بيان عاجل أمام مجلس الشورى حول التحقق من كفاءة الإنفاق المالي على التعليم

بلادنا الاثنين ٢٧/ديسمبر/٢٠٢١ ١١:١١ ص
بيان عاجل أمام مجلس الشورى حول التحقق من كفاءة الإنفاق المالي على التعليم

مسقط - الشبيبة

 ألقى سعادة مالك بن هلال اليحمدي عضو مجلس الشورى ممثل ولاية بوشر اليوم بيانًا عاجلا أمام المجلس خلال الجلسة الاعتيادية الخامسة لدور الانعقاد السنوي الثالث من الفترة التاسعة للمجلس، وجاء البيان حول التحقق من كفاءة الإنفاق المالي على التعليم المدرسي وإصلاح التعليم.

وجاء نص البيان كالآتي:

أصحاب السعادة

"تولى جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- مقاليد الحكم فــي البلاد عام 1970 وكان التعليم بكافة مراحله على رأس اهتماماته منذ البداية؛ حيث تم تأكيد أن التعليم هو حق للجميع.

وسعيا إلى تحقيق ذلك فقد مر التعليم فــي السلطنة بمراحل مختلفـة واكب فيها مستجدات التطوير ومتطلباته، وشهد تحولات كبيرة خلال الخمسين سنة الماضية، فمن 16 مدرسة يعمـل بها 196معلما ومعلمة ويــدرس بهــا حوالي 7 آلاف طالب وطالبة في عام 1970 إلى 1163 مدرسة يعمل بها 56899 معلما ومعلمة ويدرس بها حوالي 637 ألف طالب وطالبة في العام الدراسي 2019 /2020. وبالإضافة إلى ذلك، هناك الطلبة الدارسون في المدارس الأخرى مثل مدارس التربية الخاصة والمدارس الخاصة والدولية، حيث وصل عدد الطلبة الإجمالي في السلطنة إلى حوالي 844 ألفا يدرسون في 2046 مدرسة حكومية وخاصة ليشكل هذا العدد من الطلبة حوالي 18% من إجمالي عدد السكان فــي الســلطنة.

ولقد رافق ذلك النموَ الكميَ الكبير اهتمام كبير كذلك بجودة التعليم وتطويره نوعيا حسبما كانت تقتضيه ظروف كل مرحلة وإمكاناتها.

أصحاب السعادة

رغم تحقيق كل تلك الإنجازات المشار إليها وغيرها مما يصعب حصره هنا ورغم الجهود المبذولة من قبل القائمين على العملية التعليمية؛ إلا أنه في السنوات الأخيرة وللأسف الشديد بدأنا نلاحظ تراجعًا في أداء قطاع التعليم على الصعيدين الكمي والنوعي بما لا يتواءم مع التطور الحاصل في العالم؛ وسأسرد هنا أمثلة على ذلك مما هو معلوم لدى الجميع:

١- التراجع في نسب تعمين مهنة المعلم.

٢- ارتفاع الكثافة الطلابية في كثير من المدارس الحكومية، تكتظ فيها الفصول الدراسية بالطلاب، حيث يصل عدد الطلاب في بعض الفصول إلى (40) طالب.

٣- زيادة مضطردة في عدد المدارس المسائية؛ ومعلوم أن التعليم المسائي هو من أسوءِ أنماط التعليم التي تقدم للطلاب وخاصة في البلدان الحارة مثل السلطنة.

٤- تكرار تأخر توفير الكتب الدراسية.

٥- جاءت جائحة كورونا لتكشف عن ضعفنا في التعليم الالكتروني؛ فلا بنية تحتية ولا شبكات اتصالات ولا محتوى إلكتروني ولا تجهيزات ولا منصات فاعلة، مما أدى إلى عدم وجود تعليم حقيقي خلال عامين دراسيين.

٦- لاتزال طرائق التعلم المتبعة في مدارسنا تقليدية تعتمد على التلقين والحفظ والحشو النظري لا تركز على التفكير الناقد والإبداعي القائم على حل المشكلات، ولا تحفز على إبراز المواهب أو التشجيع على الإبداع والريادة والابتكار؛ مما يعني استمرار ضعف المخرجات غير القادرة على مواجهة احتياجات سوق العمل، وغير المؤهلة لقيادة المستقبل والمساهمة بفعالية في مسيرة التنمية والإيفاء بمتطلبات رؤية عُمان ٢٠٤٠

٧- نظامنا التعليمي ومناهجه وأدوات تقييمه تتعامل جميعها مع الطلبة على أنهم شريحة واحدة ومستوى واحد دون مراعاة للفروق الفردية ولا صعوبات التعلم ولا يتوافق مع الذكاءات المتعددة ولا يلبي طموح الطلاب الموهوبين.

٨- التأخر في تطبيق التعليم التقني والمهني وعدم إيجاد مسارات لهما ضمن مراحل السلم التعليمي في مرحلة التعليم ما بعد الأساسي؛ مما يجعل مخرجاتنا التعليمية غير موائمة لمتطلبات سوق العمل العُماني والعالمي من حيث توفر العمالة الماهرة وشبه الماهرة.

٩- عدم اعتماد التعليم ما قبل المدرسة ضمن سلم ومراحل التعليم في السلطنة إلا في المدارس الخاصة ولا يتعدى كونه محاولات متواضعة في بعض المدارس الحكومية على شكل ما يسمى بصفوف التهيئة.

١٠- تراجع ترتيب السلطنة في تقرير التنافسية العالمية في السنوات الأخيرة بشكل كبير بسبب تراجع مؤشرات أداء المحاور المشمولة في التقرير وأبرزها محور التعليم؛ فقد كشف التقرير في إصداره لعام ٢٠١٦/ ٢٠١٧ عن تراجع السلطنة في تقرير التنافسية العالمية إلى المرتبة 66، متراجعة مرتبتين عن عام 2015، و 20 مرتبة عن عام 2014م، بعد أن كانت تحتل المرتبة 46 في عام 2014م، وفي إصدار نفس التقرير لعاميّ (2018 و 2019) تراجعت السلطنة إلى المرتبة (73)؛ وأما في مستوى جودة التعليم فقد احتلت السلطنة في عام ٢٠١٩ المرتبة ١٠٧ عالميا؛ وعلاوة على ذلك فإن نتائج طلابنا في الاختبارات الدولية لمواد العلوم والرياضيات واللغات تظهر أن التحصيل العلمي لدى طلابنا لا يزال دون الحدود الدنيا المقبولة.

١١- مستوى الدعم للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة الدارسين في مدارس التربية الخاصة مثل مدرسة الأمل للصم ومدرسة التربية الفكرية دون المستوى المطلوب.

١٢- وعلى مستوى الممارسات التعليمية اليومية هناك العديد من الإشكاليات التي كانت ولازالت موجودة ومنها: مشكلة نقل الطلاب وتكدسهم في الحافلات بأعداد تفوق طاقتها الاستيعابية مع رداءة وقدم كثير من تلك الحافلات؛ وكذلك مشكلة الحقيبة المدرسية وأوزانها الكبيرة نتيجة امتلائها بالكتب العديدة والدفاتر الكثيرة التي لا تزال تنوء بحملها أجسام الطلاب الضعيفة وخاصة في الحلقتين الأولى والثانية؛ وارتفاع أنصبة المعلمين من الحصص ودسامة المناهج، وغيرها من الإشكاليات التي لم يتم إيجاد الحلول الجذرية لها.

أصحاب السعادة

عندما تطرح مثل هذه القضايا والإشكاليات يدافع المسؤولون بأن السبب الرئيسي هو الأزمة الاقتصادية وتقليص الاعتمادات والموازنات المالية وتدني الإنفاق الحكومي على التعليم؛ ومع تفهمنا لتداعيات الأزمة المالية على جميع القطاعات إلا أنه وبنظرة فاحصة في مستوى الإنفاق الحكومي على التعليم في السلطنة ومقارنته بالإنفاق على التعليم في كثير من الدول التي تحتل مراتب متقدمة في جودة التعليم نجد أن إنفاقنا على التعليم ليس متدنيا على الإطلاق وإنما هو متقارب إلى حد كبير مع إنفاق تلك الدول؛ بل يزيد في بعض الأحيان عن إنفاق دول أخرى أكثر تقدما في المستوى التعليمي؛ كما أن الموازنات المعتمدة للتعليم في السلطنة لم تتأثر كثيرا جراء تقليص الموازنات الحكومية في السنوات الأخيرة؛ ولتأكيد ذلك دعونا نتكلم بلغة الأرقام المقتبسة من وثائق مشاريع الميزانيات الحكومية للسنوات العشر الماضية حيث شهد الإنفاق الحكومي ارتفاعا تصاعديا في موازنة وزارة التربية والتعليم خلال العشر سنوات الماضية، فمجمل ماتم صرفه على الوزارة من عام 2011 إلى عام 2021 يبلغ نحو 12 مليار و ١٠٠ مليون ريال عُماني؛ وبعد أن كانت ميزانية وزارة التربية والتعليم في عام 2011م نحو ٧١٠ مليون ريال أصبحت نحو مليار و ٢٠٠ مليون ريال في عام ٢٠٢١.

ولقد اطلعنا على مجموعة من التقارير الدولية والبحوث المحلية التي تؤكد ذلك؛ فعلى سبيل المثال تظهر بيانات البنك الدولي أن الإنفاق على التعليم كنسبة من الإنفاق الحكومي ومن الناتج المحلي في السلطنة يعادل إنفاق كوريا الجنوبية ويقترب إلى حد كبير من إنفاق فنلندا وهما من الدول التي تحتل الصدارة في جودة التعليم؛ وتشير البيانات كذلك إلى أن السلطنة في عام ٢٠١٩م أتت في المركز العاشر عالميا في مؤشر الإنفاق على التعليم المدرسي يقابله المركز ١٠٧ في مستوى السلطنة في جودة التعليم.

ليس هذا فحسب بل تشير بعض التقارير إلى أننا في السلطنة نقع في مرتبة متأخرة عن عدد من الدول التي يقل إنفاقها على التعليم وتشهد أوضاعا سياسية واقتصادية غير مستقرة.

أصحاب السعادة

إن التعليم بمناهجه وموارده البشرية وبناه التحتية وكافة مكونات منظومته الشاملة يشكل أساس التنمية البشرية في أي دولة من دول العالم؛ وقد أكد جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله حرصه على الاهتمام بالتعليم في خطابه بتاريخ ٢٢ فيراير ٢٠٢٠ قائلا: "وإن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية، وسنمده بكافة أسباب التمكين باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة"

كما أنه ووفقا لاستراتيجية عمان 2040 فإنه يفترض أن تقوم الحكومة بإجراء تقييم لنظام التعليم بأكمله مع التركيز على مزيد من التطوير، من أجل العمل على إعداد خارطة طريق لتوجيه نظام التعليم نحو تخريج خريجين مهرة منتجين وقابلين للتكيف ومستعدين للتنافس على الوظائف.

من هذا المنطلق وفي ضوء ما سردته في هذا البيان من إخفاقات وتراجعات يعاني منها قطاع التعليم المدرسي فإن الأمر يتطلب سرعة العمل على تشخيص الواقع بهدف معالجة القصور الحاصل؛ ومن هنا فإنني أدعو الحكومة بأجهزتها المختصة إلى تحمل المسؤولية والتدخل فورًا من خلال ما يلي:

أولاً: اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتحقق من كفاءة الإنفاق المالي على قطاع التعليم وذلك من قبل الوحدات الحكومية المختصة مثل: وزارة الاقتصاد، وزارة المالية، جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة.

ثانياً: العمل على تبني خطة إنقاذ وطنية عملية وعاجلة تهدف إلى تطوير التعليم المدرسي وإصلاحه والنهوض به.

وفي الختام فإنني أتوجه بالدعاء إلى الله العلي القدير أن يحفظ عمان وقيادتها وشعبها وأن يوفق جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه إلى كل ما فيه خير عمان".

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.