لافتات الأمل وصناعة اليأس

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٤/يوليو/٢٠٢١ ٠٨:٢٣ ص
لافتات الأمل وصناعة اليأس

بقلم : محمد بن علي البلوشي

لايتردد الجمهور اليوم ومع الإنفتاح الذي تبديه الدولة على كل الأراء إلى صناعة اليأس الذاتي وبناء صورة يائسة سوداوية عند الإبحار في مجريات الحياة في البلاد وأهم عناوينها النهضة المتجددة وإعادة هيكلة المشروع التحديثي للبلاد ضمن خطة 2040 والتي تمضي كما هو مخطط لها كما تؤكد ذلك التصريحات الحكومية..ومن المؤسف جدا أن ينبري الكثيرون وهم جمهور واسع والشباب هم أعمدته إلى صناعة اليأس الذاتي التي هي أسهل صناعة تطيح بالعزائم والامل المتوقد وتصنع الهزيمة الذاتية في النفوس مما يكبح الهمم ويصنع الوهن في الجسد الوطني..هنا أعني الكثيرون الذين باتت أصواتهم تقدم اليأس السهل الصناعة وتفقد الأخرين الأمل أو التفاؤل وهو صناعة صعبة للجمهور.عندما يأتي الحديث عن العمل والتوظيف وبناء الذات فإن ذلك يخضع لدينا لمفهوم واحد وهو إلزام الدولة على توفير وظائف في إداراتها فقط وهي قضية لم تنتهي مع تغير مفاهيم الحياة ورغبة الدولة في الوظيف وفق الحاجات وليس كإسكات إجتماعي وامتصاص غضب شعبي..وحتى الآن لايعترف جمهور كبير من الباحثين عن عمل بأن عليهم الولوج للعمل بدلا من الإنتظار سنوات حتى يحقق الشخص حلمه بوظيفة حكومية مريحة ومضمونة بينما لاينظرون إلى أن يوجد اكثر من 200 الف عماني في مؤسسات القطاع ينهضون صباحا يتجهون إلى أعمالهم ويمسكون بها بأيديهم وأرجلهم فيمضون بحياتهم ويحققون أمانيهم فأسسوا عائلاتهم بل ويعيلون كذلك أسرهم..هؤلاء لم يتوقفوا عند وهم الوظيفة الحكومية بل أقتنصوا الفرصة ومضوا فيها.قد يتحدث البعض عن التسريح وأقول أنه تسريح عرضي خضع لمسألتين أولهما التشوه في القطاع الخاص واعتماده على الحكومة ومعظمه غير إنتاجي والمسألة الأخرى هي جائحة كورونا التي أطاحت بالقطاع الاقتصادي ليس في عمان وحدها بل العالم.

من المهم والتذكير للشباب أن القطاع الخاص في العالم هو الموفر للأعمال وهو المحرك للاقتصاد والشهادة هي ملك له وليست سوطا يرفع للتذكير بها فقط فالعمل لمن أراده ومن أراد ان يكسب الرزق .

قبل يومين أعلن بايدن أن إجراءات إدارته وفرت 1.5 مليون وظيفة في قطاع التجزئة والسياحة والمطاعم..هذه وظائف جديدة للامريكين وبخاصة للشباب والشابات من الطلاب والعاطلون عن عمل يعملون بها لتوفير المال لمتطلباتهم الشخصية وكذلك أحيانا لتسديد أقساطهم الدراسية ..مع اختلاف الثقافة والعقلية هذه أعمال لن يعمل بها الشباب فالأعمال الأفضل منها والمجدية ماليا لايقبلون بها فكيف بالعمل في هذه القطاعات مؤقتا إلى حين تحسين ظروفه والحصول على فرصة عمل كما انها غير مجدية ماليا –إن أمتلك مطعما على سبيل المثال واداره سيرى أن جيبه لن يخلو من المال ولن ينتظر الراتب الشهري-ولذلك فهو قطاع لايمتلكه العمانييون.. حسنا هناك قطاع تقوم به مؤسسات كبيرة كالفنادق بدرجاتها يدر دخلا جيدا أضافة إلى أنه يعتمد على التدريب ويكسب منه الشاب المهارات فهاهي عمران تطلق برنامج جيدا بنحو 148 فرصة تدريب في قطع الضيافة وسينظم إليه عدد كبير من الشباب والشابات الذين يرغبون في العمل والبدء بحياة جديدة..بينما سيتفرج عدد كبير على الفرص الأخرى بوضع شروطهم الخاصة.

الخلل الذي الاحظه واصفه بالخلل هو الخيال الذي يسيطر على الباحثين عن عمل في الوظيفة الحكومية التي يعتبرها الجيل الجديد حقا له في وقت تشبعت فيه الحكومة منها وبدأت بإحلال العمانيين محل الوافدون في قطاعاتها..حسنا ماذا سيحدث بعد أن يتشبع الجهاز الإداري لدولة بالموظفين ولم تعد لديها وظائف حقيقية.لاينبغي أن يتوقف الشباب أمام باب الوظيفة الحكومية إن ذلك يتطلب مشروعا وطنيا كبيرا لإعادة شحن المجتمع بالعمل واهميته للإنسان عوضا عن التسكع على جنبات اليأس وضجيج الأصوات.البلد بها من الأعمال الكثيرة لكن العمل بحاجة لمن يملك عزيمة وليس للكسالى.

و"من لايعمل لايريد أن يعمل لايحق له أن يأكل" هذه جملة قاسية ولى زمنها فالذين لايعملون لايأكلون فحسب بل أن لديهم مالدى الذين يعملون..سيارة..هاتف..إعانة عمل"..وأقول أ على الشباب أن يفتحوا أعينم جيدا ويرون العمل على يمينهم ويسارهم ألا يساهدوا الذين يعملون في مشروعاتهم الخاصة وهم معظمهم غير عمانيين..لاأتحدث عن الحلاق أو كي الملابس أو العمالة الهامشية أو الرخيصة لكننا نتحدث عن من يديرون منشآتهم التجارية ويجنون دخلا ويشغلون اخرون لديهم بينما نحن نتفرج على ذلك.إنه خلل مجتمعي حكومي وينبغي إصلاحه لتصحيح السوق وسحق المفهوم السائد عن العمل ونوعه لدى الجيل الجديد.

الحقيقة أن البلاد تواجه أزمة بنيوية في سوق العمل-العمانييون ضيوفا فيه كما ذكرت سابقا-ولن تتخلص الحكومة من هذه الأزمة بين ليلة وضحاها وهي أزمة تجعلها عرضة تحت الضغط الشعبي بين فترة وأخرى وعندها تلجأ إلى الحلول الإرتجالية والمسكنة وهي حلول لاتلجأ لها إلا الحكومة التي ترى أن المشكلة اكبر منها وتعجز عن تصحيحها وتصحيح مسار سوق العمل..هناك شقين ينبغي أن تعمل عليهما الحكومة مرة أخرى..شق العمل في القطاع الخاص بالإحلال والتعمين وشق قطاع العمل والأنشطة الحرة التي تمسك بها القوى العاملة غير العمانية وكل ذلك لن يتحقق إلا بخطة تدريب وطنية أشبه بمشروع مارشال جديد..أما غير ذلك فكأنك "يابوزيد ماغزيت"وسنظل نعيش في نفس الدوامة السنوية.