بقلم : علي المطاعني
يلعب القطاع المصرفي دورا محوريا في العديد من الجوانب الاقتصادية الاجتماعية في البلاد، وله إسهاماته على العديد من الأصعدة والمستويات؛ فسلامة النظام المالي لأي دولة، مرده هو رسوخ النظام المصرفي فيها، واستدامته واستمراريته بالتعافي وتطبيقه للأنظمة والقوانين والإجراءات المصرفية المتبعة، بل إن سلامة هذا القطاع هو ضمان لأمان اقتصادنا ونظامنا الاجتماعي، فالحرص عليه مسؤولية الجميع أفرادا ومؤسسات على اختلافها، وانطلاقا من مسؤولية كل واحد منها وفقا لاختصاصه، فلا يحمل هذا القطاع الحيوي والهام مسؤوليات غيره في إدارة محفظته المالية، ولا يجب أن نحمله سلوكنا المصرفي غير الرشيد، وعلينا إدراك أن هذا القطاع الحيوي له بعد استثماري خاضع للربح والخسارة، وهناك مساهمون ينتظرون نهاية كل عام عائدا على استثماراتهم، بالإضافة إلى أن معظم البنوك الوطنية عبارة عن شركات مساهمة عامة لها أسهم تتداول في السوق، ويتأثر سعر السهم إيجابا وسلبا وفق ما تحققه من أرباح وعوائد، فحساسية هذا القطاع كبيرة؛ فهو قطاع يتأثر بكل الأمور ذات العلاقة به، فعلينا أن نتحلى باليقظة عند التعامل معه كقطاع ما زال شامخا بفضل الاهتمام والرعاية التي يحظى بها من المقام السامي وعبر مجلس المحافظين والبنك المركزي الذي يعمل كصمام أمان لهذا القطاع رغم كل التحديات.. فبلاشك أن سلامة الاقتصاد مرتبطة ارتباطا دقيقا بسلامة النظام المصرفي وقدرته على التكيف مع التحديات والمتغيرات، وهو ما يثبته بكفاءة عالية هذا القطاع؛ والدليل على ذلك تزايد معدلات الأرباح ومتانة القطاع، بالإضافة للدور الكبير الذي أنجزه القطاع خلال الأزمات الاقتصادية العالمية الأخيرة، فقد كان له دور شديد الفعالية في المحافظة على الاستقرار الاقتصادي للدولة، وكانت أمواله خير معين للقطاعين الحكومي والخاص في التصدي الفعال للهزات التي تعرضت لها الأسواق مؤخرا؛ فتوفير السيولة كان بمثابة قبلة حياة لاقتصادنا الوطني، عبر تمويل بناء وميسر؛ كان بالتأكيد له دور كبير في التصدي للمخاطر الاقتصادية التي خلفتها الأوضاع الاقتصادية العالمية، بالإضافة إلى ما قام به من تيسيرات اجتماعية واقتصادية أثناء تداعيات جائحة كورونا..لذا وجب علينا ألا نلقي باللوم على القطاع وتحميله أخطاءنا في ضعف الادخار بأقل المعدلات المطلوبة، وعدم ترشيد النفقات ذاتيا. فبدلا من مواجهة الذات وقراءة المشهد الاقتصادي بعناية نجد البعض ينظر لسفاسف الأمور، ويتجه نحو تأجيج الرأي العام حول خصم نصف ريال، على الرغم من أن هذا الإجراء معروف إقليميا وعالميا، فإذا قل الحساب عن مستوى معين تخصم منه رسوم محددة، وهذا الإجراء ليس بجديد وإنما موجود من بدايات العهد المصرفي، ولاريب في ذلك، فهو نظام مصرفي عالمي موجود في كل الدول، معمول به كنوع من دفع المدخرين على إبقاء جزء من مدخراتهم وتنميتها، والحرص والتوازن في الاستهلاك الفردي، بل هو تنبيه للمستهلك بألا يقل حسابه عن مستوى معين للادخار، لما سيكون له من مردود واسع على الفرد أو المجتمع، والعمل على غرس هذه السلوكيات الطيبة في نفوس المواطنين وتنمية ثقافة الادخار لديهم، وهذا لا يتأتى إلا بوضع ضوابط معينة تحفز المستهلك في الأساس، وتجعله أكثر قدرة على اتخاذ قراره الاستهلاكي وتساعده على تنمية مدخراته لليوم الأسود لا سمح الله.
فهذه الرسوم البسيطة التي نستطيع التغلب عليها بالحفاظ على حد الادخار الذي يعفينا منها يجب ألا تنسينا الدور الكبير والحيوي الذي يلعبه القطاع المصرفي العماني اجتماعيا، ويجب ألا نتغافل عما يقوم به هذا القطاع وما يتصدى له من مسؤوليات اجتماعية على صعيد الفرد والمجتمع من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية وخدمة المجتمع، ومن خلال مراعاة الفئات المتضررة بالأنواء المناخية التي تشهدها السلطنة بين حين وآخر، كما يجب ألا نغفل عما قام به بدافع من التوجيهات السامية طوال جائحة كورونا، سواء للأفراد أو للمؤسسات الاقتصادية الخاصة، حيث قام بواجبه الوطني على أكمل وجه.
في المقابل يجب أن نفهم بأن لكل فرد منا مسؤوليات تجاه نفسه، وعليه أن يراجع سلوكياته المالية بعناية، وعليه دائما تقييمها كذلك، كنوع من الرقابة على النفس، قبل الآخرين، وعليه أيضا إدراك التزاماته أولا تجاه البنوك، وكيفية إدارة العلاقة المتبادلة معها وفق القوانين المصرفية الراسخة، فالعلاقة بين الفرد والبنك علاقة تبادلية يجب أن يشملها التواصل بين البنك وعملائه؛ فالفرد عليه بين الحين والآخر أن يراجع البنك، ويستفسر عن التزاماته وحقوقه، وأن يتابع بدقة حقوق البنك، فكما قلنا أن للبنوك أدوارا متعددة، منها الاجتماعي والاقتصادي، لكن لا يجب أن ينسينا ذلك دوره تجاه المودعين والمستثمرين، فهم أيضا أبناء المجتمع ويحتاجون لمن يدير لهم محافظهم الادخارية، التي لها منافع اقتصادية واجتماعية كبيرة على الوطن والمواطن.