التوطين بالتعليم العالي

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٧/فبراير/٢٠٢١ ٠٩:١١ ص
التوطين بالتعليم العالي
علي المطاعني

مسقط - الشبيبة

بقلم : علي المطاعني

‏تبذل الحكومة جهودا طيبة في توطين الوظائف في سوق العمل بالقطاعين العام والخاص، في إطار جهودها الهادفة إلى توفير فرص عمل للمواطنين وكجزء من الإلتزام بالخطط التي أعلنتها ممثلة في وزارة العمل، إلا أن هذه الخطط للأسف تجد تباينا بين مؤيد ومعارض لها وفق العلاقة البراغماتية لأطراف العلاقة، وكل طرف ينظر للتوطين من الجانب الذي يعنيه سواء أكان مؤيدا أو معارضا، وفي إطار الشد والجذب ينسى أو يتناسى المصلحة الوطنية العليا التي تحتم الترفع عن هذه الجزئيات والصغائر، فإحلال المواطن في مجالات العمل المختلفة ليس إستثناء كما يطرح البعض، وإنما هو الأصل في إستحقاق الوظيفة ويبقى غير المواطن هو الإستثناء دائما ليس في السلطنة فحسب وإنما في كل دول العالم.

فتغيير النظرة لهذا الجانب هو في تقديرنا بداية لتصحيح مسار توطين الوظائف والمهن في البلاد، لإنهاء مثل هذا الجدل السفسطائي الذي يثار بين الفينة والأخرى وفي إطار معاكس لتوجهات الدولة.

ولعل قرار وزير العمل بتوطين الوظائف في مؤسسات التعليم العالي أحد هذه القرارات التي أثارت جدلا كان متوقعا للأسف، في حين أننا لو ألقينا نظرة موضوعية لماهية التعليم العالي الخاص برمته لوجدناه حكوميا بإمتياز، فالملاك يحوزون على السجلات التجارية بأسماء الجامعات والكليات، ولهم الأرباح السنوية، هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، فليست هناك جامعة أو كلية في السلطنة لم تقف الحكومة وراء إنشاءها واستمرارها، والبعثات الدراسية السنوية، فضلا عن الدعم والتسهيلات التي لا يمكن مقارنتها بأي دولة في العالم.

فعندما يصدر قرار بتوطين الوظائف الإدارية والمالية والتعليمية المساعدة في مجالات القبول والتسجيل والإدارة وغيرها نعارض مثل هذه القرارات ونضع أمامها الحواجز والمتاريس، الأمر الذي يثير الدهشة والإستغراب لهذا التعاطي المزدوج والمتناقض مع نفسه بين طموحاتنا بإيجاد فرص عمل لابناءنا وبين رفضنا لتوطين الوظائف وفي إطار كيل واضح بمكيالين للآسف.

في السلطنة الآن أكثر من 28 جامعة وكلية تعليم عال خاصة شهدت تطورا ملحوظا طوال السنوات الفائتة من كافة الجوانب بدعم حكومي الذي يمكنها من إستيعاب الشباب العُماني في العديد من الوظائف والمهن التي تتوفر لها كوادر وطنية في كل المستويات بعد أن شغلت تلك الوظائف بالعمالة غير العُمانية طوال السنوات الفائتة، فلا غرابة أن تتاح الفرصة للكوادر الوطنية في هذا المجال للإسهام في إدارة المسيرة الأكاديمية الخاصة في مؤسسات التعليم العالي، فهذه المهن والوظائف ليست من الصعوبة أن يشغلها الخريجين والخريجات وأصحاب الخبرات من المتعاقدين بالقطاع العام في سلكي التربية والتعليم العالي، وإذا افترضنا جدلا أن البعض يفتقر للخبرة كما يزعم ذلك البعض فما هو المانع من إكتساب الخبرة بمرور الوقت والتدرج في إدارة العمل في كل المجالات.

فاليوم يجب أن تتهيأ الجهات الحكومية والخاصة لمسارات الإحلال في كل مفاصل العمل في الدولة في ظل الظروف الاقتصادية والصحية الراهنة والمعروفة تبعاتها والتي سوف تقلص إن لم تكن قد قلصت بالفعل فرص العمل في القطاعين العام والخاص إلى مستويات متدنية، كما أن الطلب على العمالة سينخفض كثيرا في كل المجالات، إضافة لحتمية إحلال التقنية التي ستقلص الحاجة إلى العمالة.

كل ذلك يتطلب في المقابل إعادة هيكلة منظومة العمل وحصرها على الكوادر الوطنية وما خطط الإحلال التي تنفذها الحكومة إلا جزءا من الخطط التي يفترض أن تشمل الكثير من القطاعات على ضوء ما يتوفر من كوادر وطنية في سوق العمل أو ما نطلق عليهم الباحثين عن عمل.. وقطاع التعليم العالي العام والخاص جزء من هذا التغيير في منظومة العمل التي تركز على إحلال المواطن في كل مهنة يتوفر لها كوادر أو باحثون عن عمل..بالطبع التباين في وجهات النظر مطلوب ومرحبا به لكن لايجب أن يتحول إلى رفض لمجرد الرفض أو كعامل تشويش على التوجهات الوطنية الهادفة إلى إنجاح مثل هذه الخطط الوطنية.

نأمل أن تتوافق وتتفق الرؤى إزاء هذا الملف الوطني والحيوي المهم، ليتسنى بعد ذلك إستيعاب كوادرنا الوطنية في كل ميادين العمل بدون إستثناء أو مساومات أو مزايدات أو مشاكسات، فالوطن في معناه الأسمى هو نفسه المواطن الذي ننشد مصلحته ونعلي رايته لترفرف في كل ميادين الإنتاج.