بقلم : علي المطاعني
أثار تعميم وزارة الإعلام إلى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بالتنسيق مع مجلس الشورى، عند استضافة أي من أعضاء المجلس جدلا واسعا في الأوساط المحلية، وزاد اللغط بيان مجلس الشورى ذاته، حيث جاء مبهما غير واضح المعالم، ويزداد اللغط كونها سابقة هي الأولى من نوعها في المجالس المنتخبة، لم نسمع أو نرى أن يستأذن العضو المنتخب قبل حديثه من دوائر الإعلام، الامر الذي يثير الكثير من الدهشة، فهذا التعاطي غير الملائم يأتي في هذا الوقت الذي تفتح فيه كافة القنوات أمام الجميع للإدلاء بالآراء المختلفة حول شؤون الوطن، ومن بينها بالتأكيد مجلس الشورى، وتيسير كل السبل أمام الكل لكي يدلي بدلوه في الشأن العام بدون اي تدخلات تعيق ابداء الرأي في مسائل جوهرية تهم المجتمع.
ويبقى من أجل الشفافية أن نشير إلى أن اللوم حول خروج هذا التعميم وتطبيقه لا يجب أن يلقى على عاتق وزارة الاعلام وحدها، فهناك لوم أكبر على المجلس ذاته الذي وضع في لائحته الداخلية شروطا مجحفة، تقيد أعضاءه في التعبير عن أرائهم، فكيف لمجلس منتخب على أسس ديمقراطية، أن يضع مثل تلك المواد المسيئة للعملية الانتخابية برمتها، والتي تضع علامات استفهام عدة حول تكميم أفواه ممثلي الشعب في المجالس النيابية، في وقت تم فيه إعداد رؤية عمان 2040 بمشاركة شعبية واضحة للعيان، لا التباس فيها، فكيف ندعو الشعب للمشاركة ونقيد قدراته في التعبير عن مشاكله وأزماته والتحديات التي يواجهها.
إن المجلس يجب أن يترفع عن ممارسة ادارة القبضة الحديدية على الأعضاء التي تتعدد اساليبها وممارساتها بشكل لا يتوافق مع مكانة المجلس واعضائه المنتخبين، فالاستحقاقات المقبلة لا تستوجب هذا التعاطي المنفرد لتوجيه دفة المجلس خلافا لنظامه، وأطره واجراءاته، ولعل تعميم وزارة الإعلام حول استضافة أعضاء مجلس الشورى في وسائل الإعلام جاء من تحت وسادة إدارة المجلس، فحتى الجهات الحكومية لا تطلب من مسؤوليها الاستئذان للحديث لوسائل الإعلام وهو ما يدلل على أن التعميم مصدره طلب من المجلس ليس غيره. ومن منطلق حدث العاقل بما يعقل، واضح جدا أن التعميم الصادر من وزارة الإعلام جاء بناء على تنسيق وطلب من المجلس يدعو وسائل الإعلام بالتزام بالسياسة الإعلامية والتي ذكرها بيان المجلس والا كيف للتعميم الصادر من وزارة الإعلام أن يصدر ببيانات وأرقام التواصل لمسؤولين في المجلس الحالي، دون أن تكون تلك الارقام قد أرسلت للوزارة من قبل المجلس بالنفس!!!
كذلك كيف لبيان المجلس الحديث عن أن قرار تنظيم الظهور الأعلامي لأصحاب السعادة نهج داخلي!!!، وهو قرار ينظم العلاقة بين طرفين أحدهما فقط تحت مظلة المجلس، وهم الأعضاء؟؟!!، والثاني وسائل الإعلام التي لا تقع تحت اشراف المجلس وإنما تحت اشراف وزارة الإعلام، والتي قامت بدورها والتعميم على المؤسسات الإعلامية وطالبتها بضرورة الالتزام بالسياسة الإعلامية التي أقرها المجلس لتنظيم العمل الإعلامي.
فلا نعتقد أن الوزارة سوف تصدر بيانات أو تعاميم من تلقاء نفسها بمعزل عن طلب من مجلس الشورى، كرد فعل على ظهور أعضائه في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، هو ما يعكس ربما الحساسية المفرطة التي تنتاب إدارة المجلس تجاه أعضائه ويظهر اتساع الفجوة بينهما، التي أدت إلى الاستعانة بجهات تنفيذية لتحجيم اعضائه بمثل هذه التعاميم والإجراءات التي لا تعبر عن مكانة المجلس ودوره كمجلس تشريعي ونيابي يجب أن يحمي الحريات الإعلامية في المجتمع وليس فقط في المجلس حيث يجب أن يكون ذلك جزء من دوره.
ومثل هذه التعاميم في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد والإعلام غير ملائمة جملة وتفصيلا، ولن تخدم الأهداف المرغوبة من ورائها، اذا كانت هناك أهداف من وراء هذا الاجراء، الذي يكشف عدم وضوح الصورة حول كيفية التعاطي مع الرأي العام في شؤون الوطن، ويؤدي إلى تضيق التنفيس المجتمعي، خاصة في ظل توافر منصات أخرى للتعبير عن الرأي (الوسائط الاجتماعية) على اختلافها لايملك أحد السيطرة عليها، ما يفقد هذا التعميم الهدف المطلوب منه، ويؤدي إلى عدم تحقيق الغايات من إصداره، اللهم إلا عكس صورة مغايرة عن الواقع، تتمثل في التضيق على ابداء الرأي، والتدخل في توجيه وسائل الإعلام وعدم إتاحة الحريات في البلاد، وكل ذلك وغيره له ضريبته على مستويات أخرى، ويسهم في تدني الصورة الذهنية لسلطنة عمان في المجتمع الدولي، وتشويه خطوات الانفتاح التي تنتهجها الحكومة في المجالات الاقتصادية وماتهدف إليه رؤية عمان 2040 من المزيد من الشفافية والحوكمة والنزاهة وغيرها من المحاور التي تقترن بمستويات الحريات التي يفترض أن تتاح في رؤية أو استراتيجية كهذه، فالانفتاح إذا لم يقترن بالحرية سيكون أعرج يمشي على رجل واحدة كأننا كمن يضحك على نفسه في هذا الجانب. بالطبع بيان مجلس الشورى أشار إلى أنه لا يتدخل في توجيه أعضائه من عدمه للحديث لوسائل الإعلام لكن واقع الحال يقول عكس ذلك والا كيف جاء تعميم وزارة الإعلام مقتصرا على مجلس الشورى دون غيره.
نأمل بأن لا نختلق ازمات إعلامية تضيق على الحريات العامة ومنها حرية التعبير عبر هذه الإجراءات في هذا الوقت بالذات وكذلك أضعاف وسائل إعلامنا لهذه الدرجة التي لا تتيح لها أن تناقش في ظل عدم توفر الرأي الآخر عبر تحجيم أعضاء الشورى المنتخبين فهذه الممارسات لها خطورتها في التأثير على مركز السلطنة في المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة وغيرها ويوثر على التوجهات المستقبلية للدولة حتى الاقتصادية التي يتركز عليها الاهتمام.