بقلم : علي المطاعني
عندما نتحدث عن الإدارة الإعلامية والإخفاقات في إدارة المحتوى الإعلامي وكيفية التعاطي مع الرأي العام؛ فإننا لا نتحدث بدون علم، أو دخلاء على هذا المجال أو لسنا ذوي خبرة في كيفية تحديد نقاط القوة والضعف في المحتوى الإعلامي، وعندما ننتقد الممارسات الإعلامية في هذا الشأن فإننا نهدف إلى إصلاح الأخطاء التي تقع فيها الحكومة وجهاتها الواحدة تلو الأخرى، فتدخل البلاد والعباد من أزمة إلى أخرى، كان يمكن تفاديها ولو بشيء من الدراية والتخصص في العمل لا أكثر، واستيعاب المتغيرات بشكل علمي ممنهج يقوم على توظيف الخبرات والمختصين في العمل الإعلامي، وليس بإسناد العمل الإعلامي إلى هواة ليس لهم باع فيه إلا ركوب الموجة أو دخلاء على علم واسع وعميق وخطير جدا يبلور اتجاهات الأمم والشعوب؛ الأمر الذي يتطلب أن تعالج الأمور بعدم ترك إدارة المحتوى الإعلامي لدرجة قد يفقد فيها الناس الثقة بالحكومة بسبب هذه الجزئية البسيطة، ونصل لمرحلة أن الشارع لم يعد يصغي لما تنفذه الحكومة أو تصدره، بل وصلت لدرجة عدم الثقة بأن الجوانب الإيجابية تتحول إلى سلبية بسبب ضعف المحتوى، وعدم معرفة النقاط المضيئة التي يجب التركيز عليها وهيكل المحتوى في تحديد أيهما أهم؛ مما يؤدي إلى عدم فهم الرسالة الإعلامية لأي مستجدات برمتها.
فبلاشك أن إدارة المحتوى هي الفيصل اليوم في العمل الإعلامي ولا يجيده إلا من عرف تلابيب العمل الإعلامي ونهل من منابعه وتمرغ في مجالاته وعانى ما عانى من متاعب المهنة؛ فالكلمة مثل الرصاصة إذا خرجت سواء كانت مطبوعة أو مسموعة إما أن تصيب إذا كان الرامي ماهرا ومتأهلا، والعكس صحيح إذا كان الكاتب من الهواة الذين يستهويهم العمل الإعلامي، ووجدوا من يسلمهم زمام الأمور؛ وهنا مربط الفرس الذي فقدنا زمامه منذ سنوات في إدارة المحتوى الإعلامي في البيانات الإعلامية الحكومية والمؤتمرات الصحفية وغيرها مما له صلة بالعمل الإعلامي الذي بات الكل يركب موجته ويبحر في أمواجه المتلاطمة ليسقط طريح الفراش يطلب النجدة من أعدائه.
ولعل آخر الأمثلة إعادة هيكلة تعرفة الكهرباء وما تضمنته من تمديد لفترة دفع الرسوم ودمج شركات الكهرباء، فالاستشارات الإعلامية في إدارة هذا الجانب كانت غائبة، والرأي الإعلامي الحصيف في كيفية إدارة المحتوى غير موجود، فإعادة التذكير برسوم الكهرباء ورفع الدعم في هذا الوقت بحد ذاته خطأ إعلامي فادح كان يجب ألا يذكر من أساسه؛ لأنه قد يثير موجة سلبية من الانتقادات وعدم الرضا وهو ما حصل، وكان الأجدر الاكتفاء بدمج شركات الكهرباء؛ الذي كان مطلب الشارع في الفترة الفائتة.
ثانيا، البيان الإعلامي لم يبدأ بالأفضل أو الإيجابي في إعادة هيكلة الرسوم والآثار الإيجابية، وإنما دخل في معادلات وخوارزميات لا يعرفها المختصون في الرياضيات فما بالكم بالإنسان العادي، فهذه المعادلات والحسابات ليس مكانها البيان الإعلامي، وإنما تعطي المتلقي ماذا سوف يستفيد في أقل الكلمات وأوضح العبارات.
الجانب الآخر في ضعف إدارة المحتوى، وكيفية التعاطي مع الرأي العام وإضاعة الجوانب الإيجابية وتسليط الضوء عليها بشكل يعزز من الثقة ويوضح الجهود الحكومية؛ هو إعلان وزارة المالية عن تسعير الخدمات الحكومية، فالإعلان عن اسم تسعيرة الخدمات الحكومية بحد ذاته خطأ كبير؛ لأن الموضوع أساسه تخفيض رسوم الخدمات وليس إعادة تسعير، فعلى الرغم من أن التخفيضات الكبيرة في الرسوم شملت 489 رسما حكوميا في قطاع البلديات والتراث والسياحة والتجارة والصناعة والترويج ووصلت نسبة التخفيض إلى 90 بالمائة وبعضها ألغي أساسا؛ إلا أن إخراج هذه التخفيضات جانبه الصواب، فمثل هذه الأخبار الإيجابية يجب أن تعلن من مسؤول في وزارة المالية في بيان صحفي يوضح حجم التخفيضات، وليس إطلاق حملة لدليل تسعير الخدمات الحكومية التي لا تفهم على حقيقتها. فهذا الجانب من الأجدر بوزارة المالية أن تستغله بشكل جيد من خلال إدارة المحتوى الإعلامي بشكل ممتاز.
ربما نتفق على أن الإعلان عن تخفيضات في الرسوم الحكومية أفضل من إصدار دليل تسعير الخدمات الحكومية، فحتى التسميات يجب مراعاتها في مخاطبة الرأي العام.
كما أن هذه التخفيضات لا تعلن في مؤتمر صحفي وإنما في بيان منفصل يسبق المؤتمر الصحفي لكي تهيئ الإعلاميين لما يمكن أن يسألوا عنه ومعرفة ماهية الرسوم ورد فعل الشارع عليها، فلا يمكن أن تعطي درسا للطلبة وفي نفس الوقت تجري اختبارا على نفس الدرس بأن يسألوا عن رسوم سمعوا بها لأول مرة؛ فهنا يظهر بأن الخبرة لا تتوفر في إدارة هذه الجوانب الإعلامية، وكيفية إظهار جوانب إيجابية ينتظرها الشارع ويرغبها المواطن والمستثمر بشكل أكبر، وهذه الممارسات طبعا تضيع الكثير بالقليل كما يقال؛ نتيجة لعدم المعرفة في التعاطي مع الرأي العام وكيفية صياغة المحتوى الإعلامي، والتركيز على نقاط القوة والإيجابية وعرضها بشكل متدرج يسهم في رسم صورة ذهنية إيجابية ويعكس ما تبذله الدولة من جهود.
بالطبع هناك من لا يكترث لما قد تسببه مثل هذه البيانات وآثارها السلبية على الرأي العام وغير معني بها؛ ولذلك تجد التراكمات تزداد يوما بعد الآخر، والاحتقانات تتضاعف نتيجة ضعف المحتوى، وعدم الدراية بصياغة البيانات الإعلامية وتقديم الاستشارات لأعلى المستويات.
بالطبع نتفهم دواعي البعض في التعاطي المنفرد وبعيدا عما يتطلبه العمل الإعلامي من دراية وخبرة؛ تضع الأمور في مواضعها الصحيحة، ويعيد صياغة الأمور بدون إثارة الرأي العام ولا تسقط الجوانب الإيجابية جهلا وعدم معرفة تدفع ضريبتها الحكومة.
نأمل أن نعي أهمية البيانات الإعلامية وإدارة المحتوى، والتي أصبحت من أهم مرتكزات العمل الإعلامي وأساسا لمخاطبة الرأي العام، لذا يجب الاعتناء بها وعدم تركها للهواة يلعبون بها وبمشاعر الناس حتى لا تنعكس سلبا على سمعة الدولة.