سياسات القضاء على شلل الأطفال

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/مارس/٢٠١٦ ٠١:٠٠ ص
سياسات القضاء على شلل الأطفال

جوناثان كينيدي
دومنا ميخاليذو

قبل بضع سنوات، بدا الأمر وكأن الحملة العالمية من أجل القضاء على شلل الأطفال قد توقفت. فبعد عقود من الجهود المبذولة من أجل القضاء على الفيروس، ظل مستوطناً بصورةٍ عنيدة في باكستان وأفغانستان ونيجيريا. ثم اكتُشفت عام 2013 و2014 عودته إلى سبع دول في إفريقيا والشرق الأوسط كانت خالية منه قبل ذلك، مما حث منظمة الصحة العالمية على إعلان أن عودة ظهور المرض هي حادثة صحة عامة طارئة تشكل سبباً للقلق الدولي.
ورغم هذه الانتكاسة، فإن العالم الآن أقرب من أي وقت مضى للقضاء على شلل الأطفال. في 2015، كانت هناك 74 حالة جديدة من المرض، أي أقل من العام السابق بنسبة 80% وأقل إجمالي سنوي على الإطلاق. وتركزت كل الحالات في بلدين فقط، 54 حالة في باكستان و20 حالة في أفغانستان. والأكثر من ذلك أنه قد مرَّ 18 شهراً منذ اكتشاف آخر إصابة بالفيروس في إفريقيا.
تنبئنا أسباب هذا التحول البارز بالكثير، إذ توضح التحديات التي تواجه العاملين في الصحة العامة وأفضل الطرق للتغلب عليها.
لم تَعُد الحواجز أمام القضاء على شلل الأطفال طبية، فالمرض لا ينتشر حيث تعمل برامج التطعيمات دون عوائق. خلال الخمسة أعوام الماضية، وقعت حالات الإصابة بشلل الأطفال حصراً تقريباً في خمس دول متأثرة بالنزاعات، وهي: نيجيريا، وباكستان، وأفغانستان، والصومال، وسوريا. ولأن برامج التحصين تكون بقيادة الحكومات الوطنية ومنظمة الصحة العالمية، التي تعمل عن قرب مع الأنظمة العاملة بالفعل بصفتها هيئة متخصصة من هيئات الأمم المتحدة، فقد يكون من الصعب تنفيذ برامج التطعيمات في المناطق حيث يشن المسلحون حرباً ضد الدولة.
نتج انخفاض عدد حالات شلل الأطفال بدرجةٍ كبيرةٍ عن تحسُّن القدرة على الوصول إلى مثل هذه المناطق. ففي نيجيريا وباكستان، تمكنت برامج التطعيمات من الاستئناف بعد تثبيت القوات سيطرة الدولة على الإقليم المتأثر بالنزاع.
وقعت معظم حالات شلل الأطفال في شمال نيجيريا وشرقها، حيث اختطفت الجماعة الإرهابية بوكو حرام العاملين في برامج التحصين وقتلتهم، معرقِلةً بذلك برامج التطعيمات مما أدى إلى ترك أكثر من مليون طفل دون حماية. بعد أن دفعت قوة عسكرية إقليمية هذه المجموعة نحو غابات وجبال قليلة السكان، تمكن العاملون في برامج التحصين من الوصول إلى المناطق التي كان يسيطر عليها المتمردون سابقا.
يتمركز شلل الأطفال في باكستان في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية في شمال غرب البلاد، حيث طالبان أقوى من أي مكانٍ آخر. في عام 2012، منع القادة المسلحون في المنطقة برامج التحصين خوفاً من استغلالها في جمع معلومات استخباراتية تساعد الولايات المتحدة في تنفيذ هجمات بطائرات بدون طيار. نتيجةً لذلك، لم يحصل من مليون إلى 3.5 مليون طفل باكستاني على التطعيمات.
ثم تغير ذلك في صيف 2014، عندما أخضع الجيش الباكستاني أجزاء كبيرة من المنطقة لسيطرة الحكومة. فخلال عام واحد، انخفض عدد حالات شلل الأطفال من 306 حالة إلى 54.
استخدام القوات العسكرية لتثبيت سيطرة الدولة على المناطق المتأثرة بالنزاع ليس هو الطريقة الوحيدة لتحسين قدرة العاملين في مكافحة شلل الأطفال على الوصول إلى هذه المناطق، وفي بعض الحالات ربما لا يكون الطريقة الأكثر فعالية. في أفغانستان والصومال وسوريا، كانت الحكومات إما غير قادرة على فرض سلطتها على المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين أو غير راغبة في ذلك. فتكيف العاملون في برامج التحصين مع الواقع السياسي بدلاً من ذلك وعملوا مع المسلحين لكي يتمكنوا من الوصول إلى المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
تعاونت حركة طالبان في أفغانستان مع برامج التطعيمات ضد شلل الأطفال منذ تسعينيات القرن الفائت. لقد رحب القادة المحليون بالعاملين في برامج التحصين في معظم الحالات، إذ تبين لهم أن برامج التحصين هي أحد أشكال المناصرة التي تعزز سلطتهم. كانت حالات شلل الأطفال القليلة التي اكتُشِفت إما حالات انتقلت عبر الحدود من باكستان أو وقعت في مناطق بها نزاع عنيف بين طالبان والحكومة الأفغانية أسفر عن تعطيل الحملات ضد شلل الأطفال مؤقتا.
وفي الصومال، على النقيض، لطالما منعت حركة الشباب الإرهابية العاملين في مكافحة شلل الأطفال من العمل في المناطق الخاضعة لسيطرتها، إذ ترى حملات التطعيمات باعتبارها جزءاً من حملة أجنبية لفرض حكومةٍ مركزية. كان هناك مليون طفل لم يحصل على التطعيم بين عامي 2010 و2013، عندما تفشّى مرض شلل الأطفال. ومنذ ذلك الحين، تحسَّنت قدرة حملات التحصين على الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، عبر تعيين طاقم عمل مُدرَّب محلياً للعمل داخل نطاق عشائره والتفاوض مع القادة العسكريين المحليين على دخول هذه الحملات.
وفي سوريا، بعد بداية انتفاضة عام 2011، منعت الحكومة منظمة الصحة العالمية من العمل في المناطق غير الخاضعة لسيطرتها. لم يحصل ما يزيد عن ثلاثة ملايين طفل على التطعيم ضد شلل الأطفال، مما أدى إلى تفشّي المرض في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين عام 2013. استجابةً لذلك، أجرى تحالف ظرفي مؤقت، يشمل مجموعات المعارضة المعتدلة والسلطات التركية والمنظمات غير الحكومية المحلية، سلسلةً من حملات التطعيمات واحتوت هذا التفشّي. تفاوض التحالف مع قادة المتمردين المحليين على دخول الحملات، وسمح لهم باختيار المتطوعين القائمين على التطعيمات. فأذنت الجماعات المسلحة ــ حتى تنظيم داعش المزعوم ــ لحملات التحصين بالعمل في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
الدرس واضح. يتعين على حملات التحصين الناجحة تأمين دعم القادة السياسيين الفعليين لها، سواء كانوا قادة دولة معترف بها دولياً أو قادة منظمة مسلحة ذميمة. بقدر ما قد يكون العمل مع مجموعات مثل الدولة الإسلامية مستهجنا، من المهم أن نتذكر أن الهدف الأساسي لجهودٍ مثل الحملة من أجل القضاء على شلل الأطفال هو تحسين صحة الناس أينما يقيمون.

جوناثان كينيدي: مدرس بكلية السياسة العامة في كلية لندن الجامعية.
دومنا ميخاليذو: مدرسة بمركز دراسات التنمية في جامعة كامبريدج،