مسقط - الشبيبة
تعد القراءة أساس المعرفة وحلقة وصل بين استيعاب الطالب لما يحيط به من حيثيات وقدرته على التواصل مع الأخرين، فكيف استطاعت القراءة تعزيز المهارات اللغوية لدى الطلبة؟ وما رأي المختصين في أدب الطفل في ذلك؟، وما المبادرات والبرامج التي وضعتها وزارة التربية والتعليم لتطوير المهارات اللغوية للطالب عن طريق القراءة؟ وما مدى إدراك الطلبة لإمكانية تعزيز مهاراتهم اللغوية عن طريق القراءة؟ وما مدى استفادتهم؟. هذا ما سنتطرق إليه في السطور القادمة.
القراءة والحصيلة اللغوية
تقول بسمة بنت سليم الخاطرية، معلمة وكاتبة مهتمة بأدب الطفل : للقراءة دور كبير في التأثير على مهارات الطفل المختلفة، ونذكر منها: مهارات التفكير، ومهارات التخيل، ومهارات الاستنتاج، وغيرها من المهارات الأخرى، وإحدى هذه المهارات التي يستهدفها الكتاب الموجه للطفل هي المهارات اللغوية، وهنا لا نستطيع أن نتحدث عن ما هي المهارات اللغوية، وكيف يكون تأثير الكتاب الموجه للطفل على الطفل لغويًا، إلا بأن نذكر بأن كتاب الطفل مرتبط بالفئة العمرية، وبالتالي نحن كأدباء لابد أن نكون على اطلاع بالحصيلة اللغوية للطفل في المراحل العمرية المختلفة، فعندما نوجه نصًا سواء كان قصة أو شعر أو مسرح إلى فئة عمرية محددة، نحن نحاول أن تتمحور كلمات نصنا في إطار الحصيلة اللغوية للطفل، ونضيف إليها بعض الكلمات الجديدة التي تثري حصيلته اللغوية، فتكون في سياق الكلام أو ضمن الجملة فيكتسبها باللاوعي، ويستخدمها استخداما صحيحا دون أن يسأل عن معناها، لأن معناها سيستقيه من سياق الجملة، وبالتالي هو يكتسب بعض الكلمات الجديدة، والأمر أيضا لا يرتبط باستخدام كلمات جديدة، وإنما تراكيب جديدة، كأن نستخدم التعجب مثلا، والاستفهام، والجمل الخبرية، وكل هذا مرتبط أيضا بالفئة العمرية للطفل.
الثراء اللغوي
وتقول زكية بنت ناصر الشبيبية، معلمة وكاتبة مهتمة بأدب الطفل بمحافظة جنوب الباطنة : قبل أن نسعى ككتاب ومعلمين لتطوير لغة الطالب ومنحها ثراءً أكبر علينا أن نعود الى نقطة مهمة تشاغل عنها الآباء باعتبارها مجرد شأن مدرسي وهي القراءة والتي يجب ان تكون جزءًا لا يتجزأ من حياة الطالب داخل المدرسة وخارجها ومنذ الطفولة المبكرة، فمؤسف ان لا يعرف الطالب سوى النصوص المقررة عليه من خلال المناهج الدراسية، فمن أين سيأتي هذا الطالب بالخيال المحرك والجامح والمفردات والتعابير اللغوية الجميلة التي من شأنها أن تكسبه لغةً فصيحةً سليمةً خصبة بالمشاعر والتعابير المختلفة، فالقراءة المبكرة هي الأساس والمحرك والفتيل الذي سيشعل المهارة اللغوية لدى الطالب، والاستمرار عليها وممارستها بشكل دائم سيقويها ويهذبها ويصقلها، والسؤال الذي يجب أن نطرحه للآباء اليوم هل خصصت ركنًا في بيتك يضم رفوفا للكتب؟ المكتبة هي المصدر الرئيسي لإنعاش الطالب وإمداده بالثراء اللغوي.
أساليب واستراتيجيات
أما عن الإستراتيجيات أو الأساليب التي يتخذها الكاتب لتحقيق ذلك، تقول بسمة الخاطرية: يلجأ الكاتب إلى استخدام استراتيجيات وأساليب متنوعة في نصه بغرض تطوير المهارات اللغوية للطالب، مثل استخدام الاستعارات، والصور الجميلة، والتشابيه الجميلة، حسب الفئة العمرية أيضا، كأن نقول: (وجه أمي كوجه الشمس)، نحن ربطنا بين شيئين يعرفهما الطفل، لكن نكون بذلك عودناه أن يستخدم هذه التشابيه، التي تجعل لغته جميلة، وأيضا مجرد أن يقرأ الطفل فإنه يكتسب ثقة بالنفس، وهنا أرغب بالتأكيد على أن القراءة مهمة، لكن الأهم منها هو الحوار والنشاطات التي تحدث قبل وبعد وأثناء القراءة، فعلى الطفل أن يعتاد من خلال الحوار أن يبدي رأيه فيما قرأ، فإبداء الرأي يكسب ثقة بالنفس، وقدرة على التعبير، وأيضا النقد يكسب مهارات لغوية، فعندما أقول له انتقد الحدث الفلاني في القصة، أو انتقد الشخصية الفلانية في القصة، هذا سيجعله يستخدم ما لديه من كلمات، ويستنهض كل ما لديه من مخزون لغوي، كي يعبر عما شعر به أثناء قراءته للقصة، وأؤكد هنا على ضرورة أن نبتكر في طريقة طرح النص، الذي بدوره سيجعل من الطفل يتقن اللغة العربية فطرةً، حتى أننا نلاحظ الأطفال الذين يشاهدون البرامج التي تقدم محتواها باللغة العربية الفصحى، أنهم يقلدونها تماما، ويتحدثون اللغة العربية الفصحى، لأنهم يحاكون الشخصيات التي يشاهدونها، وأخيرا، لا نقصد بالقراءة هو القراءة من الكتاب فقط، فالقراءة بصرية أيضا، المسرح والتلفزيون قراءة بصرية، فنحن بحاجة إلى كل هذه المصادر التي تصب في مخيلة الطفل، وتثري حصيلته اللغوية، وتقوي شخصيته، وتسمو بفكره وعقله.
وتضيف زكية الشبيبية: لا بد من التركيز على مهارات التحدث والقراءة والتعبير من قبل المعلمين والتي من شأنها أن تكسب الطالب ثراءً لغويًا بديعًا، من خلال التعزيز المستمر وإشعال روح التنافس بين الطلاب، وتكليف التلاميذ بتلخيص الدروس والتعبير عن صور المحادثة بفاعلية، وهناك من المعلمات من طبقن فكرة (الحكواتي) أو الراوي الصغير والذي يقوم بسرد قصة قام بقراءتها بأسلوب مشوق ومعبر، والتركيز أيضًا على تحقيق القراءة المعبرة المليئة بالمشاعر التي تكسب المفردات حياة لدى القارئ ومحاسبة التلميذ المقصر عليها ومتابعته، وإشراك التلاميذ في الإذاعة المدرسية، وتفعيل المناسبات وتكليفهم بتحضير كلمة من إعدادهم والقاءها بلغةٍ جميلة، إضافة إلى إشراكهم في برامج متنوعة تعنى بالحوار والتحدث والخطابة واقعية كانت أم افتراضية.
الثروة اللفظية
وفي حديثنا مع الدكتور الأزهر بن زهران البراشدي عضو مناهج تعليمية (اللغة العربية) بوزارة التربية والتعليم، حول جهود الوزارة لتعزيز المهارات اللغوية المرتبطة بالقراءة، قال: القراءة إحدى مهارات اللغة العربية الأربع بجانب الاستماع والتحدث والكتابة، وتعد القراءة المحرك الأساس لممارسة المهارات الأخرى؛ إذ تكسب القراءة المتعلم الملكة اللفظية التي تؤهله لفهم اللغة (الاستماع) وإنتاجها تحدثا وكتابة، فمن خلال القراءة يكتسب المتعلم ألفاظا جديدة، وتراكيب لغوية في سياقات مختلفة، وأساليب لغوية متنوعة، والألفاظ كما نعلم هي المادة الخام لبناء أي منتج لغوي سمعي أو كتابي، والعنصر الأساس للتواصل الاجتماعي والنجاح في الحياة، واكتساب تلك المفردات والتراكيب والأساليب وفهمها يساعد المتعلم على فهم ما يستمع إليه من جهة وعلى بناء الحديث والكتابة بوعي وفهم من جهة أخرى؛ بل إن فائدة الثروة اللفظية التي يكتسبها المتعلم بالقراءة يمتد أثرها إلى تقوية شخصيته بتمكنه من التواصل اللغوي واستعمال اللغة أمام الآخرين.
جهود الوزارة
وأشار الدكتور الأزهر البراشدي: تبذل الوزارة جهودًا كبيرة في تنمية مهارة القراءة وربطها بمهارات اللغة العربية الأخرى سواء في نطاق عمل المديريات المختصة بالوزارة، أو في جانب المبادرات المنفذة من بعض المديريات التعليمية أو المعلمين، ويكفي أن نشير إلى أهم مكون من مكونات المنهج الدراسي المتمثل في كتاب الطالب، فقد عنيت الوزارة ببناء مناهج اللغة العربية بصورة مبتكرة، فمن جهة أولى اختيرت النصوص القرائية ونُظِّمت بعناية كبيرة؛ فتنوعت بين النصوص العلمية والأدبية، وجاءت متفقة وميول الطلبة، ومناسبة لمستوياتهم المعرفية واللغوية، وتراعي الخصوصية الثقافية للمجتمع العماني، ومن جهة ثانية اتخذت مناهج اللغة العربية الجديدة طريقة تكامل المهارات، فما يدرسه الطالب من نمط في مهارة القراءة، يجد النمط ذاته في المهارات الأخرى الاستماع والتحدث والكتابة، فإذا كان نمط النص القرائي قائمًا على الحوار مثلًا، جاء نص الاستماع حواريًا، وصممت أنشطة التحدث في نمط الحوار، وجاء درس الكتابة مدرِّبا ومعلما لمهارات بناء النصوص الحوارية، وبهذه الصورة استقلت محاور بنمط معين، فاستوفته من أهم جوانبه، وتناولته بشكل تكاملي، واستطاع المتعلم أن يكتسب المهارة وينتجها في الوقت ذاته.
وأوضح البراشدي: ومن جهة ثالثة حرصت المناهج على تنويع خبرات المتعلم، بانتقاء نصوص وأنشطة ذات محتوى معرفي وثقافي متنوع، فاهتمت نصوص بالجانب السلوكي والأخلاقي، وأخرى بالجوانب العلمية، وغيرها بالتجارب العالمية في الجوانب العلمية أو الإبداع الأدبي القصصي والروائي، كما يلاحظ المتصفح للكتب الدراسية ورود نشاط خاص بالقراءة الحرة في كتاب الطالب، سواء كانت القراءة موجهة في ذات المحور والنمط المدروس أو كانت عامة حسب اختيار المتعلم وميوله، وهنا نذكر أن وزارة التربية والتعليم تعمد سنويًا إلى تعزيز مصادر التعلم في المدارس بكتب متنوعة من معرض مسقط الدولي للكتاب، وتؤدي مراكز مصادر التعلم دورًا كبيرًا في خلق حراك قرائي داخل المدارس وبين الطلبة.
وختم حديثه بقوله: ومن البرامج والمبادرات المطبقة في الحقل التربوي التي تأتي في سياق تعزيز مهارة القراءة، برنامج "التأهيل اللغوي"، وهو برنامج علاجي مطبق على طلبة صعوبات التعلم في بعض المديريات التعليمية في المحافظات، وله أثر إيجابي ملموس في تنمية مهارات اللغة المختلفة، ومشروع مهارات التحدث باللغة العربية الفصحى، والبرامج التدريبية التي ينفذها المعهد التخصصي للتدريب المهني للمعلمين، وبعض المسابقات والمشاريع التي ينفذها المعلمون والمشرفون في المدارس والمديريات التعليمية.
حلقة وصل
وحول رأي العاملين في الحقل التربوي يقول مالك بن محمد البلوشي معلم لغة عربية بمدرسة أحمد بن سعيد الخليلي (10-12)في محافظة مسقط: المهارات اللغوية المرتبطة باللغة هي أربع: الاستماع التحدث والقراءة والكتابة، ونلاحظ في ترتيب هذه المهارات أن مهارة القراءة تقع في منتصف هذه المهارات، فهي حلقة وصل بين القدرة على انتاج الكلام الذي يستمعه الشخص وبين تحويله الى عنصر ملموس ومرئي، وهي في ذات الوقت مصدرٌ لتغذية مهارات التحدث، لذا فإن الطالب كلما كان قادراً على القراءة وفك رموزها وأشكالها كان ذلك داعياً إلى مقدرته في التحدث، فهي تعمل كمصدر يوسع من مداركه ومن حصيلته اللغوية لتلبي احتياجه لها في أي موقفٍ في حياته، وهي مع ذلك محركٌ أساسي للإبداع والقدرة على خلق المتعة والإدهاش في الكتابة لتخلق القراءة بذلك توازناً مطلوباً للطالب المتحدث القادر على الإبداع والكتابة. وتتعدد الأساليب والاستراتيجيات المستخدمة لتنمية وتطوير المهارات اللغوية من خلال القراءة الا أنني أميل إلى استخدام المعلم لتجربة القراءة الحرة التي يطلب فيها المعلم من الطلاب قراءة أي كتاب في أي موضوع، ومحاولة تلخيص الكتاب وفكرته ثم قراءة ذلك في الصف أمام زملائه الطلاب الذين يسمح لهم بطرح أسئلتهم ومناقشتهم لزميلهم في مدة زمنية محددة، حيث تنمي هذه التجربة جميع المهارات اللغوية، للطالب العارض أو لزملائه المستمعين.
إثراء الحصيلة اللغوية
ومن جهتها قالت نجمة بنت محمد الهادية معلمة مجال أول بمدرسة وادي حطاط للتعليم الأساسي في محافظة مسقط: للقراءة دور كبير في تعزيز كفاءة المهارات اللغوية، فهي مجال خصب للإجادة والإتقان في غرس هكذا مهارات عند الطالب، كونها تغذيه وتشبع نهم معارفه لما تقدمه له من مساحة كبيرة للإبحار في شتى العلوم والمعارف، وتنمي لغته وتثري حصيلته اللغوية وتجعله ماهرا بشكل ملحوظ، والقراءة تعلي دومًا من مكتسباتنا المهارية وتصقلها، ولابد من اكساب الطالب بعض الاستراتيجيات التي تساعده للانتفاع بالقراءة لتغذية حصيلته من المهارات، مثل استراتيجيات التعلم النشط، واستراتيجيات التعلم الذاتي بكل أنواعها (عظم السمكة /خريطة المفاهيم /دورة التعلم الخماسية/القبعات الست)، وهي كفيلة لتحقيق هذه العلاقة القوية بين القراءة وتنمية المهارات المكتسبة لدى الطلبة.
القراءةُ ظِلٌ نستظل به
كما شاركنا الطلبة رأيهم في القيمة التي تضيفها القراءة لمهارتهم اللغوية، فقالت حور بنت محمد العميرية طالبة بالصف الثاني عشر بمدرسة بسياء للتعليم الأساسي في محافظة الداخلية: تنبتُ الحياة وتنبت اللغة معها، هي هِبة أُكرمنا بها وينبغي علينا الحفاظ عليها، وتطويرها، واكتشاف أبعادها، وتعد المدرسة صرحًا أساسيًا يقوم بكُل ما سبق، والمُمارسة رُكنٌ يقوّم لغة كل طالب، والإطلاع يعزّز متانة هذه الأركان إذ أنه يوسّع حدود اللغة التي لا حدود لها ، والقراءةُ ظِلٌ نستظل به ، إذ أن منافعها تتعدى أبعاد المعقول، ما إن نعتبرها مُتعة ولذّة وفي ذات الوقت نلحظُ تأثيرها الايجابي في تقويم اللغة عند القارئ واكسابه مصطلحات واسعة تخوّله خوض أي نقاشات ثقافية، الأمر الذي ينمّي اللغة والثقافة والعلوم .
التعلم أولًا
وقال محمد بن حافظ بن أحمد أمبوسعيدي طالب بالصف العاشر بمدرسة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي في محافظة الداخلية: لابد للطالب أن يطور مهاراته اللغوية؛ لأن المهارات اللغوية هي المرآة التي تعكس قدرة الفرد على الإقناع والتأثير، وهي النافذة التي تمثل الظهور الأول، فلا يعرف الإنسان إلا بمواجهة الجمهور، وإن تطويرها في حقيقة الأمر يكون بالتعلم أولًا، وبالممارسة ثانيا، وهي الأهم، لأن الممارسة تجعل المتعلم متمكنا من التحدث بثقة وطلاقة وفصاحة وبلاغة، يصحب ذلك البحث والاطلاع في المعاجم والكتب النحوية واللغوية والأدبية، التي تلعب دورًا هامًا، والقراءة لها باع طويل في تنمية المهارات اللغوية وكما أسلفت سابقا إن البحث والاطلاع مكون مهم للمهارات اللغوية التي من خلالها يكتسب المتعلم ناصية اللسان، ويكون متحدثًا يعي ما يقول، وكذلك هذه المهارات لا يجدر بالمتعلم أن يكتسبها عند كبره ولكن منذ الصغر بداية من الأسرة وتوجيهها، ومن الهيئة التدريسية وأنشطتها، ومن المراكز الدينية ودوراتها، وتمد الطالب بثقافة واسعة تؤهله للحديث في مجالات مختلفة.
دور ولي الأمر
وللأسرة والمُربي الدور الأهم في تعزيز هذه المفاهيم لدى أبنائهم الطلبة، فيقول محمود بن عبدالخالق اللواتي ولي أمر من محافظة مسقط: من الأساليب التي أتبعها كـولي أمر لتطوير المهارات اللغوية لدى أبنائي من خلال القراءة تتمثل في توفير الكتب المتنوعة والمتخصصة بالجوانب اللغوية، وحثهم على القراءة بتمعن، ومن ثم تلخيص ما تم قراءته، وتدوين الكلمات اللغوية المهمة واقتباسها، واستخدام العبارات اللغوية الجديدة في المناقشات والحوارات.