بقلم : علي المطاعني
للأسف استعانت بعض الجهات الحكومية بالمغردين وناشطي وسائل التواصل الاجتماعي غير المدروس، للترويج للتوجهات الحكومية الخاصة بجدولة الرسوم الحكومية أو التخفيضات وغيرها من التسهيلات تحت شعار «الخير جاي» والتي تتداعى مرة تلو الأخرى بشيء من التهكم والنكات إلى أن أصبحت الأوساط المحلية لا تصدق ولا تتفاعل مع هذه التوجهات، ولا تثق في من يصدرها، وتنعكس سلبا على الجهات الحكومية بالمزيد من السخرية تارة والتعليقات تارة أخرى، والتنمر على المسؤولين في مرات عديدة. وقد أسهم كل ذلك وغيره في اتساع الفجوة بين الجهات الحكومية والأوساط المحلية بشكل لم نعهده من قبل، ولا يبشر بأفق أفضل لعودة الثقة في ما تقوم به الحكومة، الأمر الذي يتطلب إصلاحات جذرية في مخاطبة الرأي العام والعمل على ضبط تعامل الجهات الحكومية مع المغردين بشكل يتماشى مع ما ترغبه في التعريف به، ومدى صلاحية الاستفادة من الناشطين ومدى مصداقيتهم من عدمها وأيها أفضل وسيلة في التعاطي مع الرأي العام عند إدارة الخطاب الإعلامي، وطبيعة الخدمات أو التسهيلات التي تقدم، ومدى مواءمتها مع الأدوات الإعلامية ووسائلها، فكل هذه البديهيات لم تغفل عنها علوم الإعلام والاتصال، حيث وضحت كيفية مخاطبة الرأي العام وأخلاقيات ذلك على كل الأصعدة والمستويات، إلا أن إدارة الدوائر الإعلامية من غير المختصين من الطبيعي أن ترتكب هذه الأخطاء وغيرها، والتي أساءت للحكومة بدرجة كبيرة في الفترات الفائتة، وتحتاج إلى عصا موسى لإصلاح سمعتها.
فخلال السنوات الفائتة لم تتعظ الجهات الحكومية جيدا من هذه الممارسات الخاطئة في التعاطي مع الرأي العام في توصيل رسالتها للمجتمع سواء برفع الرسوم أو الدعم الحكومي وغيره، عن طريق مغردين يفتقرون للأساليب الجيدة في التعامل مع الرأي العام ويسوقون هذه التوجهات بشكل مستفز تحت الكثير من الشعارات غير الملائمة، وحدث ذلك في برنامج التوازن الاقتصادي كضريبة القيمة المضافة ورسوم البلديات وقوانين الإسكان والتخطيط العمراني وغيرها من التسريبات التي تمنح حصريا لهواة لا يفقهون ماهية الإعلام وأخلاقياته وسبل إيصال المعلومة الخاصة بتوجهات الدولة بشكل متزن يراعي الكثير من الاعتبارات الاجتماعية والسيكولوجية والمعنوية، ولا الجهات المختصة تدارست كيفية تهيئة الرأي العام قبل فترة زمنية كافية لتحرير الخدمات والتوجهات بشرح واف لكل المتغيرات وحالة الدولة وأوضاعها الاقتصادية، وأين ستذهب المبالغ المحصلة بوسائل إقناع مقننة ودقيقة وبسيطة وشفافة بشكل مقنع للرأي العام، فهناك علوم في التأثير الاجتماعي والسلوكي يجب أن تنتهجها الجهات الحكومية في تعاطيها مع الرأي العام لتبعدها عن الارتجالية والعشوائية المتبعة في هذا الجانب.
إن هناك معايير وأسسا للتعامل مع المغردين والناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي تختلف من خدمة إلى أخرى، ومن قطاع إلى آخر، فمعطيات الإعلان عن سلعة معينة لا يجب أن تنسحب على الإعلان عن تعرفة الكهرباء مثلا أو تحرير أسعار دعم الخدمات، إذ لابد أن تدرس سبل مخاطبة الناس بالكيفية التي تتناسب مع اهتماماتهم وثقافتهم وتوجهاتهم الاجتماعية والاقتصادية، وأن تتدرج سبل المخاطبة خلال مدى زمني ليس بقصير، وطبعا يجب أن يؤخذ في الاعتبار ماهية تهيئة الرأي العام وسبل الوصول إلى شرائح واسعة من المجتمع وتحديد الفئات المستفيدة من مظلة الحماية الاجتماعية قبل كل شيء إلى غير ذلك من بديهيات العمل الإعلامي المتزن.
وللأسف امتدت الممارسات الخاطئة في التعاطي مع الرأي العام لتصريحات المسؤولين في الإذاعات بشيء من الاستفزاز عند الإجابة عن الأسئلة لأنهم لم يخضعوا إلى تدريبات في كيفية التحدث، وما هي الجوانب التي يتحدثون فيها في كل مناسبة، والأسئلة المفترضة وغيرها، فلم يسلم أي مسؤول تحدث إلى وسيلة إعلامية من التعليقات بسبب إخفاقاته في التعامل مع وسائل الإعلام وتجنب استفزاز المجتمع بإجابة مثيرة واشتراطات غير طبيعية لبعض الخدمات التي يجب مراجعة تأثيراتها على الناس.
إن تداعيات إدارة المحتوى الإعلامي في الجهات الحكومية ما زالت مستمرة من إخفاق إلى آخر أشد قوة، الأمر الذي يزيد من احتقان الرأي العام، ويزيد الأعباء على الجهات الأمنية بتراكمها شيئا فشيئا مع الوقت، وعدم إدارة هذا الجانب بكفاءة عالية. ويبدو أن الجهات الحكومية لا تحتاط من هذه الممارسات أو لا تتكامل مع بعضها في ضبط إيقاعها على نحو ملائم يراعي مصالح الدولة العليا، أو أن بعض الجهات تقوم بعملها بمعزل عن الجهات الأخرى وما قد تؤديه ممارساتها وأخطاؤها من تراكمات تؤثر على سمعة الدولة، وإلا فلماذا هذه الإخفاقات الواحدة تلو الأخرى بدون مراجعة أو وقفها؟
طبعا دفعت الحكومة الثمن غاليا سواء بالتراجع عن بعض القرارات والقوانين أو التوجهات، وخسرت الملايين من الريالات بالإضافة إلى خسارة السمعة ثمنا لهذه الأخطاء والممارسات غير الواعية مع الرأي العام التي استسهلت أو استهانت بتأثيرات ذلك الأمر.
ونتيجة لهذه الممارسات لم يعد هناك من يصدق أن «الخير جاي» أبدا، فلا ملمح في الأفق في نفوس الناس بأن الأمور ستكون أفضل نتيجة لهذه التراكمات والأخطاء الفادحة في التعامل مع المجتمع.. نأمل من الجهات الحكومية أن تعيد النظر إدارة المحتوى الإعلامي بشكل يبعد النكات والتهكمات عنها من خلال اختيار الرسالة الإعلامية المناسبة والتعبير عن مضمونها وفق ما تحمله من أخبار إيجابية، وإعادة النظر في سبل الاستعانة بالمغردين، بأن يكون ذلك وفق أسس وقيم مدروسة وذات دلالة بحسب كل خدمة وتوجه، حتى لا يختلط الحابل بالنابل وتصبح الجهات الحكومية وخدماتها أضحوكة في وسائل التواصل الاجتماعي، تنهال عليها النكات الساخرة والرسومات المستفزة بشكل يفقدها بوصلة التغيير في المجتمع بالشكل المطلوب.