بقلم : علي المطاعني
علاقتي ببورصة مسقط علاقة حميمة جدا منذ كنت صحفيا في قسم الاقتصاد بجريدة عمان، حيث خصصنا صفحة عن تداولات السوق آنذاك وأخبار الشركات والقرارات وتحليلات الوسطاء والمحللين الماليين؛ كانت مشوقة للغاية لدرجة أن شركات الوساطة كانت تنتظر ما نكتبه لتقرر شراء أسهم هذه الشركة أو تلك، واستمرت العلاقة بالسوق بين المد والجزر، سواء بنقد التوجهات الاقتصادية وإدارة السوق وفتح الاكتتابات على الورق لجمع أموال من العامة بواسطة الاكتتابات الورقية، كمصانع السكر والأرز. وكتبنا مقالات أذكر واحدا منها (شركات من ورق من المسؤول) إلى أن عدلت الحكومة قرارات الاكتتاب وألزمت فيها الشركات بإصدار ميزانيتين سنويتين لطرح أسهم الشركات للاكتتاب العام.
أو نقدنا كذلك لتسريب البيانات والمعلومات والاستفادة منها في التأثير على الشراء والبيع، ودخول المستثمرين الخليجيين. برفع السوق والهروب منه بالبيع وحالات الكر والفر، وأذكر أني كتبت مقالا آنذاك تحت عنوان «اضرب واهرب» وعدل نظام الاستثمار الأجنبي، والاحتفاظ بالأوراق المالية، والكثير من الكتابات التي كان لها تأثيرها على مجريات السوق آنذاك لا أذكرها؛ إلى أن جاءت أزمة السوق في العام 1998م والتي أطاحت بآمال كثير من المستثمرين، ونالنا جزء من اللوم بأننا كنا جزءا من انهيار السوق آنذاك، لأنني كتبت مقالا بعنوان: (سحابة صيف تمر على سوق مسقط) واعتبر ذلك المقال خدعة، وجاءت رسالة من أعضاء مجلس الشورى كسؤال برلماني لوزير الإعلام آنذاك عبدالعزيز الرواس بأن القسم الاقتصادي بالجريدة تسبب في انهيار السوق أو كان أحد الأسباب، وكان ردنا عليه بأن الإعلام يتفاعل مع الواقع سلبا وإيجابا ولا يمكن أن يكون السوق مثلا مرتفعا ونكتب أنه منخفض والعكس، واستمرت بعد ذلك علاقتنا ببورصة مسقط من بعيد فقط، ونلاحظ بأنّ الاهتمام الإعلامي له غير مركز وغير موجه بشكل جيد وفق ما يتطلبه كرئة يتنفس منها الاقتصاد؛ الأمر الذي كان يحز في نفوسنا بأنّ معظم العاملين في إدارات الإعلام هم موظفون أكثر من كونهم متخصصين مهنيين وليس لديهم دراية بمواطن القوة في البورصة ويعملون بآليات الموظفين الذين ليس لديهم دراية بما يشهده السوق من زخم استثماري، أو لا يحملون رسالة إعلامية تسعى لتغيير ذهنية المجتمع عن معنى الاستثمار في الأوراق المالية وغير ذلك.
وفي الآونة الأخيرة استبشرت خيرا باختيار الشيخ محمد بن محفوظ العارضي رئيسا لمجلس إدارة بورصة مسقط، وما عُرف عنه من حبه للتحدي أن يقلب البورصة ويعيد لها رونقها ويسهم في النهوض بها إلى المستويات التي نتطلع إليها جميعا والاستفادة من الإمكانيات المتوفرة لها بشكل أكبر، من خلال الاستفادة من البيانات والمعلومات التي تكتنز بها البورصة وتسخيرها إعلاميا في قوالب عدة للتوعية بأهمية الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة.
إنّ توظيف الكم الهائل من البيانات في البورصة عن 110 شركة مدرجة؛ بشكل جيد من شأنه أن يغير مفهوم الاستثمار ؛ ليس في بورصة مسقط والشركات المدرجة فحسب وإنما سوف يغير مفهوم الاستثمار في البلاد ككل، فاليوم لكي نبعث التفاؤل في الأوساط المحلية يجب أن نبرز النتائج من خلال تحليلها ووضعها في قوالب وإيصالها للناس من خلال العديد من القنوات الإعلامية بشكل مبسّط بعيدا عن التعقيدات البيانية والجداول التي لا يستطيع قراءتها حتى المحللين الماليين والوسطاء؛ فكيف للعامة معرفة طلاسمها؟.
وما يثلج الصدر أن نرى بيانات بدأت تظهر عن نتائج الشركات الربعية على هيئة جداول في الحسابات الإلكترونية كما جاءت من الشركات؛ ولكنها ليست كافية لتوعية الناس بما تتضمنه من نتائج تحتاج إلى تحليل مبسط ووضعها في أشكال إعلامية جذابة تسهم في توعية الجماهير بالاستثمار في هذه الشركة أو تلك، فتغيير الصورة الذهنية المترسبة عن الاستثمار في الأوراق المالية يحتاج إلى مجهود إعلامي كبير لا يمكن أن نختزله في إعلانات نتائج تنشر فقط في الصحف كإجراء قانوني أو في الحسابات في أشكالها البيانية المعقدة، بقدر ما تحتاج إلى وضعها في قوالب إعلامية جذابة وإيصالها للمستثمرين بعدة وسائل وبصورة لا تجعل المستثمر يعاني في البحث عن البيانات وإنما في شكل قوالب توصله للمعلومة بيسر وتساعده على اتخاذ قراره الاستثماري بسهولة ووضوح.
إحياء البورصة أو التوعية بالاستثمار فيها لا يتأتى من خلال بعض الآراء التي خيمت على إدارة البورصة بفكر رجعي بأنّ الذي يرغب في الاستثمار سوف يبحث ويأتي للسوق، إلى غير ذلك من الأوهام التي سمعناها من القائمين السابقين على هذا المرفق، متجاهلين وعن عدم وعي بأن المعلومات يجب أن تؤثر على المستثمرين لكي يقبلوا على الاستثمار، وأنه يجب أن تصل إلى المستثمر لا أن تنتظره حتى يأتي إليك.
بالطبع كما أسلفنا العمل في بورصة مسقط من شأنه أن يغير مفاهيم الاستثمار في السلطنة كاملة إذا أحسنا إدارة الإعلام، ووظفنا كمية البيانات التي ترد إلينا من الشركات بشكل أفضل، فنحن لدينا 110 شركة تعلن 4 مرات في السنة وتعقد اجتماعات لجمعياتها العمومية وتعلن النتائج في الاجتماعات وتتخذ قرارات على مدار العام تفصح عنها كإجراء إلزامي.
كل ذلك يحتاج إلى الظهور بشكل أفضل، يعيد صياغة الإفصاح والشفافية من جانب ويحفز على الاستثمار من جانب آخر.
نأمل أن تعيد بورصة مسقط بريقها الخافت وتكون فعلا الرئة التي يتنفس بها الاقتصاد العماني كغيرها من البورصات في العالم.