ثقافة الأوهام

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٢/أبريل/٢٠٢١ ٠٨:٠١ ص
ثقافة الأوهام

بقلم : خالد عرابي

قال الشاعر أبو العلاء المعري: «وينشأ ناشئ الفتيان منا.. على ما كان عوده أبوه».. ونحن معشر العرب -ما شاء الله - ما أن يولد شخص لها، ويشب علي وجه على الخليقة، ويجد نفسه فوق ظهرانين الأرض، و ما أن يعي ويفهم ما حوله إلا وتجد أسرته تعلمه و تنشأه على ثقافة أبسط ما نستطيع أن نصفها به أنها «ثقافة الأوهام»، وتتمثل تلك الثقافة في إحاطته بعالم هلامي، عبارة عن مزيج من الأوهام والخيالات، بدءا من أنا فلان ابن فلان، أنا ابن قبيلة أو عائلة كذا، أنا عمي كذا وخالي كذا، أنا جدي فلان الفلاني.. أنا قريب فلان الذي يعمل في المكان الفلاني.. ويصعد أنا دولتي كذا ، وكانت في الماضي هكذا.. أنا بلدي ذات حضارة عمرها كذا من آلاف السنين .. ثم ينتقل لعالم أكبر أنا عربي ونحن العرب كنا كذا وكذا، و كلها أشياء ممن يتعالى بها على الآخرين من خلق الله.. ونسيت تلك الأسرة أو العائلة أن تعلمه الشيء المهم بل والأهم من هذا وذاك وهو أن يعيش اللحظة وواقعه المعاش، أي ما هو واقعه الآن، وماذا يمثل وما هي حقيقة وضعه ومستواه أو مكانته الحالية.

جال في خاطري ما قلته في السطور السابقة وأنا أتابع كل ما يقال و يتردد في بلداننا العربية مؤخرا حول لقاحات كورونا التي أنتجت حتى الآن ومدى جدواها من عدمه، وأن البعض يقيم ويفند ويقيم ويدلي برأيه ودلوه وأنه معها، كما يأتي أخرون ينظرون ويرون أنهم ضدها لأنهم يرون أن هناك تخوف منها ومن أثارها الجانبية على المدى البعيد، و كذلك ما أراه من كم الرسائل ومقاطع الفيديو التي تتناقل يوميا حول ذلك، والغريب في الأمر أننا كعرب لم ننتج ولو لقاح واحد من هذه اللقاحات، فهذا يشعرني بأننا أمة بالفعل ركنت على التغني بهذا الماضي دون أن تطور أو تنتج جديدا.

كل هذا وأكثر و رصد دقيق حول تراجع الأمة العربية واتكاءها على عكازة التاريخ رأيته في أحد الكتب التي رجعت إلى قراءتها مؤخرا وهو كتاب للكاتب المصري شريف الشوباشي يحمل عنوان: «لماذا تأخرنا وتقدم هم» - وبالطبع هو يعني بمن «تأخرنا» نحن العرب أو الأمة العربية، ويقصد «بهم» أي الغرب والآخرين من دون العرب- .. وهذه هي الحقيقة التي لا شك فيها، والتي ربما يدركها كثيرون منا ولكنهم يتغاضون عنها عن عمد.. لقد كان الشوباشي جريئا في طرحه في كتابة بصراحة وشفافية، وهي الواقع المعاش الآن فنحن تأخرنا، وهم تقدموا بل تقدموا علينا في كل شيء، بل والأكثر من هذا أننا أصبحنا كما العالة عليهم فنحن كائنات تقتات على عيش وفتات ما يبدعه وما يبتكره الغرب، أكثر من هذا أننا نعيش على ما يصدره لنا الغرب حتى في الأفكار.. فنحن أمة تعيش علي ما يبدعه ويبتكره لنا الغرب في التكنولوجيا والطب والصحة وكل ما ييسر أوجه الحياه، ونحن أصبحنا لا نبتكر شيئا، فبدءا من الأبرة إلى الصاروخ كما يقال يأتي من عندهم، فالغرب هو الذي ينتج لنا السيارة والموبايل والأجهزة الإلكترونية وهو الذي يطور لنا كل شهر أو أسبوع أو حتى كل يوم نماذج مختلفة من أجهزة الهاتف النقالة ونحن نتهافت على شراءها.. وبعد هذا وذاك نعود ونسّب الغرب، وإن أتيحت لنا فرصة السفر إليه نفر إليه مهللين مهرولين.

وكان مما تحدث عنه الشوباشي في كتابه ما اسماه بثقافة الكذب وهي مكملة تماما ولا تنفصل نهائيا عما ذكرته في البداية من ثقافة الأوهام، حيث نعلم الأطفال الكذب، وهنا يقصد الكذب على الذات «النفس»، ومن شدة الكذب نصدق ما كذبنا به على أنفسنا ونعيش في هذا العالم.. عالم الأوهاب.. فمتى نفوق من هذه الأوهام ونعلم ابناءنا ثقافة الصدق مع الذات.. ثقافة عيش الواقع .. تلك الثقافة المحترمة.