بقلم: علي المطاعني
من أهم استراتيجيات الإتصالات والإعلام لبناء سمعة بمستوى رفيع هو إعداد المحتوى الإعلامي لأي جهة أو منظمة وبنحو مقنع للرأي العام ويلامس احتياجات الناس ، فكلما كان المحتوى مركزا وذا مستوى عال في الجودة كلما كانت علاقة المؤسسات بجمهورها قوية وذات ثقة من خلال الرسائل التي يحملها المحتوى والعكس صحيح ، وهو ما لم تعيه الجهات الحكومية في إدارة المحتوى وخلطت بين إدارة المحتوى وإعداده بمستوى عال ، وبين الشات في حسابات التواصل الإجتماعية ، ولذلك وقعت في فخ المواجهة مع الرأي العام عبر إنتقالها من أزمة إلى أخرى بدون أن تستفيد من الدروس في كيفية إعداد المحتوى المتزن الذي يحترم الراي العام ، ولعل احتفال وزارة العمل بنشر أسماء من تم توظيفهم في القطاع الحكومي يعد أحد الأخطاء في إعداد المحتوي بذلك المستوى السطحي في مخاطبة الرأي العام ، والتي يمكن أن نصفها بالسابقة عالميا إذ لم نشهد هكذا وقائع في علوم الإعلام بعد ، بل أن هذه السابقة لم تتطرق لها النظريات الإعلامية قبلا ، ولا نعرف بالتالي من أين جاءوا بهذا الإجتهادات الخاطئة في التعاطي مع الرأي العام في السلطنة بنحو يفتقر لأدنى أبجديات إدارة الاتصالات وأخلاقيات العمل.
الأمر الذي يتطلب من الجهات الحكومية أن تعيد النظر في إعداد المحتوى الهادف لتوضيح دورها ومسؤولياتها واختصاصاتها أكثر من نشر صور الموظفين الجدد بشكل غير لائق ولايرقى أن يكون صادرا من جهة حكومية ،
واعتقد أن وزارة العمل لديها الكثير مما يجب أن تظهره وأن تقوم به غير هذا الذي جرى كأنها تأخذ حسنتها بسيئة كما يقال.
فالقوانين العُمانية تحظر نشر الصور الشخصية والتشهير بها بأنها توظفت ، كأن التوظيف بات جريمة ينشر معها صورة صاحبها للبحث عنه والعثورعليه.فالاعلام اليوم ليس شاشات أو ورقا أو بثا اثيريا أو شاتا في حسابات التواصل الإجتماعية إلى غير ذلك ، كما إنه ليس مقاطع صوتية أو فيديوهات ، بل هو محتوى في المقام الأول عبره تتم صياغة الخبر والتغريدة والتقرير الإذاعي والتلفزيوني ، ويتم بثه على كل قنوات الإعلام والتواصل الإجتماعي بناء لما ورد وماجاء به.
فكلما كان المحتوى ضعيفا ومبعثرا وركيكا ولا يحمل معاني دقيقة ولا يتضمن رسائل واضحة ويصعب معرفة المستهدفين منه ، عندها فإنه يكون قد سقط في فخ الإنتقادات والتعليقات اللاذعة والعكس أيضا صحح ، حتى الأحاديث الإذاعية والتلفزيونية تخضع لجدلية وحتمية إعداد المحتوى ، فيما يركز المسؤول على نقطة كيف يرد على وسائل الإعلام وماهي المحظورات من النشر وغيرها فهذه مسلمات تدخل في صلب المحتوى الإعلامي.
فاليوم وإذا سألنا لماذا تتقدم قنوات الـ (BBC) أو الـ (CNN) أو الجزيرة وغيرها فإن السر لايكمن في المذيعين أو حسن وبهاء المذيعات وإنما في المحتوى الذي تقدمه هذه أو تلك ، وفي ما يكتبه ويصيغة من يجلس خلف الشاشات ويتابع وكالات الأنباء بدقة وعلى مدار الساعة ويستشف التوجهات والأوضاع ويستنبط النتائج المتوقعة ثم يوجه المذيعين والمراسلين لتغطية هذا الحدث أو غيره ، فبدون وجود الموجة الذي يتولى إعداد البرامج والنشرات الإخبارية فإن هذه القنوات وغيرها ستكرر نفس الموضوعات ولن تظهر جديدا وستكون مملة وهكذا تسقط في أعين المتابعين لها.
إذن فإن إدارة الرأي العام وتوجيهه يعتمد على المحتوى الإعلامي الذي تصدره الجهات والشركات ومدى اتزانه وقوته وجودته وقدرته على عكس صورة ايجابية عن المؤسسات والوزارات وغيرها ، بل ومدى إقناعه للمتلقين من الفئات المستهدفة.
ثم أن صياغة المحتوى أو إعداده يمر بمراحل عديدة ويعمل به أكثر من شخص بمستويات متفاوتة من إختيار الفكرة إلى جمع البيانات إلى إعداد المسودة الأولية وإلى المراجعة ومن ثم الموافقة النهائية على المحتوى من بعد أن يتناغم إيجابا مع الأوضاع المحلية الداعمة والمؤيدة لنشره وبثه واذاعته.
اليوم وفي وسائل التواصل الإجتماعية والحسابات الخاصة بالجهات والشركات فإن الأمر يقتضي أن تولى صناعة المحتوى أهمية كبيرة جدا وبإعتبار أن التغريدات على سبيل المثال يجب أن تختصر المحتوى الضخم أو الكبير في أقل عدد من الكلمات تتضمن بنحو دقيق كل مايتطلب إيضاحه بالمحتوى الأصل وفي ذات الوقت الحفاظ على التوجهات المحددة قبلا مع أهمية ن تكون ذات عمق ينأي بها عن السطحية ، سيما وأنها تعبر عن مؤسسات معتبرة ومحترمة وليست عن أفرادا عاديين.
كما ينبغي على صناع المحتوى الإعلامي أيضا مراعاة مستويات المحتوى وتحديد الجهة المستهدفة ومن ثم صياغة المحتوى بما يتناسب مع تلك الجهات ، فهناك شرائح من المستهدفين يتطلب مخاطبتها بوسائل الإعلام الجماهيرية ، وهناك فئات بوسائل التواصل الإجتماعية الخ..
بالطبع هناك من يتجاهل أهمية وخطورة إعداد المحتوى ويهرول إلى الشات في الحسابات ويكتفي بتغريدات يبثها في حسابات الجهات والشركات ، وعبرة نظرة موضوعية لها نجدها لاتحمل معنى يمكن الركون إليه ، وأنها نشرت بصياغة ركيكة ، والنتيجة الحتمية نشؤ جدال حولها وإنطلاق غبار وعثار يغطي عنان السماء لجهة إنها لم تكن بالجودة المطلوبة ولم تخضع لمعايير وقواعد إعداد المحتوى الصحيحة ولا للمراجعات والتدقيق من كافة الجوانب.
فهذه الممارسات الخاطئة في هذا الشأن والتي تقع فيها الجهات والشركات في إدارة وإعداد المحتوى والتعاطي مع الرأي العام ، لا يتم التوقف عندها بل إنهم يسارعون لإلقاء اللوم على المجتمع والناس في حين إنهم هم من يستحق اللوم ، هذه الظاهرة نتج عنها إحجام الوزارات والمسؤولين والشركات عن التعاطي مع الرأي العام تلافيا للأخطاء وهروبا من جحيم الإنتقادات.
نأمل من الجهات المختصة أن تولى مسألة صناعة المحتوى أهمية كبيرة في المرحلة القادمة وأن تخضعه للمراجعة والتعامل معه باعتباره هو الأساس في مخاطبة الراي العام فالأساس في العمل الإعلامي هو (الكلمة)، والكلمة يمكن وصفها بالرصاصة من الممكن أن تقتل وتجرح وترمل وتيتم ، وهي وإن خرجت لن تعود أبدا، الذي يعود هو الريع الذي حصدته في صدور الناس ، ثأرا كان أم حبا وإخلاصا.