بقلم : علي المطاعني
تشهد العملية الإنتخابية في البلاد تراجعا كبيرا وملحوظا ابتداء من إنتخابات مجلس الشورى والمجالس البلدية مرورا بغرفة تجارة وصناعة عُمان وإنتهاء بإنتخابات الإتحادات الرياضية والجمعيات المهنية والتطوعية سواء في الإقبال على الترشح لعضوية هذه المؤسسات التمثيلية للمواطنين والترشيح أي المشاركة في عملية إتخاذ القرار في مؤسسات الدولة. واقع يفرز أعضاء ليسوا بمستويات المرحلة التي تعيشها البلاد من تنمية وتطور وكذلك عدم مواكبة مع ما يشهده العالم من تطور في كل الديمقراطيات الناشئة، الأمر الذي يتطلب تدارس هذه الإشكالية دراسة وافية تأخذ في الإعتبار كل الجوانب سواء المكاسب المحققة من الهيئات التمثيلية في البلاد أو الصلاحيات أو المزايا الشرفية التي يحظى بها العضو. فبلاشك أن التنمية في أي دولة من دول العالم ليست مادية بحتة تتمثل في المشروعات والبرامج الخدمية، بقدر ما تعني تطور الأمم فكريا وإجتماعيا وثقافيا، ويقاس مستوى ذلك التطور بمدى وفاعلية مشاركة المواطنين في إتخاذ القرار الذي يتحكم في مفاصل حياتهم ومن كافة جوانبها السياسية والمعيشية والإقتصادية ، تلك مرحلة تسمى التفاعل الديمقراطي الإيجابي والمفضي في نهاية المطاف لترسيخ وتأصيل المفهوم الديمقراطي وليغدو بعدئذٍ نهج حياة ضاربا بجذوره رسوخا في تربة الوطن . كما إنه يعني تحقيق الذات للمواطنين بكل أطيافهم ومشاربهم من خلال القنوات المتوفرة وتعزيزها بكل السبل الممكنة، وإلا سوف تختل موازين التنمية في البلاد بنحو يتعارض مع تطلعاتنا المشروعة في تأصيل المشاركة والإنفتاح الديمقراطي من حيث الكم والكيف والتوعية وصولا لعكس صورة إيجابية تؤكد تطور المجتمع العُماني ونموه ، ويحقق الطموحات المستقبلية للعمل الوطني مكتمل الجوانب أملا وطموحا.ان التراجع في المشاركة الشعبية حيث الكم تمثل في تضاءل نسب المشاركات في الترشيحات من جانب من يحق لهم التصويت في الإنتخابات ، فعلى سبيل المثال بلغت نسبة المشاركة في إنتخابات مجلس الشورى ما نسبته 49% من عدد الناخبين المسجلين البالغ عددهم 713 ألف ناخب وناخبة وهم الذين يحق لهم التصويت ، أي أن 350 ألف ناخب وناخبة فقط أدلوا بأصواتهم في إنتخابات الفترة التاسعة (2019-2023) فهل هذا العدد الضئيل يعكس التطور المفترض في العملية الإنتخابية ويتناسب مع عدد السكان البالغ عددهم 2.692.963 حتى الأول من يناير 2020 حسب ما رصده المركز الوطني للإحصاء والمعلومات . في حين بلغ عدد من يحق لهم التصويت في إنتخابات مجالس البلدية الفترة الثانية (2016-2020) ، أي الناخبين 546 ألف ، في حين بلغت نسبة المصوتين 50 بالمائة أي 273 ألف ناخب وناخبة ، فهل هذا الرقم يمثل سكان السلطنة المشار إليهم بعاليه ، كما أن هناك تراجعا كميا واضحا في الترشيح في إنتخابات مجالس البلدية أيضا لا يتواكب ومتطلبات المرحلة التي تتطلب تفاعلا أفضل مما هو عليه . أما المشاركة في إنتخابات غرفة تجارة وصناعة عُمان وكذلك الحال في الأندية الرياضية والإتحادات والجمعيات المهنية والتطوعية والنقابات وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني في السلطنة تشهد تراجعا كما ونوعا واضحا لا يتواكب مع تطور المجتمع و لا مع التطورات العالمية التي تمكن المجتمع من المشاركة و تمكين مؤسسات المجتمع المدني من العمل الفاعل . فمن حيث الكم هناك تراجعا كبيرا في المشاركة وتعود أسبابها للعديد من الجوانب منها أحساس ما بعدم وجود تطور ملموس في التمثيل الشعبي في مؤسسات المجتمع المدني في أحداث النقلة النوعية والحضارية الفاعلة والمؤثرة في هذه المؤسسات ، وأن عملية المشاركة لاتعدو حالة كونها صورية لا أكثر ولا أقل ، وأن المؤسسات نفسها تبدو كديكورات مطلية بألوان جذابة وبراقة وتنادي بصوت لها خفيض بأنها تمثل دولة المؤسسات والقانون في حين أن الواقع مغاير لذلك . أما من حيث النوع فهناك ضعفا عاما في المترشيحن للمؤسسات التمثيلية سواء مجلس الشورى أو المجالس البلدية والأندية والإتحادات والغرفة والنقابات ، حيث تفرز الإنتخابات أعضاء لا يتواكب الكثير منهم مع تطور البلاد ولا يعكسون مستويات المجتمع التعليمية والثقافية والفكرية .هذا العزوف في أعداد المترشحين للإنتخابات والتنافس الضعيف للغاية يفضي في بعض المؤسسات للعودة لذات المقاعد بالتزكية لإنعدام الرغبة أو الزهد في الترشح ، وهو على ما يبدو ناتج عن العديد من الجوانب تحتاج مراجعتها لإعطاء العملية الإنتخابية زخما كبيرا منها عدم إعطاء صلاحيات لهذه المؤسسات فظلت مباني لا روح فيها ، أو لعدم تنفيذها على الأرض ، أو لعدم الإصغاء لساكنيها وروادها من جانب الجهات التنفيذية ، وعدم منح أعضاءها الوضع التشريفي اللائق المواكب لمسؤولياتهم ودورهم في المجتمع ،وكذلك المزايا الضعيفة مقارنة بنظيراتها في الحكومة أو المجالس والمؤسسات التمثيلية المشابهة في الدول الأخرى ، إلى غير ذلك من الجوانب التي تعتري المشاركة. فضعف الصلاحيات وعدم تعاون الحكومة وتداخل الصلاحيات وعدم الأخذ بالمقترحات والتوصيات التي ترفع من المجالس التمثيلية كل ذلك وغيره أضعف الجدية في عملية المشاركة من جانب المجتمع في رد فعل عكسية سوف تؤثر على مسار دولة المؤسسات والقانون التي نتطلع أن تترسخ يوما بعد الآخر. ولا نغفل دور المواطن في الدفع بالمجالس التمثيلية إلى أفضل حالاتها من حيث المشاركة الفاعلة في أعماله وليس نقدها فقط ، وذلك من خلال المشاركة في التغير وقيادة العملية الإنتخابية با بأختيار أفضل الأعضاء وفق معايير تراعي المصلحة العامة، وعدم الارتكان إلى القبلية والمجاملة في هذا الشأن اذا رغبنا في الإرتقاء بعملية المشاركة كجزء من واجبتنا الوطنية. فالحقيقة المثلى تشير إلى أن أي دولة ترغب في تحجيم المشاركة الشعبية في صناعة القرار تعمد لخفض الصلاحيات والمزايا الممنوحة للأعضاء ممثلي الشعب بحيث تغدو المشاركة باهتة وتفتقر لأي محفز لركوب أمواجها العاتيات. بالطبع هناك تطور لاننكره في عملية المشاركة سواء من حيث الكم أو النوع ، لكنها لا تتواكب مع تطور المجتمع وزيادة عدد السكان في البلاد وغيرها من العوامل التي تحتاج لمراجعات شاملة ولا تتعاطى مع الواقع ليبدو أن التنمية بجناحها المادي هي الطاغية و المتقدمة لذا من الطبيعي أن تشهد فجوة بين التطور المادي والمعنوي في البلاد . نأمل أن تتم مراجعة ضعف المشاركة كما ونوعا في العملية التمثيلية في البلاد كجزء من التطور التنموي الذي نتطلع أن تشهده السلطنة في المرحلة المقبلة، وإيجاد السبل التي تعزز المشاركة لتكون جزءا من التطور الذي يشهده هذا الوطن العزيز ومعبرا عن النهضة المتجددة التي يعايشها الآن.