بقلم : محمد العارضي
أحرزت دول مجلس التعاون الخليجي تقدماً كبيراً في تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط بفضل استثمارها في مجموعة واسعة من القطاعات. وعلى مدار العقود الفائتة، خصصت حكومات المنطقة وشركات القطاع الخاص، مختلف الموارد لرقمنة الأنظمة وتعزيز الإنتاجية.
يمكننا القول إن بروز العديد من الشركات التكنولوجية الناشئة في المنطقة يُعزى إلى جهود الحكومات الرامية إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتوفر المواهب المحلية بكثرة، في حين أن الشركات العالمية المعروفة أسست بدورها موطئ قدم لها في دول المنطقة.
وعلاوة على ذلك، أحرزت الإمارات والسعودية إنجازات مهمة في إضافة تقنيات المدن الذكية إلى بناها الأساسية، وتقوم سلطنة عُمان بالأمر ذاته عبر مشروع مدينة العرفان الذكية.
لقد سارعــــــت مؤسسات القطاع الخاص في المنطقة إلى تبني أحدث التقنيات وأكثرها كفاءة خلال العقد الماضي، كما شهدنا تسارع هذه التوجهات عقب جائحة كوفيد-19. ونظراً إلى فترات الإغلاق وتقييد الحركة خارج المنازل، شهدت المؤسسات المصرفية والمالية في أنحاء المنطقة على سبيل المثال، ارتفاعاً كبيراً في استخدام التطبيقات الذكية. بالتالي، خضعت التطبيقات الحالية إلى تحديثات مستمرة لضمان توفير تجربة زبائن سلسة. كما تم إلقاء الضوء على تكيف القطاع المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي مع التغيرات الجذرية خلال دراسة أجرتها شركة «أفايا» التقنية العالمية الرائدة.
يتسم أحد التوجهات الواعدة في قطاع التكنولوجيا في المنطقة العربية بزيادة ملحوظة في عدد النساء اللواتي يسعين إلى الحصول على تعليم في اختصاص علوم الحاسوب مقارنة بمناطق أخرى حول العالم، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها جامعة نيويورك أبوظبي. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، تشكل النساء نسبة 15 إلى 20 بالمئة من عدد طلبة علوم الحاسوب، مقارنة بـ40 بالمئة في المنطقة العربية، في حين حققت دول مثل السعودية نسباً تتراوح بين 70 و80 بالمئة في تمثيل النساء ضمن مساقات تكنولوجيا المعلومات.
لقد أثبت وجود نسبة أعلى من النساء في بيئة العمل نجاحاً في تعزيز التعاون، وتحقيق الرضا الوظيفي لجميع أعضاء فرق العمل، وتحسين معدلات الحفاظ على الموظفين، وزيادة الأرباح على المدى البعيد. وتعد نسب التمثيل الأعلى للنساء في علوم الحاسوب والمجالات التقنية من أهم مكامن القوة في المنطقة العربية، لذا يجب التركيز على توفير بيئة تمكّن النساء من تسخير أقصى طاقاتهن.
ويتصف شباب المنطقة بقدرتهم الفائقة على استخدام الوسائل التكنولوجية، إذ بلغت نسبة استخدام جيل الألفية للهواتف المحمولة 100% وفقاً لدراسة نشرها موقع Think with Google في عام 2015.
وقد أدت القيود الناجمة عن جائحة كوفيد-19 إلى زيادة تكيف المهنيين والطلبة على حد سواء مع الأنظمة الرقمية والاضطلاع بمزيد من الأفكار المبتكرة والمتوافقة مع المتغيرات الحالية.
لا شك في أن الشباب الموهوبين والقادرين على التكيف يشكلون أهم عنصر في منطقتنا، لذا فإن المسؤولية تقع على عاتق القطاعين العام والخاص لكي يخصصوا الموارد المناسبة لتمكين تلك العقول الشابة.
كما أن قادة القطاع التكنولوجي في المنطقة، بما في ذلك الشركات العالمية العملاقة والشركات الناشئة، هم الذين سيحققون استفادة كبيرة من إشراك الشباب الذين يمتلكون أفكاراً لا حصر لها لتطوير تقنيات جديدة يمكنها أن تعزز قدرات المجتمع وتمكنه من الانتقال بسلاسة في خضم التغييرات السريعة.
ومما لا شك فيه أن القطاع التكنولوجي سيستفيد من تعزيز صوت الشباب والتركيز على خريجات برامج علوم الحاسوب بشكل خاص.
لقد شهد العامان الفائتان توجهاً متنامياً نحو تعزيز التعاون الدولي في ظل لجوء الشركات إلى نقل نسبة كبيرة من أعمالها إلى الإنترنت. لذا يجب على دول منطقتنا أن تتطلع إلى التعاون مع الآخرين وبناء العلاقات مع أهم اللاعبين في قطاع التكنولوجيا العالمي.
إننا لا ننكـــــر الانتكاسات التي تعرضت لها اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي خلال فترة الركود الناجمة عن الجائحة. لكن يجب علينا الآن أكثر من أي وقت آخر، أن نركز على تعزيز التزامنا بأهداف تنويع الاقتصاد.
لطالما كانت شعوبنا هي العنصر الأهم في إحداث التغير الإيجابي. وأنا واثق تماماً بأننا ومن خلال التخطيط السليم والاستخدام الأمثل للموارد سنمكن الشباب من تحقيق نجاحات جديدة وقيادة منطقتنا إلى العصر التالي من الحقبة الرقمية.