ضياع أكثر من 900 مليون ريال في عملية تهريب للشارخة !!

مزاج الأحد ٠١/نوفمبر/٢٠٢٠ ١٧:٣٦ م
ضياع أكثر من 900 مليون ريال في عملية تهريب للشارخة !!

مسقط - عباس الزدجالي

هل تعلمون أننا خسرنا في ثلث كمية الأطنان التسعة المهربة فقط من قشريات الشارخة والتي قام بضبطها فريق الرقابة السمكية اليوم (تسعمائة مليون ريال عُماني) .. بالإضافة لتدهور خطير وقع في مصائدها وبيئتها قد يهددها بالاندثار للأبد !! 

في موضوع صيد وتهريب الشارخة كتبت عدة مقالات وعشرات المداخلات التوضيحية محذرا من المصير القاتم الذي ينتظر هذه الثروة البحرية القيمة التي صدق وصف أحد صيادي مصيرة لها بـأنها « نعمة بوزن الذهب ».

قبل ١٤ عاما وبالتحديد في ٢٢ فبراير من عام ٢٠٠٦م طرحت المقال التالي في منتدى (سبلة العرب) بعنوان (تهريب طن ونصف من الشارخة وخسارة 150 مليون ريال !) .. وأعدت طرحه من جديد تذكيرا بالعملية الأولى وذلك أثر ضبط كمية أخرى منها بعنوان (لقد أسمعت لو ناديت حيًّا .. ولكن لا حياة لمن تنادي !؟) بتاريخ ١ أبريل ٢٠١٧م .. هنا أعيد الطرح للمرة الثالثة بعد هذه الضبطية الهائلة والقياسية التي تسببت في خسارتنا لبلايين الريالات .. فما أشبه اليوم بالبارحة وقبلها!! 

تهريب طن ونصف من الشارخة وخسارة 150 مليون ريال !

قرأت اليوم في الشبيبة خبرا كنت أتمنى سماعه منذ سنين طويلة .. فقد ضبطت أخيرا الرقابة السمكية بوزارة الزراعة والاسماك طنا ونصف الطن (1500 كيلوغرام) من قشريات الشارخة كانت معدة للتهريب عبر المنافذ الحدودية البرية للسلطنة.

وبعد فحصها تبين أنها كانت تضم الى جانب الإناث المحملة بالبيض (عادة يبلغ البيض الذي تحمله الأنثى حتى يفقس وتخرج اليرقات نحو 600,000 إلى مليون بيضة تقريبا لكل أنثى) عددا كبيرا من صغار الشارخة , وهي إلى جانب الإناث يمنع صيدها قانونيا خارج الموسم الذي يستغرق شهرين وأعتقد يبدء من منتصف أكتوبر ولغاية منتصف ديسمبر.

يذكر أن الشارخة والصفيلح يعتبران من أهم الصادرات البحرية العمانية الفاخرة ويزداد الإقبال عليها عاما بعد عام وهي عادة ما تقتصر على تزيين موائد الأغنياء نظرا لأسعارها العالية في أسواق الشرق الأقصى وأوروبا وأمريكا.

لقد أثلج هذا الخبر صدري بالفعل .. ويبدو أن العاملين بالرقابة وفقهم الله دوما استطاعوا هذه المرة تبييض وجوهنا كما يقال وضبط كمية هائلة من ثروتنا البحرية حاول لصوص بلا ضمير ووازع تهريبها "عيني عينك" وخارج موسمها المحدد.

وأتمنى من قلبي إلا يتم إتلافها وأن تحفظ وتباع بمزاد علني محلي أو خارجي ويذهب ريع بيعها للمشاريع الخيرية أو لمشاريع الرقابة السمكية وبحوثها مع تخصيص مكافأة مجزية للذين تمكنوا من ضبط وكشف عملية التهريب هذه. 

كنت أسمع دوما بالمخالفات والسرقات والقرصنة الحاصلة في بحارنا واستنزاف ثروتنا السمكية وبالأخص من شركات الجرف والتصدير غير القانوني والتهريب والصيد خارج المواسم وذلك علاوة على قراصنة الأسماك الذين يصطادون في مياهنا خلسة ولا يتم اكتشافهم من قبل أجهزة المراقبة بالوزارة في معظم الأحيان !؟

ولندقق علميا واقتصاديا في الكمية المضبوطة لنتبين مدى الضرر الذي سببه صيدها خارج الموسم في البيئة البحرية التي تحيي فيها هذه القشريات. ولكن قبل ذلك لنتعرف باختصار على الشارخة .. هذه القشرية التي يسيل لها لعاب الأغنياء في العالم وتتبوء رأس قوائم الطعام في أفخر المطاعم وأغلاها. 

يعرف النوع التجاري الرئيسي الذي تشتهر به المياه الساحلية العُمانية رغم وجود ثلاثة انواع اخرى بـ «شارخة الصخور» بالانجليزية (scalloped spiny lobster) وعلميا (panulirus homarus). أما النوع الثاني من «الشارخة» وإن كان اقل شيوعا فيعرف باسم «الشارخة الملونة» (painted rock lobster) علميا (panulirus versicolour) .. هذا وينتشر النوع الرئيسي من رأس الحد مرورا بسواحل مصيرة وعلى طول سواحل المنطقة الوسطى وصولا لحدودنا البحرية مع جمهورية اليمن الشقيق.

يذكر أنه في مستهل السبعينيات كان أهالي هذه المناطق على جهل تام بأهمية هذه القشريات اقتصاديا كما كان أيضا حال صيادي مسقط كذلك. وكانوا يبادلون ما يقع في شباكهم بالصدفة من هذه القشريات ذات الأشواك والأرجل العديدة الطويلة التي تشبه العناكب الكبيرة مقابل البترول من مراكز شركة تنمية نفط عُمان في مرمول ونمر.

وعندما اكتشفوا ارتفاع أسعارها وازدياد الطلب عليها خارجيا وداخليا ومع تطور شبكة الطرق والمواصلات بدأت أسعارها في الإرتفاع تدريجيا وشهدت السواحل المذكورة بالتالي اندفاعا يشبه اندفاع الباحثين عن الذهب من قبل الصيادين الذين اعتبروها ثروة هبطت عليهم من السماء ودبت الفوضى في المصائد وعلى طول السواحل حيث قاموا بصيدها عشوائيا وبالشباك وبكميات رهيبة من صغار وأناث محملة بالبيض وطوال أشهر السنة ما عدا فترة الخريف.

ويحضرني في هذا الشأن حوار دار بيني وبين أحد صيادي مصيرة عند مصنع الأسماك الذي كان قد افتتح في الجزيرة قبل عقدين أو أقل حين سألته وقد جاء بسيارة لندروفر محملة بالكامل بالشارخة وكان بعضها لايزال حيا: بما أنكم تصطادون هذه القشريات وبكميات مجزية هل تخصصون بعضا منها لتأكلوه على العشاء مثلا فهي لذيذة ؟؟ .. نظر الي الصياد مستغربا ومستهجنا سؤالي .. وبدلا من الإجابة بادرني بسؤال قائلا: هل رأيت أيا من بني البشر يأكل ذهبا .. هذه نعمة بوزن الذهب فهل تريد لنا ان نأكل الذهب !!؟؟

كما أتذكر قصة طريفة أخرى عن الشارخة سمعتها من أحد الاصدقاء وفيها: أن صيادي مسقط وبالذات أولئك الذين كانوا يصطادون في المناطق الصخرية حول خليج مسقط وتقع أحيانا قشريات الشارخة التي تعيش في الشقوق الصخرية في شباكهم كانوا يمرون بصيدهم هذا بمحاذاة القنصلية البريطانية على الساحل حيث إن رأهم القنصل قام بشرائها منهم بسعر زهيد معلقا بأن هذا النوع من السمك لا يأكله سوى الانجليز !! 

ياترى من كان يضحك على الآخر.. هل هو القنصل الذي استغل سذاجة الصيادين أم الصيادين الذين كانوا يعتقدون أنهم استغلوا سذاجة القنصل ببيعه أسماك لا قيمة لها عادة في السوق حيث ينفر الناس من شكلها واشواكها واذرعها التي تشبه العناكب !؟

عودة لموضوعنا الرئيس حول ضبط طن ونصف من الشارخة قبل تهريبها من الناحيتين البيئية والاقتصادية

بيئيا يتسبب اصطياد هذا الكم الهائل من الشارخة في غير موسمه الى ضرر كبير يتمثل في حرمانها من التكاثر والنمو وبالأخص في أهم أطوار حياتها .. فالإناث إن كانت تمثل ثلث الكمية أي 500 كيلو وبمعدل كيلو للأنثي الواحدة يعني أننا قضينا على فرصة 500 أنثي في وضع بيضها, وعادة تضع الأنثي الواحدة نحو 600,000 إلى مليون بيضة تكون في أكياس تحت ذنبها وبطنها وتفقس عندما تتكون كيرقات .. ومن هذه الكمية ينجو نحو عشرة في المائة فقط أي نحو 100,000 شارخة من مجموع بيض شارخة واحدة.

اقتصاديا .. نجد أننا باصطيادنا للإناث الـ 500 حرمنا أنفسنا من 50,000,000 مليون شارخة وإن بيعت بسعر ثلاثة ريالات للكيلو سنجد أننا خسرنا 150,000,000 مليون ريال (مائة وخمسون مليون ريال عُماني) ولا داعي لحساب ثمن الثلثين الباقيين !!

هنا تتضح فداحة الخسارة بيئيا واقتصاديا .. فالصيد الجائر والقائم على العشوائية والجشع سيؤدي الى اندثار الشارخة والصفيلح وسيحرم الأجيال القادمة من مصدر متجدد للثروة.

وأخيرا أتمنى أن تكشف الأيام المقبلة عن هم هؤلاء المهربين ومن يقف ورائهم من هوامير وصيادين جشعين باعوهم هذه الكمية ومن هو المشترون وكم عملية سابقة قاموا بها ونجحت.

لاشك أنه باكتشاف هذه العملية اتضح بجلاء أن ما كنا ننادي به في هذه السبلة من حماية لثروتنا السمكية من جشع الهوامير لم يأتي من فراغ ونحن بانتظار مستجدات هذه القضية والاحكام التي ستصدر بحق الذين حرمونا من 150 مليون ريال وطن ونصف من الشارخة.