ، واجمل ما ذكره سالم أنه عندما حصلت ازمة الطماطم قبل عدة سنوات استطاع ان يغطي ولايته والولايات المحيطة بالإكتفاء الذاتي من الطماطم ، وهناك الكثير من قصص النجاح لمزارعين اشداء استطاعوا إدارة مزارعهم وتطويرها بعد أن اهملت من أهلها بل البعض منهم اليوم ممن عادوا لإدارة مزارعهم ادخلوا لها بعض المنتجات مثل الفواكه التي لم تكن موجودة من قبل ، واستخدموا الري الحديث والبيوت الخضراء ، لقد بعث إلينا المزارع سالم برسالة روحها أن طعام الناس يكمن في هذه المهنة العظيمة .
سلطنتنا الحبيبة تملك اكثر من مليونان هكتار من الأراضي القابلة للزراعة وهي من أكبر المناطق الزراعية بمنطقة الخليج لكن الإقبال على الزراعة قل بشكل ملحوظ خلال العقود الفائتة وبالتالي قل توفر المنتجات الزراعية المحلية بالأسواق العمانية ، واليوم تنتظر الأرض الايادي الشداد للمزارعين ليعيدوا للأرض اخضرارها مثل ما كانت.
ولأن التحديات الثلاث للمزارعين ، المياه ، وملوحة الأرض ، والتسويق من أكبر الصعوبات التي تواجه المزارع ، إلا أن منظومة السدود التي تقيمها الحكومة ، والترشيد في استخدام المياه وراي المزارع بالطرق الحديثة ، وفتح مراكز تسويق المنتجات الزراعية بالمحافظات ستكون حلول بإذن الله تعالى لهذه المعضلات الثلاث..لقد نجح المزارع سالم وغيره في أداء رسالته ومثله يستحقون التكريم والدعم من وزارة الثروة الزراعية من اجل ان يصل الوطن إلى الأمن الغذائي المنشود الذي تسعى إليه السلطنة من خلال الأذرع التي اوجدتها منها الشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة.. وللحديث بقية.