بقلم : محمد بن علي البلوشي
الذي تمتد يده وتطول بخفة إلى المال العام بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وبطريقة ناعمة أو خشنة يمكن أن نصفه بالفاسد فهو في حكم القانون وفي وصف الناس إن ثبت عليه هو الحرامي واللص والسارق والمرتشي والمختلس والمحتال والمسهل للاستيلاء على المال العام تلك أوصاف كلها تنسحب على الفاسد والمفسدين..وتؤدي إلى نفس المعنى..تمتد يده إلى المال العام الذي من واجبات الدولة أن تحافظ عليه لأنها تمثل المجتمع وعلى الموظفين العموميين ضمان النزاهة والأمانة لسلامة المال العام..المال العام ليس في الأدراج لسرقته ومن ثم أخذ ما يريد الفاسد منه وإعادة إغلاق الخزنة فقط فقد تطورت الطرق لسرقة المال العام كما يعلم الجميع..آخر جريمة علمها الناس وحكم القضاء فيها حكمه هي جريمة اختلاس أموال التربية..تلك كانت جريمة كبيرة هزت المجتمع لعظم الأموال التي تم الاستيلاء عليها..فصدر الحكم في الجريمة وأدين المتهمون بعد أن كشفتهم الجهات الرقابية وقدمتهم إلى العدالة.. ذكر معالي وزير النقل أمام مجلس الشورى أن الوزارة فتحت ملفات قديمة للأوامر التغييرية وهي الآن في الادعاء العام.. لطالما أنهكت الأوامر التغييرية الميزانية من كثرة التغييرات والإضافات بالمشاريع..قد تكون تلك التغييرات طارئة ومحقة وقد يشوب بعضها شبهة تسهيلات لمصالح متبادلة. لم يذكر لنا معالي الوزير ماهي القضايا والملفات التي فتحتها الوزارة. لكن المؤكد أن الوزارة رصدت بها شبهات كبيرة وبخاصة أن الأوامر التغييرية بملايين الريالات فمن هم أطراف هذه الأوامر..تعرفهم الوزارة وسيعرفهم الادعاء العام وليس شرطاً أن يعرفهم المجتمع..الأهم أن يعلموا أن الدولة حريصة على عدم إفلات أي شخص سيء أو فاسد من العقاب..وقبل شهور مضت قال سعادة المدعي العام إنه ليس مع التشهير وربط ذلك بسلسلة العلاقات التي تربط المجتمع. في العادة لا تؤخذ الأسر وأبناؤها بجريرة الآباء فذلك أمر ممقوت..الإجابة لاذنب لهم لتلطيخ سمعتهم بسبب آبائهم الفاسدين أو المرتشين أو حتى امهاتهم إن ملكن السلطة والنفوذ.
يقولون عمان كلها دروب ..أي طريق تسلكه سيصلك إلى وجهتك وضالتك..وعدد سكان البلاد مليونان بمجرد أن تعرف قبيلة المقبوض عليه ستعرف مكانه وقريته وولايته وأصدقاءه ليصبح حديث الناس والألسن فيمتد ذلك إلى أبنائه..هل يريد الناس العدالة أم إشباع الفضول لمعرفة الجناة والانقضاض عليهم بالتشهير.. هنا يدفع الفضول الناس لمعرفة الاشخاص أكثر من رغبتهم بتطبيق القانون.مثل الفضول في الطريق عند وقوع حادث مروري بسيط أو كبير فيتوقف الناس لمعرفة ماحدث فيسببون الازدحام ..فيطالب المجتمع بالتشهير بالفاسدين كأحد الحلول ليكونوا عبرة لغيرهم..لكن ذلك لن يوقف الجرائم المالية والفساد.بل توقفه القوانين وصرامة الدولة عبر أجهزتها الرقابية بعدم التساهل امام هذه الآفة الخطيرة.
الحد من هذه الجرائم وإعادة طمأنة الناس ليس بالتشهير.. هذه ليست وسيلة مثالية للردع في بعض المجتمعات ومنها هذا المجتمع الصغير. لكن الدولة مطالبة بالتأكيد أن تفتح الملفات وتقدم المفسدين إلى العدالة. ليس مطلوباً أن تفتح قاعة المحكمة أمام الجميع أو ليسمح القاضي بذلك بل بصدور الأحكام ونشرها..ذلك يطمئن الرأي العام أن الدولة حريصة على معاقبة المفسدين وأنها لن تدعهم يفلتون من العدالة وأن الصغير والكبير مهما كان جرمه أمام العدالة متساوون..أليس هذا شيئاً جيداً؟ فقط ينبغي الحرص على دعم قلق الناس على المال العام بالأحكام القضائية الصادرة وضمان وصولها للمجتمع فهذا في حده يطمئن الناس ويلجم ألسنتهم..في الماضي درجت الدولة على التعامل مع هذه القضايا بالكتمان على طريقة أقضوا حوائجكم بالكتمان فربما كانت ترى أن إطلاع الناس على هذه القضايا يهز صورتها ويطبع في ذهنهم ضعفها وعدم قدرتها على صد الجرائم وبخاصة حينما ستكثر من إطلاع المجتمع عليها والأطراف المتهمين..لكن الظروف متغيرة. فقط طمئنوا الناس بأنكم استعدتم مليون ريال أو خمسين بيسة أو أنكم قبضتم عليهم وصدرت سنوات سجن عليهم. العقاب مطلوب والأحكام مطلوبة لطمأنة الناس..ليس المطلوب التشهير بل إشاعة الأحكام.