بقلم : علي المطاعني
ظهور معالي وزير الصحة في مؤتمرات صحفية يثير الكثير من الفضول والترقب من الأوساط المحلية حول ما سيعلنه من إجراءات احترازية للحد من تأثيرات فيروس كورونا والمتحورات العالمية، ولما يتميز به من صراحة ومكاشفة أصبح الكثير مشدودًا لما ينصح به ويقوله، ويكاد البعض يحفظ ما يدلي به من تصريحات عن الأوضاع الصحية في البلاد وحالة القطاع الصحي الذي لم يتوانَ أن يقول عنه بملء فمه بأنه وصل في فترة من الفترات إلى حالة الانهيار، بل لا يتوجس من أحد في انتقاد الممارسات الخاطئة في المجتمع ويقولها بكل صراحة مقدمًا كلمة للأسف بأن البعض يمارس كذا وكذا في حين الأمر كذا، بل انتقد كل التيارات في المجتمع والشرائح حتى المصلين الذين بدأوا برص الصفوف مخالفين الإجراءات الاحترازية غير آبهين من ردود الأفعال، فالكل كان يترقب سماع وزير الصحة لما يفضي في المؤتمرات الصحية التي بلغت إلى 27 مؤتمرًا صحفيًا منذ بدء الجائحة، والكل أصبح يألف وجهه وفصاحة لسانه ونقده اللاذاع للعديد من الأخطاء المجتمعية في التعاطي مع الوباء العالمي، الأمر الذي يبعث على الاعتزاز لهذه الشخصية الذي يكابد الكثير من التحديات الصحية سواء في إدارة القطاع الصحي الكبير باعتباره ثاني أكبر قطاع بعد التربية والتعليم يستحوذ على اهتمام المجتمع، لكون الصحة تأتي في المرتبة الأولى في الاهتمام ولزيادة أعداد المستفيدين من خدماتها، أو كذلك لمعاناته في إدارة الأزمة الصحية لجائحة كورونا وحالات القلق التي تنتابه كمسؤول في الحكومة، يصارع بين فتح الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وما تمثله للمجتمع، وبين الحفاظ على السلامة الصحية للمجتمع، فكان بين نارين أحدهما مرٌّ كما يقال، ولكن يمسك العصا دائمًا من الوسط في إدارة الأزمة ويغالبه الوضع الصحي بالطبع لكونه طبيبًا قبل أن يكون وزيرًا ولديه من الدراية لماهية القطاع الصحي وتأثيرات انهياره - لا سمح الله - أكثر من غيره.
فوزير الصحة وتصريحاته النارية تتداول على نطاق واسع في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وأصبح البعض يخاف من ظهوره بما قد يحمله من مفاجآت غير سارّة لهم في المزيد من الإغلاق وتقيد الحريات المجتمعية الاجتماعية والحد من ممارسة الأنشطة الاقتصادية حفاظًا على الصحة العامة، إلا أن بعض قد لا يدرك جليًا ما يعرفه وزير الصحة عن الأوضاع أو - كما يقال - أهل مكة أدرى بشعابها، فهو يعرف جيدًا الأوضاع الصحية وما قد لا يصرح به للعلن مرات كثيرة، فهو كاتم أسرار الدولة الصحية ويخاف كمواطن على الوضع الصحي قبل أن يكون طبيبًا ووزيرًا، فالصدق في طرحه من قلبه يكاد يسابق ما يقوله لذا تجده مسترسلًا في الأحاديث بدون أي تأتأة أو أخطاء في البيانات والمعلومات رغم أهميتها الصحية وخطورة تأثيراتها إذا شابهها أي أخطاء، ولا يتوانَ في التدليل في كلامه وهو ما يعزز موقفه أمام الرأي العام بأنه يزاوج بين المعلومة الصحية التي اكتسبها منذ أن دخل كلية الطب وتمرس في العمل الصحي إلى أن أصبح وزيرًا للصحة في البلاد يقود تنفيذ السياسات الصحية بكفاءة، بين الوقائع التي يتفنن في سردها لدرجة تجعل الكثير يرددها كأنها حكم يقتدى بها في التعاطي مع الشأن العام والصحي على وجه الخصوص.
لذا كانت أحاديث وزير الصحة الصادقة تتدفق من قلب على البلاد والعباد أكثر من أنفسهم، تلقى رواجًا كبيرًا في كافة الأوساط لما تتميز به من أهمية وصراحة ومكاشفة في المجتمع تعود على المجاملات بأشكالها وأنواعها، لكن عندما تأتي إلى الصحة يقف عند حدودها لما يمثله عدم الامتثال لما يفضي به من كلام من مصداقية إلى الوقوع في كارثة.
ولعل الإجراءات التي اتخذتها اللجنة العليا كانت من تحت رأسه وفريقه الفني الصحي - كما يتردد في المجتمع، ويصارعون بالطبع بقية أعضاء اللجنة في الممكن وغير الممكن من واقع بيانات وشواهد صحية دقيقة تعززها الدراسات والأرقام التي لديه وفريقه عن الأوضاع الصحية، لذا تجد الكثيرين يصمتون أمامه أو خلفه عند تناول الأوضاع الصحية وتأثيراتها على الجوانب الاقتصادية. وعليه لا نجامل بأنه أي وزير الصحة الدي أصبح وجهه مألوفًا وكلامه معروف للجميع، كشخصية عامة استحوذت على اهتمام الكثيرين وتندر البعض الذين لا يبالون بما يقوله ويردده ويثير سخط البعض الآخر ممن يتأثرون بالإجراءات خاصة الأوساط التجارية والاقتصادية بشكل عام. فوزير الصحة-كعضو في اللجنة العليا- أدار أزمة صحية طاحنة وصلت إلى مستويات خطيرة نتيجة عدم الالتزام بالاحتياطات الصحية، لم يكل أو يمل من التذكير بالإجراءات الاحترازية الواجبة الاتباع ولايخاف ما قد تثيره من ردود أفعال ولايتوانَ في دحض الشائعات بالمعلومات الدقيقة سواء عن التطعيم أو عن الرسوم أو الإجراءات وما يتخذ وحتى العقوبات له دراية فيها يسلط الضوء على بعضها بين الحين والآخر لإرهاب المخالفين لإيمانه بمبدأ (من أمن العقوبة أساء الأدب).
وهكذا تجده على كل الموجات لديه من المعرفة ما يكفي للرد على أي سؤال مهما كانت صعوبته تارة وبعده عن الوضع الصحي تارة أخرى وسخافته مرات، فهو مستوعب كل التيارات والشرائح في المجتمع ويتحدث بكل اللغات واللهجات التي يفهمها الصغير والكبير الرجال والنساء ولا يتحرج في قول الحقيقة مهما بلغ الأمر والحرج فيه.
فدراسة إعلامية لما أفضى به وزير الصحة خلال الأزمة تفتح آفاقًا أمام دارسي الإعلام لنيل شهادات الماجستير والدكتوراه كنموذج حي في كيفية التعاطي مع الرأي العام الذي أصبح يتقبل نصائحه بكل ود واحترام لشخصية يتحدث بشكل علمي دقيق في كل معلومة يقولها ولا يتوانى في التصحيح لنفسه أمام الرأي العام والكاميرات والمذياع لأمر أخطأ فيه أو ذكره بشكل غير مفهوم من الناس وتداول ويتدارك كل ما قد يفهم خطأ إيمانًا منه بأن المعلومات الصحية لا تقبل القسمة على اثنين.
بالطبع وزير الصحة لحقه من التعليقات والتندر ما لحق غيره ويكاد أكثر شخصية وزارية عانت من سفاسف البعض إلا أنه يمتيز بالمناعة النفسية مثلما يتمتع جسمه بالمناعة الصحية باعتباره طبيبا يعرف ما يضره وينفعه أكثر من غيره.
نأمل أن يتقبل معالي الدكتور أحمد السعيدي هذه المقالة بصدر رحب في توصيفه ونعتذر مقدمًا عن أي أو توصيف لم تجانبنا فيه الدقة أو أغفلنا ميزة يتميز بها لم نذكرها، فالنسيان وارد من أي إنسان ولكن مهما تحدثنا عن هذه الشخصية من زوايا إعلامية كوزير للصحة فإننا لن نوفيها حقها في الحديث الواضح والصريح والدلائل الساطعة التي يتحفنا بها في كل مؤتمر وحديث بعيدًا عن المجاملات والدبلوماسية في الحديث، فالصحة لا تقبل الملاينات الدبلوماسية من أي مسؤول. وفي الاخير يسمح لنا تناول جانبًا من جوانبه الشخصية كاستقراء إعلامي مبسط لشخصية شغلت الرأي العام وانشغل هو بأوضاعهم الصحية أكثر من أنفسهم، فطوبى له كإنسان ومواطن وطبيب ووزير نذر نفسه للبلاد والعباد.