بقلم : علي المطاعني
في الوقت الذي يفترض فيه من هيئة البيئة أن تتعامل مع موضوع قيام إحدى شركات الأعمال التعدينية باقتلاع غابة أشجار اللبان في موقع «مودام» بولاية صلالة بشكل أفضل يعزز الاهتمام بالبيئة والحفاظ على هذا الموروث الطبيعي المتمثل في شجرة اللبان النادرة، لجأت الهيئة للتبرير بأن الموقع لا توجد به كثافة شجرية، الأمر الذي يثير الدهشة والامتعاض من هذا التعاطي غير الإيجابي مع مثل هذه الحوادث من قبل هيئة مسؤولة عن هذا الجانب وهو من اختصاصاتها بحسب مرسوم إنشائها، وسوف نوضح في هذا المقال الكثير على أمل أن تنتبه الهيئة لهذه الممارسات البيئية الضارة وتقف على ما يحيق بالبيئة من أخطار.
لاشك أن الاهتمام بالبيئة في السلطنة مترسخ منذ خمسين عاما عبر الاهتمام من قبل المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - إلى درجة أن الوعي بمكونات البيئة أصبح مترسخا لدى كل مواطن، إلا أن التراجع في الفترة الفائتة عن هذا الاتجاه يبدو واضحا، فقبل هذه الحادثة كانت هناك شجرة الغاف المعمرة بالقرم التي إزيلت دون أي تفكير في عواقب الفعل ومضاره ودون النظر للأبعاد البيئية والاجتماعية كذلك، ولعل حادثة شجرة اللبان واحدة من الممارسات التي يندي لها الجبين في إعطاء تصاريح التعدين في أماكن تكاثر شجرة اللبان في محافطة ظفار أصلا، وما يشوب ذلك من أمور يتطلب توضيحها للرأي العام بشكل أفضل وتسليط الضوء على تلك الملابسات، وطرح الأسئلة الأساسية على شاكلة: كيف تمنح تصاريح تعدين في هذه المواقع؟ وما هو دور الهيئة في ذلك؟ وما مدى تحرك الجهات الرقابية والتشريعية للوقوف على مثل هذه الممارسات سواء من الجهات المرخصة أو المسؤولة عن مراقبة الآثار البيئية.
للأسف، إن البيان حول تبرير اقتلاع غابة شجرة اللبان لم يكن من الهيئة نفسها، وإنما كان من المديرية العامة للبيئة في محافطة ظفار، وهذه بحد ذاتها سقطة كبيرة من الهيئة التي على ما يبدو أنها لم تتعاط مع الموضوع بشكل أفضل حينما أوكلت الأمر إلى المديرية، وكأن الممارسة لا تستحق أن يصدر بها بيان على خلاف المتعارف عليه في مثل هذه المسائل.
فقانونا الهيئة مسؤولة عن أي أضرار تلحق بالبيئة في السلطنة ورئيس الهيئة مسؤول أمام السلطات عن أي أخطاء تكتنف عمل الهيئة، فكيف توكل إصدار البيان لمديرية في محافظة ظفار؟.
كما إن الجانب الآخر لهذا البيان الصادر من مديرية البيئة في محافظة ظفار، يعكس عدم الاهتمام بما يثار في قنوات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعية من آراء وانتقادات من الرأي العام لأعمال الهيئة. والواجب ألا تتعالى الهيئة في تعاطيها مع الرأي العام بإصدار بيان من مديرية في سابقة هي الأولى من نوعها في السلطنة بأن تقوم مديرية بالرد على الرأي العام.
إن كانت الهيئة تدير الأمر هكذا فلن نندهش غدا عندما ترد دائرة الخدمات في هيئة البيئة على مشهد حمل أغنام في سيارات الهيئة مثلا، أو إن يرد قسم الاستقبال مثلا على استفسارات أو تساؤلات المواطنين عندما تترفع الجهات العليا في الهيئة عن الرد.. وهكذا دواليك.
للأسف، بطريقة الهيئة هذه يمكن للأمور أن تختلط وتنحدر نحو الأسوأ فالأسوأ.
إن هذا التعاطي من الهيئة يعبر عن قصور كبير في كيفية إدارة هذه الأزمة إعلاميا، ويكشف بوضوح أن الهيئة لا تملك شجاعة الرد على الجماهير.
أما الرد - أي البيان- ففي حد ذاته هو قصة أخرى بما يحمله من تناقضات، فالبيان تارة يقول إن الصورة قديمة التقطت منذ خمسة شهور في مناسبة احتفالية.. وتارة أخرى يقول أن الاقتلاع تم في منطقة ليس بها كثافة شجرية..
وبالطبع التبرير الأول بأن الصورة قديمة غير لائق، فنحن لسنا في حفل أو مناسبة لكي نقول بأن الصورة لحفل أقيم قبل خمسة شهور، فالمهم هو الإجابة عن سؤال هل تم اقتلاع شجرة اللبان في موقع التحجير أم لا؟ بغض النظر عن تاريخ الصورة..
كما يتناقض مع التبرير الثاني الذي أشار إلى أن اقتلاع الشجيرة تم في أماكن غير كثيفة، فماذا يمكن أن يضيف التبريران المتعاكسان غير التناقض في إصدار البيانات الإعلاميّة؟
هذا الموضوع يجب ألا يقف عند هذه الحدود فقط، بل يجب أن توضح الهيئة وتجيب عما هي الآثار البيئية المترتبة على إقامة المحجر؟ وهل هناك جهة محايدة ومسؤولة وقفت على تقرير الشركة الذي سلمته للهيئة أم لا؟ وهل الهيئة ذاتها تحققت من عدم التأثر إلى غير ذلك من ملابسات؟، نأمل أن تتعاطى الهيئة مع الجماهير ذاتها وليس عبر مديرياتها باعتبارها المسؤولة أمام الرأي العام والسلطات، وألا تسن سنة غير حميدة إعلاميا في هذا الشأن، فقد يفهم من إسنادها الأمر للمديرية أنها تتجاهل الرأي العام أو تستخف به مثلا، في وقت كان يجب فيه التحقق من ملابسات اقتلاع أشجار اللبان، والاطلاع على تقارير محايدة موثقة بعدم تأثر البيئة في الموقع المشار إليه.