
في عام من الأعوام الخوالي كنتُ وأسرتي في زيارة للمملكة المتحدة، ابنتي ذات الأربعة أعوام كانت تقف في السيارة ماركة فورد في المقاعد الخلفية، وبما أنها كذلك لم تكن ملتزمة بربط حزام الأمان، وبالطبع الالتزام المعني مقصود به الوالدين؛ وعلى ذلك فقد تلقينا تنبيهات من شرطية مرور بريطانية بوجود خطر على سلامة الطفلة وهي في ذلك الوضع. في الواقع شكرتها على نصيحتها الغالية وقمت على الفور بتصحيح الوضع وبما يتسق مع سلامتها بربط حزام الأمان وكما ينبغي.
هذه الواقعة عادت أمام ناظري بكل تفاصيلها الدقيقة رغم مرور سنوات عليها، حدث ذلك وأنا أشاهد الأطفال لدينا وخاصة في بعض الولايات وهم وبصحبة ذويهم في سيارات مكشوفة بالبيك آب واللاندروفر وهم وقوف وبدون ربط حزام الأمان أو أي احتياطات تذكر على صعيد الأمن والسلامة، وهم وبهذا النحو يقفون مباشرة ووجهاً لوجه أمام كل الأخطار المحتملة خاصة عندما تكون السيارة مسرعة، وجميعنا يعرف نوعية هذه الأخطار فالوقوف المفاجئ، هو بالنسبة لهم كارثة محتملة، وقد يجدون أنفسهم خارج السيارة ارتطاماً بقارعة الطريق، والنتيجة معروفة ولا تحتاج إلى وصف أو توصيف.
في هذا الأسبوع كنتُ في ولايتي جعلان ويا سبحان الله فقد رأيتُ هذه المشاهد المروعة ماثلة أمام ناظري، فها هي سيارة لاندكروزر منطلقة بسرعة والأطفال في الخلفية يتقافزون كالأرانب إظهاراً للحبور والابتهاج والمسرة، والسائق سعيد بالطبع وهو يرى أطفاله كما يحب أن يراهم دوماً وأبداً في قمة السعادة التي وفرها لهم حباً وكرامة، غير أنهم وفي منعطف حاد ومفاجئ كادوا أن يتطايروا كعصافير مهيضة الجناح خارج السيارة لولا عناية المولى عز وجل.
بالطبع هذا غيض من فيض وهذه واحدة من حالات كثيرة أخرى على هذا النحو ماثلة للعيان.
هذا يتطلب من الجهات المختصة إصدار أطر وتشريعات فورية تمنع منعاً باتاً ركوب الأطفال في سيارات مكشوفة وبدون وجود أي متطلبات للسلامة تذكر، مقترنة برقابة على مدار الساعة على الأماكن التي تكثر فيها مثل هذه الممارسات وخيمة العواقب.
سألتُ نفسي وأنا في جعلان وأنا أشاهد أمام ناظري حالتين على هذا النسق والأطفال يتعرضون بنحو مباشر لخطر السقوط من سيارة مسرعة عن أسباب ومسببات الإهمال الذي يتعرض له فلذات الأكباد في حالات الوفاة والإعاقة الدائمة لا سمح الله، وكلها مخاطر ناتجة من عدم ضبط هذه الممارسات الطائشة قانوناً وإيقافها بنحو نهائي.
هذا وصف ليس للتشبيه أو المقارنة ولكننا والحق يقال نرى السيارات التي تنقل الحيوانات تتخذ فيها إجراءات للصحة والسلامة، فتربط في أسياخ السيارة خوفاً عليها من الاندفاع خارج المركبة في حالات الوقوف المفاجئ أو الاصطدام، وفي المقابل فإن الأطفال لا يجدون أدنى إجراءات السلامة التي تحميهم من غدر الطريق ومن عواقب حوادثه الدامية، وبمقارنة أخرى منطقية نجد أن البضائع في الشاحنات تتخذ بشأنها أيضا إجراءات للسلامة صارمة فتربط بإحكام بحبال متينة تلافياً لخطر السقوط، وإذا كان الأمر كذلك مع الحيوانات والبضائع فكيف هو الحال بأطفالنا.
وفي مسقط العاصمة البديعة وفي هذه الأيام الشتوية الجميلة أشاهد أحياناً بعض الآباء وأولياء الأمور يضعون أطفالهم أمامهم وعلى أرجلهم في مقدمة مقود المركبات إظهاراً وتأكيداً للحب والحنان، والآخر يسمح للأطفال بإخراج نصف أجسامهم خارج نوافذ المركبة أو عبر الفتحات العلوية تأكيداً على أنهم مبتهجون، ضارباً عرض الحائط بالخطر المحدق بهؤلاء الأطفال الأبرياء..
هكذا ممارسات لا تقابل بالردع القانوني اللازم على ما يبدو حتى اعتبرها البعض بأنها مجازة قانوناً ومسموح بها في كنف الحق المشروع إزاء التعبير عن السعادة.
بالطبع ندرك ونتفهم حقيقة أن البعض يذهب بعيداً في التعبير عن حبه لأطفاله، ولكن هذا الحب الرائع لا ينبغي أن يعرضهم للخطر وبالنحو الذي أشرنا إليه، ونؤكد بأننا على يقين بأن الجميع حريص كل الحرص على سلامة الأطفال ولا أحد يرغب في رؤيتهم في مواضع الخطر، فهم وعندما يفعلون ما يفعلون فهذا يأتي من باب إظهار أكبر قدر من الحب، بيد أنهم لا يعلمون أنهم يقدمون إليهم أكبر قدر من الأذى. نعم إنها حقيقة مؤلمة ومبكية للآباء وأولياء الأمور ونحن نقولها لهم عن طيب خاطر.
هناك من يدرك فعلاً ضرورة توفير السلامة للأطفال في المركبات فيجلبون الكراسي المخصصة لهم للجلوس في المقاعد الخلفية ويحرصون على ربط الأحزمة الموجودة في هذه الكراسي حتى عمر الخامسة وأكثر، وهناك بالطبع النوع الآخر محور الحديث.
نأمل من الجهات المختصة إصدار تشريعٍ واضح يمنع بموجبه ركوب الأطفال في السيارات المكشوفة وبدون موانع أو حواجز مانعة للسقوط، وكذلك مراقبة الممارسات الخاطئة في هذا الشأن وتوقيع الجزاءات اللازمة، فسلامة أطفالنا خط أحمر متفق عليه.