بقلم : علي المطاعني
لا أعرف لماذا لم يُشرك مجلس الشورى في اللجنة العليا المكلفة بآلية التعامل مع التطورات الناتجة عن إنتشار فيروس كورونا، بإعتباره يمثل المواطنين من خلال الأعضاء الذين يمثلون الولايات، ولإضفاء الشعبية على القرارات التي تصدرها اللجنة بإعتبارها صدرت بحضور وعلم ومباركة ممثل للمجلس عضوا بها، فضلا عن الإستفادة من إمكانيات المجلس وأعضائه في جهود التوعية بالإلتزامات والإحتياطات اللازمة للحد من إنتشار الفيروس، ومن جهة أن أعضاء المجلس يمثلون قادة للرأي العام في ولاياتهم ولهم تأثيرات إيجابية في تنزيل وتطبيق قرارات اللجنة ومساعدة الجهات التنفيذية في إشاعة الإلتزام بالقرارات الصادرة عنها.
لكل تلك الحقائق يُعد مستغربا عدم إشراك المجلس كأحد أهم أذرع السلطات في الدولة في هذه الأزمة ليسهم بدوره في رفد الجهود الحكومية المبذولة في هذا الشأن، وتوسيع قاعدة المشاركة وإذ هو سلطة تشريعية ورقابية يتعين عليه كغيره تحمل مسؤولياته أوقات الأزمات وخوض غمار الأزمة كأصعب تجربة تمر على الأمم والشعوب في العصر الحديث.
بلاشك ان أزمة كورونا تعد صحية ووطنية في آن معا، وتستلزم كفرض عين مشاركة الجميع في تجاوزها، جهات ومواطنين وبإعتبار أن مثل هذه الأزمات تتطلب المزيد من التكاتف والتعاون بين كل الأطراف، فإذا لم نعثر على المجلس بكل زخمه وعنفوانه وتأثيره الشعبي المباشر كجزء من الجهود الوطنية في هذا الشأن، فما هي الأزمات ياترى التي يمكن أن نراه جزءا منها، على ذلك فإن إستبعاد المجلس لم يكن قرارا موفقا جملة وتفصيلا ومن حيث المبدأ.
كما أن العمل الوطني في البلاد قائم أصلا على الشراكة بين أطياف المجتمع ممثلة في مؤسساته مثل مجلس الشورى وغرفة تجارة وصناعة عُمان ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها كجزء من متطلبات منظومة العمل الوطني الذي يتطلب النهوض به من قبل كل الشرائح، فتغييب المجلس كأحد أهم المؤسسات التي تمثل المجتمع يعد في حد ذاته إخلالا بالشراكة التي إعتدنا عليها في العمل الوطني وتراجعا عن المبادئ التي يجب أن تترسخ في المرحلة القادمة أكثر مما مضى ظل دولة المؤسسات والقانون وفي هكذا ملمات.
إن بعض الجهات الممثلة في اللجنة العليا ليس لها ذلك الدور المحوري في عمل اللجنة ذاتها مقارنة بالدور الإجتماعي والشعبي الذي يمثله مجلس الشورى وليس لها ذلك الثقل كمؤسسة تشريعية وبرلمانية منتخبة من المواطنين يستوجب كأمر طبيعي أن يكون جزءا لا يتجزأ من الحلول التي تطرح لمعالجة الأزمة والأزمات وقبل هذا وذاك إضفاء الشعبية على قرارات اللجنة ذاتها بتواجد ممثليهم وإذ القرارات أصلا موجهة لمن يتحدث المجلس بإسمهم.
ثم أن مشاركة المجلس في اللجنة كان سيسهم في إثراء وتفعيل العمل بها من خلال نقل إهتمامات المواطنين عبر ممثليهم في المجلس ومن خلال التنسيق معهم حول المعالجات والقرارات التي ستصدر وبإعتبارهم قد إستمعوا مسبقا لآراء المواطنين في كل ما يتعلق بالأزمة والحلول المقترحة منهم لمعالجتها متضمنة التداعيات الإقتصادية والمالية مما يوفر أرضية صلبة لأي معالجات وقرارات تصدر من اللجنة..وقد أسهم عدم إشراك مجلس الشورى في اللجنة العليا إلى لجوء أعضاء مجلس الشورى إلى وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعية، للتعبير عن آرائهم ومقترحاتهم لمعالجة تداعيات الأزمة، وكان ينبغي استيعابهم باسم المجلس لعرض مقترحاتهم وآرائهم لتصل إلى اللجنة عن طريق ممثلهم من المجلس وهو ما لم تعيه اللجنة العليا في الحقيقة.
من الجانب الآخر فإن معالجة التداعيات الاقتصادية وسبل إيجاد حلول لها بشكل أفضل مما هو عليه بشراكة المواطن، فمجلس الشورى خير من يعبر عن مطالب الذين تأثروا بتداعيات أزمة كرونا، ووجود المجلس كان سيقضي على حجة عدم الاستنارة بالآراء المطالبة بمعالجة أفضل لتأثيرات الأزمة، فالغطاء الشعبي كان غائبا مما أفقد المعالجات شموليتها وشعبيتها وألقى باللوم على اللجنة ذاتها.
إن التوافق المجتمعي ممثلا في القنوات الرسمية يجب أن تكسبه الدولة في إدارتها للأزمات الاقتصادية والصحية، وليس هناك وقت أفضل من الآن تحقيقا للتوافق المجتمعي المنشود.
لا نعرف على وجه الدقة ما يضير وجود مجلس الشورى ممثلا في الرئيس أو رئيس اللجنة الصحية والبيئية بالمجلس في اللجنة العليا في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد التي -كما أشرنا- تحتاج إلى المزيد من التوافق وتضافر الجهود، وقد أسهم ذلك إلى وجود حلقة مفرغة بين الحكومة والمجتمع نتيجة هذا التعاطي غير المدروس.
بالطبع قد يقول البعض بأن المجلس ليس معنيًا بعمل اللجنة وأنه مجلس تشريعي في الأساس، لكن هذا الأمر ليس بالضرورة صحيح، ففي مثل هذه الأزمات يكون تضافر الجهود هو الأقوم للعمل الوطني، ويتكامل فيه العمل بين الحكومة والشعب ممثلا (بمجلس الشورى) خاصة وأن المجلس معني بمتابعة وبمراقبة الأداء الحكومي في كل ما يتعلق بالمواطنين على هذه الأرض الطيبة.
وطوال فترة كورونا والمواطنون يلجؤون إلى المجلس للوقوف معهم في تداعيات الأزمة، ومنها قضية المسرحين من أعمالهم، ويلتقي المجلس بهم، ويعمل على إيصال مطالبهم والحلول المقترحة بشأنها إلى الحكومة، وهذا مؤشر آخر على أهمية وجود ممثل للمجلس في اللجنة العليا، يعمل بشكل مباشر مع الأمر.
بالطبع مجلس الشورى وتحت جنح ظلام الأزمة يفترض أن يكون في حالة إنعقاد دائم يعمل جنبا لجنب مع الحكومة في معالجة الأزمة، غير أن عدم إشراكه أوجد مبرر لحالة عدم الإكتراث السائدة مجتمعيا وأن كانت مرفوضة، فالمجلس وجد نفسه يتعاطى مع الموقف بنحو عادي ولم نلحظ له دورا مميزا في الأزمة لأنه ببساطة ليس جزءا من آليات صد الفيروس، وهو كذلك لابيده ولكن بيد عمرو.
نأمل أن تعزز الشراكة المجتمعية في مثل هذه الأزمات للعديد من المنطلقات وللأهمية التي تمثلها الشراكة في إضفاء المزيد من التعاون والتعاضد بين السلطات في مثل هذه الظروف الإستثنائية الطارئة والله من وراء القصد.