بقلم: علي بن راشد المطاعني
جاء قرار تحديد مواصفة قياسية عمانية ملزمة لدشداشة العمانية الذي أصدرته وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ليغلق الباب بشكل نهائي أمام محاولات العبث بالزي العماني الرسمي،الذي يعد أحد أهم المورثات الحضارية، التي تشكل جزءا مهما ومؤثرا من أصالة الهوية العمانية، فقد جاء القرار جامع مانع مثلما يقولون، ووضع الشروط القياسية التي تمنع خروج تقاليع جديدة ، بدعوة الموضة، تخرج الدشداشة العمانية التاريخية بأنواعها من وقارها المعهود، وهيبتها التي حافظت عليها على مدار قرون ممتدة في عمق التاريخ الموغل في القدم، فقد رأينا خلال العقد الفائت تعديلات طالت دشداشتنا، تحت زعم التجديد والتطوير، كادت أن تؤثر على الهوية الوطنية والزي الرسمي لدى الاجيال الجديدة، لذا وجب التحرك النهائي والشامل لحماية الأزياء العمانية من التشويه وللحفاظ على الهوية العمانية ومنع المساس بالملابس العمانية التقليدية أو إجراء أي تعديلات عليها تسيئ إلى الهوية العمانية، كما نص القرار. فالقرار الجديد لا يلزم أحد بملابس معينة، لكنه يتمسك بمعايير وأسس الدشداشة العمانية لمن أرد لبسها، ويرفض أي تعديل على تصاميم الدشداشة يفرغها من طابعها الفريد، وقد إعتمد القرار الجديد كافة أنواع الدشداشة العمانية في كافة ربوع الوطن، ليغلق الباب لمن يريدون تشوية هذا الارث الحضاري القديم، بزعم التجديد والحداثة، وتصميم أزياء بروح العصر، وأؤكد لهؤلاء بأن الدشداشة العمانية جزءا من الشخصية الوطنية، فهي ليست مجرد زي وطني نلتزم به داخل البلاد، لكنه جزء من التكوين العماني، فمن يرتديها في أي مكان في العالم تعرف هويته من أول وهلة، لذا فحمايتها وتحديد مواصفات لها جزء من حماية الهوية الوطنية في الداخل والخارج، فلا يجب أن نتخلى بدافع التطوير عن كينونة حضارية نمتلكها، وتعبر عن هويتنا الوطنية، وتعد أكثر مناسبة لبيئتنا العمانية حتى، والاجمل في القرار الأخير هو تحديد الأنواع وحصرها في الدشداشة الشائعة الاستخدام (الزي العماني الرسمي)، والدشداشة غير المطرزة ودشداشة أبو شق والدشداشة البدوية والدشداشة المطرزة.
الغريب أن هذه القرارات المهمة لاتزال تواجه عاصفة من النقد، تتحدث عن عدم أهمية تلك القرارات في الوقت الحالي، وتصف الجهات المسؤولة بتجاهل الاولويات، وسنجد أن من يرفعون تلك النغمة هم من تعالت أصواتهم للانتقاد ايضا، لما استفحلت الخروجات عن الزي العماني، وظهرت تقاليع جديدة، وقتها صوب هؤلاء أسهم النقد مطالبين بقرارت تحمي الزي العماني المتمثل في الدشداشة العريقة، ولا أرى ذلك غير انفصام في الشخصية، وإدمان للمعارضة بهدف الظهور، من باب القول أنا اعترض إذا أنا موجود، فلن يرضيهم بلح الشام ولا عنب اليمن، صحيح أن النقد ظاهرة صحية تجلي مثل تلك القرارات من عوار قد يصيبها، لكن أحيانا يجب علينا دعم مثل هذه القرارات، التي تشكل أحد خطوط الدفاع المهمة عن الهوية الوطنية، وواجبنا جميعا كمواطنين ينتمون لهذا الوطن الزود عن هويته كما نزود عن مقدراته الاخرى، أما تشدق البعض بالاولويات، فأراه سفسططة فارغة، وحب ظهور ليس وقته الان، بل علينا نقد التقصير، والاشادة والتقدير لما يتم إنجازه.
ومن هذا المنطلق فإننا ندعو الآباء والامهات بأن يكونوا هم أول داعم لمثل هذه القرارات، وأن يرسخون لدى الابناء أهمية حماية الموروث الثقافي المتمثل في الدشداشة العمانية بشتى أنواعها في كافة ربوع الوطن، والعمل مع هذا القرار الذي يحفظ الهوية الوطنية في الزي الوطني، وعدم السماح بإرتداء الابناء ما ينافي العادات والتقاليد العمانية، والحرص على تأصيل هذا الزي العريق في نفوسهم، فثقافة المجتمع تبدأ من الاسرة، وعلينا جميعا الاسهام بما نستطيع في تحقيق تلكا لضوابط التي تهدف إلى حماية جزء من موروثاتنا، والاعتزاز بالهوية الوطنية. ولعل أفضل ما في هذا القرار هو فرض غرامة إدارية على المخالفين لا تتجاوز (1000) ألف ريال عماني ، وتضاعف الغرامة في حال تكرار المخالفة، مما يشكل رادعا لمن تسول له نفسه العبث بالزي العماني الرسمي، مما يساعد على حماية الأزياء العمانية من التشويه من أجل الحفاظ عليها كإحدى مفردات الهوية العمانية وحمايتها من المدخلات التي قد تخل بهذه الهوية، وهي الهوية التي نزود عنها بكل غالي ونفيس، فغرس الانتماء يبدأ من الاعتزاز بالهوية في كافة أشكالها وصنوفها، والتفريط في الزي هو بداية ليس الا.