مسقط - خالد عرابي
لا تزال أوغندا، التي ربما لا تكون روابطها التاريخية مع سلطنة عمان معروفة إلى حد كبير لدى الجيل الأكثر شبابا، ملاذا آمنا للعديد من العمانيين؛ فهي بلدة غنية بالتنوع الثقافي ومعروفة بحسن الضيافة. وفي هذا الإطار أفاد محمد بن ناصر بن عمار الحارثي، الذي أجرى بحثا عن أوغندا وبصدد تأليف كتاب عنها، أن العمانيين يسافرون إلى أعماق القارة الأفريقية من ساحلها الشرقي، وأن أوغندا تعد أحد أهم وجهات السفر بالنسبة للعمانيين.
فقد قال الحارثي أنه "في عهد السيد سعيد بن سلطان في زنجبار، كان العمانيين يقصدون أعماق أفريقيا من ساحلها الشرقي، وكانت أوغندا أحد أهم وجهات السفر بالنسبة للعمانيين. وفي العام 1844، كان أحمد بن إبراهيم العامري الذي قدم الإسلام إلى ملك بوغندا في بوغندا هو أول عماني أجنبي يدخل إلى أوغندا".
وتبعه بعد ذلك العديد من العمانيين والأجانب من أوروبا واليمن والهند. وأضاف الحارثي أن "العمانيين في أوغندا في تلك الأثناء كانوا يستقبلون ويشجعون ويدعمون غيرهم من العمانيين القاديمن إلى أوغندا بطرق عدة كالانخراط في الأعمال التجارية أو بمساعدتهم في السفر من وإلى أوغندا أو غيرها من الأماكن في الدول المجاورة حيثما كانت الحاجة. وقد شعر هؤلاء الضيوف العمانيون وغيرهم من الأجانب بالأمان والتحفيز بسبب هؤلاء". كما أضاف قائلا "إن أسلافي قد مضوا على نفس الدرب، فقد قرر بعضهم الزواج والعيش في أوغندا، وجلب بعضهم أسرته معه إلى هناك".
ويتحدد اللباس في أوغندا حسب المنطقة التي يأتي صاحب الزي منها؛ فبعض القبائل تأثرت بالعالم الخارجي فغيروا أنماط ملابسهم. وقد صرح الحارثي أن "ملك بوغندا (كباكا) الذي اعتنق الإسلام كان أول من ارتدى الدشداشة العمانية (المعروفة محليًا بالكانزو) والبشت (بيسوتي) وتبعه في ذلك كبار المسؤولين لديه في عام 1844. وأصبح الكانزو بعد ذلك لباس الرجال في منطقة بوغندا، وانتشر ببطء إلى المناطق المجاورة مثل تور وبنيورو وبوسوجا". وأضاف الحارثي أيضًا أن "النمط والتصميم الأصلي للدشداشة العمانية الذي اعتادت نساء أسلافنا حياكته بأيدهن ما زال باقيا في أوغندا حيث يُحاك ويصنع محليا".
ومن المثير للاهتمام أن الرجال في أوغندا لا يلبسون الوزرة (المعروفة محليًا بالبيكوي والبكويي) كما يفعل العمانيون، ولكن تلبسها النساء في أوغندا باعتبارها لباسًا بدل على الرقي والفخامة. ومن الجدير بالذكر أن الوزرة القديمة يعود إلى عمان بأشكالها وأنماطها المختلفة؛ فقد كان سكان القرى المحلية قديما في عمان يصنعون هذه الوزرة ثم يطلقون عليها أسماء تشبه سكان القرة العمانية الذين صنعوها ومن ثم تصديرها.
ونجد بعض أسماء الوزرة في أوغندا التي ترجع في أصلها إلى العمانيين عام 1880؛ حيث كان يُعرف بعضها باسم قرياتي المستمد من منطقة قريات وبولا المستمد من منطقة إبراء وسمايلي المستمد من منطقة سمائل.
وأشار الحارثي أيضا أن العمانيين جلبوا معهم بعض الأدوية العمانية مثل الصبار والكالي والقرفة والفلفل الأسود إضافة إلى عادة التبخير باللبان.
وأضاف الحارثي الذي يبلغ من العمر 66 عاما أنه استمتع بحياته في أوغندا، وصرح بأن أسرته العمانية هي من أحضرته إلى هناك، وأنه استمتع بالعيش والدراسة في أوغندا. وبصفته ينتمي إلى سلطنة عمان، فقد قرر أن يكتب عن حياته وتجربته في أوغندا؛ حيث استفادوا الناس هناك من العادات والتقاليد العمانية بطرق عدة تجعله فخورًا بأنه عماني. فالعمانيون يشعرون بالمسؤولية تجاه بعضهم البعض وتجاه تربية أطفالهم على نفس الروح.
فقد استمد السكان هناك بعض العادات العمانية المفيدة وحافظوا عليها والعكس صحيح؛ حيث استفاد العمانيون أيضًا من السكان المحليين هناك وغيرهم من الأجانب. وذكر الحارثي أيضًا أن الناس هناك يميلون إلى التحدث بعدد من اللغات.
وأشار الحارثي أن أسلافه اعتادوا على السماع إلى إذاعة بي بي سي العربية ثم يناقشون ما استمعوا إليه عند ذهابهم لاحتساء القهوة العمانية، وكثيرًا ما كان الحارثي وأقرانه يجلسون حول هؤلاء الشيوخ لخدمتهم والاستماع إلى مناقشاتهم. وأضاف بأن العديد غمرته السعادة عندما تولى السلطان قابوس، رحمه الله، مقاليد الحكم عام 1970، وقرروا العودة إلى سلطنة عمان.
وقد شهدت البيكوي الأوغندية (الوزرة) تغيرا جذريًا إلى عدد من الأنماط المتألقة التي كان بعضها يُستخدم في صناعة الملابس التقليدية (الجوماسي) المستمدة من الوزرة العمانية. وقد انتشر هذا التصميم الجديد في أرجاء البلاد الأفريقية. وقال الحارثي أنه يتمنى رؤية هذا التراث والأثر العماني مسجلًا لدى اليونيسكو.
ومع منتصف القرن الثامن عشر وخصوصاً في عصر الدولة البوسعيدية راح الإسلام ينتشر لأول مرة في مناطق جديدة في أوغندا وأعالي نهر الكونغوا ورواندا وبوروندي فضلاً عن المناطق الداخلية في تنجانيقا وخصوصا منذ أن أصبحت زنجبار مركز إشعاع إسلامي وحضاري منذ أن إتخذها السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي حاضرة الحكم العماني في شرق إفريقيا عام 1238هـ/1832م .
وعن هذه النقلة الحضارية الهائلة في شرق إفريقيا يحدثنا أحد العاملين في حقل الدعوة الإسلامية عن إنطباعاته حينما زار شرق إفريقيا في عام 1392هـ/1973م فيقول : ما يزال الإسلام هو الدين السائد في زنجبار كلها التي تتميز عن سائر مقاطعات شرق إفريقيا بظاهرتين أولها بروز المظاهر الإسلامية في شتى أنحاء الجزيرة وثانيهما الطابع العربي في مظاهر المدينة الخارجية كالمباني والطرقات ويعود ذلك إلى أصالة الإسلام في سكانها بصورة تكاد تشمل جميع السكان على إختلاف أجناسهم ومما يعني عن الإسهاب أن زنجبار وشقيقتها بيمبا تضمان على صغرهما 375 مسجدا أي أن لكل مائة شخص مسجد واحداً بإستثناء النساء وقد كانت زنجبار وفي زمن ليس ببعيد منتدى إفريقيا الشرقية فقد كانت تلقى الدروس في أورقة المساجد على يد نخبة من الرجال الافذاذ الذين بلغوا أعلى المستويات العلمية .
لقد إنتشر الإسلام في عهد البوسعيدين عن طريق قوافل التجار العمانيين القادمين من زنجبار والمدن الساحلية الأخرى ومن أهم الدعاة العمانيين الذين أوصلوا الإسلام إلى أوغندا الشيخ أحمد بن إبراهيم العامري الذي وصل من زنجبار إلى بلاط الملك سنا في مملكة بوغندا ويعتبر وصول هذا الداعية العماني بداية لدخول الإسلام إلى أوغندا .
وتشير المصادر المحلية والأجنبية إلى موقف الشيخ أحمد العامري من الممارسات الهمجية والوحشية التي كانت تتمثل في قتل وسفك دماء الأبرياء من رعايا ملك بوغندا تمشيا مع الطقوس الوثنية الأفريقية التي كان يعتنقها أهل بوغندا وعلى رأسهم الكباكا وهو الملك . وتصادف أثناء وجود الشيخ أحمد العامري أن أصدر الملك أوامره بالقيام بهذه المذبحة فما كان من الشيخ أحمد إلا أن وقف متحدياً وسط دهشة الحضور مخاطباً الملك قائلاً (إن هؤلاء الرعايا الذين تسفك دماءهم كل يوم بغير حق إنما هم مخلوقات الله سبحانه وتعالى الذي خلقك وأنعم عليك بهذه المملكة ).
وكانت دهشة الحاضرين أقوى عندما تميز الملك بضبط النفس وأجاب الشيخ أحمد بأن آلهته هي التي منحته هذه المملكة ودار حوار طويل قلب تفكير الملك لدرجة إنه طلب من الشيخ أحمد أن يعلمه شيئاً من الإسلام وتشير المصادر بأن الشيخ أحمد إستطاع أن يعلمه أربعة أجزاء من القرآن الكريم بعد أن أعلن الرجل إسلامه وهكذا إنفتح الباب على مصراعيه ليمهد الطريق أمام إنتشار الإسلام في أوغندا والمناطق المجاورة.