حل لغز الإنتاجية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٥/مايو/٢٠١٨ ٠٩:٣٦ ص

جيمس مانيكا ؛ مايرون سكولز

لسنوات طويلة، كان أحد الألغاز الكبرى في الاقتصاد يتلخص في تفسير نمو الإنتاجية المتدهور في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة. وقد اقترح خبراء الاقتصاد مجموعة عريضة من التفسيرات، تتراوح من القياس غير الدقيق إلى «الركود المزمن» إلى التساؤل حول ما إذا كانت الإبداعات التكنولوجية الحديثة منتجة.

ولكن يبدو أن حل اللغز يكمن في فهم التفاعلات الاقتصادية، بدلاً من تحديد متهم وحيد. وعلى هذا الأساس، ربما نصل إلى السبب وراء تباطؤ نمو الإنتاجية.

بدراسة السنوات العشر التي مرت منذ الأزمة المالية التي اندلعت في العام 2008 ــ وهي الفترة التي شهدت تدهوراً حاداً في نمو الإنتاجية في العديد من الاقتصادات المتقدمة ــ يمكننا تحديد ثلاث سمات بارزة: انخفاض نمو كثافة رأس المال إلى مستويات غير مسبوقة تاريخيا، والتحول الرقمي، وضعف تعافي الطلب. وتساعدنا هذه السمات مجتمعة في تفسير السبب وراء هبوط نمو الإنتاجية السنوي بنحو 80 % في المتوسط في الفترة من 2010 إلى 2014، إلى 0.5 % فقط، من 2.4 % قبل عشر سنوات.
ولنبدأ هنا بضعف نمو كثافة رأس المال، والذي يشير إلى قدرة القوى العاملة على الوصول إلى الآلات، والأدوات، والمعدات. فقد تباطأ نمو مجموعة الأدوات المتوسطة هذه ــ بل تحول إلى السلبي في الولايات المتحدة.
في الفترة من 2000 إلى 2004، سجلت كثافة رأس المال في الولايات المتحدة نمواً بمعدل سنوي مركب بلغ 3.6 %. وفي الفترة من 2010 إلى 2014، انخفضت بمعدل سنوي مركب بلغ 0.4 %، وهو أضعف أداء طوال فترة ما بعد الحرب. ويُظهِر تحليل مكونات إنتاجية العمل أن تباطؤ نمو كثافة رأس المال ساهم بنحو النصف أو أكثر في انحدار نمو الإنتاجية في العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة.
تمكن الضعف من نمو كثافة رأس المال بفِعل تباطؤ كبير في الاستثمار في المعدات والمباني. وما زاد الطين بلة أن الاستثمار العام كان أيضاً في انحدار. على سبيل المثال، شهدت الولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة انحدارا طويل الأمد بمقدار نصف نقطة إلى نقطة مئوية كاملة في الاستثمار العام في الفترة بين ثمانينيات القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، وكان الرقم ثابتا تقريبا أو في تناقص منذ ذلك الوقت، الأمر الذي أدى إلى نشوء فجوات كبيرة في البنية الأساسية.
كان تعافي الاستثمار غير الملموس، في مجالات مثل البرمجيات والبحث والتطوير، أسرع كثيراً بعد انخفاض بسيط لفترة وجيزة في أعقاب الأزمة في العام 2009. ويعكس النمو المستمر في مثل هذه الاستثمارات موجة التحول الرقمي ــ السمة الثانية البارزة في هذه الفترة من نمو الإنتاجية الهزيل ــ التي تجتاح الصناعات الآن.
ونحن نقصد بالتحول الرقمي التكنولوجيا الرقمية ــ مثل الحوسبة السحابية، والتجارة الإلكترونية، والإنترنت عبر الأجهزة المحمولة، والذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وإنترنت الأشياء ــ التي تتعدى عملية التحسين الأمثل وتحويل نماذج الأعمال، وتبديل سلاسل القيمة، وطمس الخطوط عبر الصناعات. وما يميز هذه الموجة الأخيرة عن طفرة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تسعينيات القرن العشرين هو اتساع وتنوع الإبداعات: المنتجات والميزات الجديدة (على سبيل المثال، الكتب الرقمية وتتبع المواقع اللحظي)، والطرق الجديدة لتسليم هذه المنتجات (على سبيل المثال، فيديو البث الحي) ونماذج الأعمال الجديدة (على سبيل المثال، أوبر وتاسك رابيت).
ومع ذلك، هناك أيضاً أوجه تشابه، وخاصة في ما يتصل بالتأثير على نمو الإنتاجية. كانت ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واضحة في كل مكان باستثناء الإحصاءات الخاصة بالإنتاجية، كما لاحظ الخبير الاقتصادي روبرت سولو. والواقع أن مفارقة سولو، كما عُرِفَت (على اسم الخبير الاقتصادي) حُلَّت في نهاية المطاف عندما تسببت بضعة قطاعات ــ التكنولوجيا، وتجارة التجزئة، والجملة ــ في إشعال شرارة طفرة الإنتاجية في الولايات المتحدة. واليوم، ربما نكون في الجولة الثانية من مفارقة سولو: فبرغم أن التكنولوجيات الرقمية مرئية في كل مكان، فإنها لم تعمل بعد على تغذية نمو الإنتاجية.
أظهرت أبحاث معهد ماكينزي العالمي أن القطاعات الخاضعة للتحول الرقمي بدرجة عالية في ما يتعلق بالأصول، والاستخدام، وتمكين العمال ــ مثل قطاع التكنولوجيا، ووسائط الإعلام، والخدمات المالية ــ تحقق إنتاجية عالية. لكن هذه القطاعات صغيرة نسبيا فيما يتصل بحصتها في الناتج المحلي الإجمالي وتشغيل العمالة، في حين تخضع قطاعات أكبر مثل الرعاية الصحية والبيع بالتجزئة إلى قدر أقل كثيراً من التحول الرقمي، وتميل أيضا إلى انخفاض إنتاجيتها.
كما تشير أبحاث معهد ماكينزي العالمي إلى أنه في حين يَعِد التحول الرقمي بفرص كبيرة في ما يتصل بتعزيز الإنتاجية، فإن الفوائد لم تتحقق بعد على نطاق واسع. في دراسة مسح حديثة أجراها معهد ماكينزي، ذكرت الشركات العالمية أن أقل من ثلث عملياتها الأساسية ومنتجاتها وخدماتها كانت خاضعة للتشغيل الآلي أو التحول الرقمي.
وقد يعكس هذا عوائق التبني وتأثيرات التباطؤ، فضلا عن تكاليف التحول. على سبيل المثال، في نفس الدراسة، ذكرت الشركات التي كانت خاضعة للتحول الرقمي أن 17% من حصتها في السوق من المنتجات والخدمات الأساسية التهمتها منتجاتها أو خدماتها الرقمية. علاوة على ذلك، فإن أقل من 10% من المعلومات المتولدة والتي تتدفق عبر الشركات رقمية ومتاحة للتحليل. ومع تزايد سهولة إتاحة هذه البيانات عبر سلاسل الكتل، أو الحوسبة السحابية، أو إنترنت الأشياء، فإن النماذج الجديدة وأشكال الذكاء الاصطناعي ستعمل على تمكين الشركات من الإبداع وإضافة القيمة من خلال فرص استثمارية كانت غير مرئية في السابق.
أما السمة الأخيرة التي تبرز في هذه الفترة من تباطؤ نمو الإنتاجية على نحو غير مسبوق تاريخيا فهي ضعف الطلب. نحن نعرف من صانعي القرار في الشركات أن الطلب عنصر بالغ الأهمية للاستثمار. على سبيل المثال، وجد استطلاع أجراه معهد ماكينزي العالمي في العام الفائت أن 47% من الشركات التي تعمل على زيادة ميزانيات الاستثمار تفعل هذا بسبب الزيادة في الطلب أو توقعات الطلب.
وفي مختلف الصناعات، كان بطء تعافي الطلب في أعقاب الأزمة المالية عاملا رئيسيا في إعاقة الاستثمار. وأدت الأزمة إلى تفاقم حالة عدم اليقين بشأن اتجاه الطلب الاستهلاكي والاستثماري في المستقبل. وجرى تأجيل قرار الاستثمار وتعزيز الإنتاجية بحكمة. وعندما بدأ الطلب يتعافى، كانت صناعات عديدة تحتفظ بقدرة فائضة وتملك الحيز اللازم للتوسع وتوظيف العاملين دون الحاجة إلى الاستثمار في معدات أو مباني جديدة. وقد أدى هذا إلى انخفاض نمو كثافة رأس المال إلى مستويات غير مسبوقة تاريخيا ــ وهو العامل الأكبر على الإطلاق وراء ضعف نمو الإنتاجية ــ في الفترة من 2010 إلى 2014.
ولكن مع تبني المزيد من الشركات للحلول الرقمية، ومع تعزز تعافي الطلب بفِعل الأشكال الجديدة من فرص تشغيل القوى العاملة والاستثمار، نتوقع أن يتعافى نمو الإنتاجية. وتساهم عوامل لا حصر لها في مكاسب الإنتاجية، لكن نظير المحرك البخاري في القرن الحادي والعشرين ــ التحول الرقمي، والبيانات، وتحليلها ــ هو الذي سيعمل على تحريك وتحويل النشاط الاقتصادي، وإضافة القيمة، وتمكين مكاسب الإنتاجية المعززة للدخل والرفاهة.

جيمس مانيكا رئيس معهد ماكينزي العالمي، وشريك رئيسي في مكتب ماكينزي آند كومباني في سان فرانسيسكو.

مايرون سكولز حائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد، وأستاذ مقعد فرانك باك الفخري في الإدارة المالية في كلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال في جامعة ستانفورد.

جيمس مانيكا ؛ مايرون سكولز