بقلم : علي المطاعني
تفاجأت عندما رنّ جرس باب بيتي بعد الإفطار، اعتقدت بدءًا أنّه مندوب إحدى شركات الطلبات جاء لإيصال أغراض للبيت، لذا أسرعت بفتح الباب بعد اعتمار الكمام، وجدت الطارق شابا في الثلاثينيات من العمر، وبعد السلام والأخبار والعلوم، طلبت منه الدخول، بادرني بأنّه جاء يطلب مساعدتهم على إيصال رسالتهم أو مأساتهم والتطرق لمعاناتهم مع أحد البنوك، والذي عرض عليهم التسريح.
في الواقع هالني الأمر، وبتّ أسأل نفسي في حيرة: هل يا تُرى وصل الأمر حتى البنوك؟ ولكي أفيق من الصدمة وددت التأكد منه ومن بياناته، فربما يكون الأمر ليس بهذا النحو، وبما إنه واثق مما يقوله أخذ في تقديم شرحٍ كنت في أمس الحاجة إليه.. فقال:
قدمنا شكوانا لعدد من الجهات الحكوميّة موضحين فيها تلقينا تهديدات بالتسريح، وأنّ البنك يفاوضهم على منحهم بضعة رواتب مع باقة فواحة من الإغراءات بإحالتهم بكل احترام لصندوق (الأمان الوظيفي) ككثير من الشركات التي تعرض لموظفيها هذا العرض، غير أنّ دهشتي ما برحت واسعة فكون أن يصل داء التسريح للقطاع المصرفي فهذه كبيرة بعض الشيء، الأمر الذي يدعو لإعادة النظر في مفهوم (التسريح) ارتكازا إلى العديد من الأمور كالإمكانيات واستدامة الأعمال ومستويات التأثر بجائحة فيروس كورونا من عدمه إلى غير ذلك من الجوانب، حتى لا يكون التسريح ممارسة ممنهجة تهدف لتفريغ الشركات من المواطنين، وإحالتهم لتقاعد صندوق الأمان الوظيفي.
لقد أكمل هذا الشاب سرد مأساتهم بصعوبة بالغة نسبة لضبابية المستقبل الذي ينتظرهم على بعد مرمى حجر، وشرح لي وأسهب بأنّ التهديد لا يزال يطاردهم من جانب موظفي الإدارة والشؤون القانونية بالتسريح أو الفصل إلى غير ذلك من عظائم الأمور، وأنّهم لابد أن يقبلوا حتى لا يذهبوا إلى المحاكم ويمنحوا تعويضا برواتب أقل، وهكذا دواليك تمضي الأمور في مسار التسريح، الذي على ما يبدو سيفلت الزمام في سوق العمل غير المنظم.
ووسط الذهول عدت لنفسي استنطقها: هل وصل بنا الحال لهذا الدرك الذي يؤلمني أن أصفه بالسحيق، وبقدر باتت فيه الشركات حتى أعلاها منزلة ومرتبة كالبنوك تتسابق في مفاوضة موظفيها لقبول التسريح باعتباره إحالة كريمة لتزيد أعداد الباحثين عن عمل من الذين (كان) لهم عمل، وما يعنيه ذلك من ضغوط اجتماعية وأسرية على جهات معروفة طبعا، وفي آخر النفق فإنّ صندوق (الأمان الوظيفي) سينفجر من تلقاء ذاته من تزايد الأعداد من هذه الممارسات، أما بيئة العمل ومفهوم الأمان الوظيفي فعليهما السلام.
ويبدو أنّ التسريح غدا أسهل الطرق وأقصرها على الشركات والمؤسسات للتخلص من موظفيها بدون مبررات كافية أو موضوعية، فها هو البنك يرغب في تسريح 30 موظفا من كوادره بمنتهى الثقة والاطمئنان معوّلا على صندوق الأمان الوظيفي الذي أمسى عظيما وشهيرًا، فهو الصديق الصدوق الآن للجهات ذات النوايا إيّاها.
لنقف هنا وقفة احترام مع الأرقام، فقد بلغ عدد المسرحين عام 2020 الذين يتسلّمون مرتبات من الصندوق أكثر من 6.000 مواطن، وفي هذا العام 2021 وفق ما أعلن فمن الطبيعي أن تتضاعف الأرقام حتمًا عدة مرات هذا العام والسنوات القادمة.
بالطبع نلتمس العذر لبعض الشركات التي أغلقت تأثرا بالأزمة إن كانت هناك أدلة مؤكدة على ذلك، فأولئك لا تثريب عليهم، غير أنّ بعض الشركات والبنوك لم تمر ولله الحمد بذلك المنعطف اللهم إلا ركوب الموجة واقتناص سانحة ولا أروع للتخلّص من موظفيها. مثلما تخلّصت شركات أخرى من موظفيها قبل أعوام قلائل تحت مبرر انخفاض النفط أو الأزمة المالية العالمية، فمن يدري ربما كان دافع التسريح أنّ الموظف فلان لا يروق للمدير مثلا.
نأمل ألا يمر هذا الموضوع مرور الكرام، وأن يخضع لتحقيق دقيق وشامل، فمثل هذه الكيانات الاقتصادية الكبيرة قادرة على التكيّف مع الأزمة، ليبقى هذه الإجراء في حاجة ماسة لإماطة اللثام عن أسبابه الحقيقية من قبل الجهات المختصة.