واشنطن - موسكو - وكالات
شهدت العلاقات الروسية الأوروبية هذا الأسبوع انحدارا كبيرا على المستوى الدبلوماسي عقب اتهام الحكومة البريطانية لموسكو بتسميم العميل الروسي السابق سكريبال.وأعلنت 23 دولة، بينها بريطانيا، والولايات المتحدة وكندا، و16 دولة من الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين، عن طرد عدد من الدبلوماسيين الروس من أراضيها.
وربما بدت أكبر عملية طرد للدبلوماسيين الروس من الولايات المتحدة منذ الحرب الباردة وكأنها تصعيد كبير من جانب واشنطن تجاه موسكو غير أن تهيئة الوضع لموقف أمريكي أكثر عداءً بدأت تتبلور شيئا فشيئا منذ شهور على مرأى ومسمع من الجميع. ورغم أن نبرة الرئيس دونالد ترامب الاسترضائية تجاه موسكو احتلت عناوين الصحف فقد اتّخذ مسؤولون في وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والبيت الأبيض سلسلة من القرارات غير اللافتة للأنظار خلال العام الأخير بهدف التصدي لروسيا في مختلف أنحاء العالم من أفغانستان إلى كوريا الشمالية إلى سوريا.
ففي وقت سابق أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في مارس خططا لتزويد أوكرانيا بصواريخ مضادة للدبابات لحمايتها من الانفصاليين المدعومين من روسيا في الشرق الأوكراني. وكان الرئيس السابق باراك أوباما قد امتنع عن أخذ هذه الخطوة خشية استفزاز موسكو.
وفي سوريا قتلت القوات الأمريكية الشهر الفائت وأصابت ما يصل إلى 300 من العاملين لحساب شركة خاصة للتعاقدات العسكرية تربطها صلات بالكرملين بعد أن هاجموا قوات أمريكية وقوات تدعمها واشنطن.
وبكل حزم ربط البيت الأبيض بين روسيا والهجمات التي سقط فيها مئات المدنيين قتلى في منطقة الغوطة الشرقية في سوريا.
وصوّرت وثائق سياسية عليا من البيت الأبيض والبنتاجون تم الكشف عنها في يناير روسيا في صورة العدو الذي عاد ليحتل الصدارة في تخطيط الأمن القومي الأمريكي.حدث كل ذلك قبل أن تعلن الولايات المتحدة يوم الاثنين أنها ستطرد 60 دبلوماسيا روسيا لتنضم بذلك إلى حكومات في مختلف أنحاء أوروبا في معاقبة الكرملين على اعتداء بغاز الأعصاب على جاسوس روسي سابق في بريطانيا إذ اجتمعت هذه الدول على تحميل موسكو مسؤوليته.
ونفت روسيا أي دور لها في ذلك الهجوم. وعلّق نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، على تصريحات واشنطن في قضية سكريبال، وقال إن قرار أمريكا بطرد الدبلوماسيين الروس «لن يبقى دون رد».
وأشار ريابكوف إلى أن واشنطن تعتمد «اتهامات كاذبة ضد روسيا تهدد وتحاول قلب كل شيء رأسا على عقب».
وأكّد نائب وزير الخارجية، أن موسكو مستعدة للعمل مع واشنطن، لكن «قرار واشنطن بطرد الدبلوماسيين الروس لن يبقى دون رد صارم».
وأضاف ريابكوف أن المسؤولين في بريطانيا مستمرون في الهراء، وذلك تعليقا حول تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية عن «20 خيارا قدمتها روسيا» في قضية سكريبال.
ودعت موسكو لندن لدراسة المواد الرسمية في قضية سكريبال و«عدم تضليل المجتمع الدولي في هذا الإطار»، وهو ما اعتبره ريابكوف «تصرُّفا غير لائق».
وأعلنت السلطات الأمريكية أنها ستطرد 48 دبلوماسيا روسيا و12 موظفا من البعثة الروسية الدائمة لدى الأمم المتحدة، فضلا عن إغلاق القنصلية العامة الروسية في سياتل. إلا أنه لم يتضح بعد إعلان قرار الطرد يوم الاثنين ما إذا كان ترامب يعمل على تدعيم الموقف الأمريكي الأكثر تشددا الذي أسس له مستشاروه وجنرالاته أم أنه أذعن له فحسب.
وسعى معارضو ترامب لتصويره على أنه طرف مغلوب على أمره في أي نهج متشدد تجاه روسيا وذلك رغم أن مسؤولا كبيرا بالإدارة الأمريكية وصفه بأنه مشارك «منذ البداية» في عملية طرد الدبلوماسيين الروس. وقال النائب الأمريكي آدم سميث، أرفع الديمقراطيين في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب «أمر محيّر كيف توصّل إلى هذا القرار كرها عنه».
ومع ذلك تتعارض تصرفات إدارة ترامب مع إحساس واسع النطاق، غذّاه الرئيس نفسه بتصريحاته، بأنه خفف من غلواء الموقف الأمريكي إزاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسط التحقيق الأمريكي في تدخّل موسكو في انتخابات الرئاسة لعام 2016. ورغم الأفعال ذات الطابع المتشدد يحذّر خبراء من أن تباين الرسائل قد يهدم استراتيجية واشنطن لردع السلوك العدواني لدى موسكو.
وقال أندرو وايس، الخبير في الشأن الروسي بمؤسسة (كارنيجي إنداومنت فور انترناشيونال بيس) «الإشارات الصادرة عن أمريكا يضعفها غياب جدية ترامب فيما يتعلّق بروسيا».
ويوم الثلاثاء الفائت فحسب هنّأ ترامب بوتين على إعادة انتخابه الأمر الذي كان سببا في انتقادات حادة من بعض الجمهوريين.
إلا أنه في علامة أخرى على تباين الرسائل عيّن ترامب بعد يومين جون بولتون، أحد الصقور المتشددة من روسيا، في منصب مستشار الأمن القومي.
الدوامة
رغم أن الهجوم بغاز الأعصاب كان هو الشرارة الرسمية وراء قرارات الطرد الأمريكية فقد شدّد مسؤولون من إدارة ترامب على أن من الضروري عدم النظر إليه بمعزل عن الظروف المحيطة مستشهدين بسلسلة من تصرّفات موسكو العدوانية والمتسبّبة في زعزعة الاستقرار.
ففي أفغانستان اتّهم أكبر القادة الأمريكيين على الأرض روسيا مرة أخرى الأسبوع الفائت بتسليح مقاتلي طالبان.
وفيما يتعلّق بكوريا الشمالية قال ترامب نفسه لرويترز في يناير إن روسيا تساعد بيونج يانج على تفادي عقوبات الأمم المتحدة.
وقبل أقل من أسبوعين فرضت إدارة ترامب أول عقوبات على روسيا بسبب التدخّل في الانتخابات والهجمات الإلكترونية رغم أنها أحجمت عن معاقبة أباطرة الأعمال المقرّبين من بوتين.
ويتوقع مسؤولون وخبراء أمريكيون على نطاق واسع أن تتدهور العلاقات أكثر من ذلك على الأقل في الأجل القريب ويحذّرون من أن خطوات روسيا المقبلة قد تتجاوز مجرد الرد بطرد دبلوماسيين أمريكيين.
وقال ماثيو روجانسكي، الخبير في شؤون روسيا بمركز ويلسون للأبحاث في واشنطن «خطر التصعيد لا يأتي فقط من قرارات المعاقبة واحدا بواحد» مشيرا إلى إمكانية اتخاذ خطوات أكثر عدوانية في مجالات من الشرق الأوسط إلى عالم الإنترنت.
وقال مسؤولون أمريكيون إن إدارة ترامب ستسعى لتجنّب قطيعة كاملة في العلاقات الثنائية. وقال أحد المسؤولين إن التعاون الروسي ما يزال مطلوبا لمعالجة قضايا دبلوماسية شائكة مثل كوريا الشمالية وإيران.