انخفاض القضايا.. دلالة على وعي المجتمع

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٢/أبريل/٢٠٢١ ٠٧:٥٩ ص
انخفاض القضايا.. دلالة على وعي المجتمع

بقلم: علي المطاعني

يشكل انخفاض القضايا التي باشرها الادعاء العام في السلطنة، والتي تقدر بـ 29 ألف قضية في عام 2019 إلى ما يقارب 24 ألف قضية في عام 2020 بنسبة انخفاض قدرها 18%، يشكل تطورًا إيجابيًا يعكس العديد من الدلالات المهمة التي ‏لا يجب إغفالها، بل تقتضي البناء عليها لتعزيز الأمن الاجتماعي في البلاد وإضفاء المزيد من الطمأنينة والاستقرار لكل من يعيش على هذه الأرض الطيّبة، واستثمار النجاحات التي حققت هذا التطور الكبير في انخفاض القضايا وسط الظروف والأزمات التي نعيشها في الوقت الراهن، والتي تؤخذ في الدراسات بأنّها مجال لزيادة القضايا، كانعكاسات طبيعية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية المترتبة على ما نشهده كبقيّة دول العالم، الأمر الذي يبعث على الارتياح لهذا التقدّم في انخفاض القضايا على اختلافها في البلاد.

فما يثلج الصدر أنّه وفي الوقت الذي يُفترض فيه أن تزداد أعداد القضايا كتطور طبييعي للمجتمعات والتشعّبات التي تشهدها وزيادة السكان وغيرها من العوامل ‏المؤثرة، نجد انخفاضا في القضايا، يعكس في المقام الأول الوعي المجتمعي الذي بدأ يترسّخ في دولة المؤسسات والقانون في السلطنة، ومعرفة الحقوق والواجبات من الجميع، فتناقص القضايا في أي دولة يعكس ثقافة المجتمع، ووعيه في التعاطي مع الأمور من منطلقات عدة، كمعرفته بالنظم والتشريعات والإجراءات التي يتطلب اتباعها في التعاطي مع الآخرين.

وكذلك انخفاض أعداد القضايا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك نجاح المنظومة الأمنيّة في ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في البلاد وما تفرزه من معطيات إيجابيّة تسهم في إضفاء مزيد من الطمأنينة للسكان، فالكل يلحظ بوضوح الدور الذي تلعبه الأجهزة الأمنية في أداء مسؤولياتها والقيام بواجباتها الوطنية في بسط الأمن في كل شبر من هذه الأرض الطيبة.

ولا يخفى على المتابع تطوّر المنظومة القضائية وسرعة الفصل في القضايا، فالعدالة الناجزة تسهم في تعزيز الأمن الاجتماعي والاقتصادي والثقة في إجراءات التقاضي في مراحله المختلفة.

إنّ تناقض القضايا أمر ملفت، ولعلّ من أهمّها طبعا انخفاض حالات القتل من 16 حالة في عام 2019 إلى 9 حالات في عام 2020م، والقضايا الجنائية بلغ عددها 1182 قضية في عام 2020م مقارنة مع 1446 قضية في عام 2019م أي بنسبة انخفاض قدره 18 بالمائة، وهذا تطور يشير بأنّ معدلات القضايا الإجرامية في انخفاض جيّد مقارنة مع كثير من المتغيرات التي يشهدها العالم ونحن جزء لا يتجزأ منه.

كما يضطلع الادعاء العام بدور المسؤول في تخفيف الأعباء عن القضاء، إذ تشير الإحصائيات إلى أنّ عدد القضايا التي أحيلت للقضاء انخفضت بمقدار 4397 قضيّة وبنسبة 53.9 بالمائة إذ بلغت 12841 قضية في عام 2020 مقارنة مع 17283 قضية عام 2019م.

وتبقى في المجمل القضايا الإدارية التي تتمثل في قضايا الشيكات بدون رصيد إذ بلغ عددها 4947 قضية، ومخالفة قانون العمل بعدد 2753 قضية ومخالفة قانون إقامة الأجانب 2584 قضية. أمّا جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية فبلغت 1963 قضية ومخالفة قانون حماية المستهلك بعدد 1750 قضيّة، وجرائم السرقات وابتزاز الأموال بعدد 1699 قضية، والاحتيال بعدد 1205 قضية.. وهذه القضايا من الطبيعي أن تزداد للعديد من الإفرازات الحياتية على اختلافها سواء بالنسبة للفرد أو المجتمع، بجانب الإشكاليات الاقتصادية الناتجة عن التعاملات، ناهيك عن الظروف الصحية التي ألقت بظلالها على كل الأوضاع قي عام 2020 وإلى اليوم.

ما يجدر الإشارة إليه هنا هو أنّ مثل هذه الإحصائيات يجب ألا تبقى مجرد إفصاح سنوي فقط، ويفترض على الجهات المعنية الاستفادة منها بشكل جيد في معالجة بعض الظواهر الاجتماعية، فليست الحلول الأمنية والقضائية هي دائما الفيصل في الحد منها أكثر من احتوائها من الجذور، وإيجاد كل السبل التي تخفّض معدلاتها وفق مسبباتها ودواعيها بكل الأحول وهذا ما نتطلع إلى استثماره من كل الجهات المعنية المختصة كلاً في مجاله.

الجانب الآخر والأهم في القضايا الراهنة هو مواكبة المتغيرات في القضايا الإلكترونية وما تشكله من خطورة بالغة، حتى أصبحت من الأولويات، وذلك لما تشكله من تشكيك في المنطلقات الوطنية، كونها تهدف إلى زعزعة أمن المجتمع وضرب انسجامه وتناغم شرائحه وفئاته، ويجب أن تُحظى باهتمام الجهات المختصة باعتبارها تهديدات محتملة وكبيرة تستغل شبكات التواصل الاجتماعي وبرامجها في بلورة اتجاهات سلبيّة بالمجتمعات.

بالطبع ستبقى مثل هذه القضايا في ارتفاع وانخفاض وفق متغيّرات كثيرة كما أسلفنا في أي مجتمع، وخاضعة للعديد من الاعتبارات، لكن ما يجب الإشارة إليه بأنّ انخفاضها في السلطنة مبشر بالخير، والتفاؤل بأنّ القادم أجمل إن شاء الله.

نأمل أن تُكلل هذه الجهود بالنجاح والتوفيق، وأن نعمل جميعا على خفض مثل هذه القضايا إلى أدنى مستوياتها لينعم الكُل بالأمن والاستقرار.

ويعمل الجميع في هذا الوطن من منظور الحقوق والواجبات، وأن نعلم بأنّ العدالة ماضية في بسط يدها بما يحقق الأمـــــــــان والطمأنينة لكل أفراد المجتمع.